تحصلت على هذه المخطوطة قبل خمس عشرة سنة من «مركز جوتة للمخطوطات بألمانيا»، وهو مركز يعتني بأنساب الأسر الملكية والأميرية في أوروبا وعموم العالم، كما أخبرني به أحد الأوربيين، هولندي الجنسية. عنوان المخطوطة النادرة هو «تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف»، ومؤلفها هو المقر التقوي ابن ناظر الجيش عبدالرحمن بن محمد الحلبي، فاضل اشتغل بالعلم وباشر كتابة الدست (توفي سنة 786 هجرية). وقد تعرفت على هذه المخطوطة من خلال موسوعة «صبح الأعشى في صناعة الإنشاء» للقاضي الأديب احمد بن عبدالله القلقشندي (توفي سنة 821 هجرية). قال القلقشندي في صبح الأعشى: «وكان الدستور الموسوم، (بالتعريف بالمصطلح الشريف)، صنعة الفاضل الألمعي والمصقع اللوذعي، ملك الكتابة وإمامها، وسلطان البلاغة ومالك زمامها، المقر الشهابي أحمد بن فضل الله العدوي العمري، سقى الله عهده العهاد، وألبسه سوابغ الرحمة والرضوان يوم المعاد، هو أنفس الكتب المصنفة في هذا الباب عقدا، وأعدلها طريقا وأعذبها وردا قد أحاط من المحاسن بجوانبها». ثم استطرد معرفا وواصفا ندرة هذه المخطوطة وقيمتها الأدبية قائلا: «ثم تلاه المقر التقوي ابن ناظر الجيش بوضع دستوره المسمى (بتثقيف التعريف)، مقتفيا أثره في الوضع، وجاريا على سننه في التأليف، مع إيراد ما أهمله في تعريفه، وذكر ما فاته من مصطلح ما يكتب أو حدث بعد تأليفه. فاشتهر ذكره وعز وجوده. ووقع الضن به حتى بخل بإعارته من عرف كرمه وجوده.» انتهى.. وقد نقل القلقشندي في «صبح الأعشى» أغلب محتويات هذه المخطوطة، ومنها رسم مخاطبة أمراء البحرين بأصحاب المقام السامي، حسب ما ذكره المقر التقوي ابن ناظر الجيش في كتابه «تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف» بما هو نصه: «عرب البحرين: أميرهم وكبيرهم صدقة بن إبراهيم المعروف بابن أبي دلف رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء تعريفه، محمد بن مانع مثله، وحسين بن مانع أخوه مثله، علي بن منصور مثله. وأما من يكتب إليهم السامي بغير ياء فهم: بدران بن مانع، رومي بن أبي دلف، رزين بن قاسم، يوسف بن قاسم، سعيد بن معدي، راشد بن مانع، عيسى بن عرفه، ظالم بن مجاشع، إسماعيل بن صواري، كلبي بن ماجد، حامد بن زيد، ماجد بن بدران، مانع بن علي، مانع بن بدران. وأما من يكتب إليه مجلس الأمير فهم: عظيم بن حسن بن مانع، موسى بن أبي الحسن، سعد بن مغامس، زيد بن مانع، هلال بن يحيى، معمر بن نافع، محمد بن خليفة» انتهى. وقد عرف شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري (توفي في عام 749 ه) بلاد هؤلاء الأمراء بأنها تقع ما بين العراق والحجاز أي أنها تشمل جميع أطراف المنطقتين الشرقية والوسطى من المملكة (البحرين ونجد)، كما ذكر ذلك في كتاب “التعريف بالمصطلح الشريف” بما نصه: “وأما عرب البحرين: فمنهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار، يجلبون جياد الخيل وكرام المهاري واللؤلؤ وأمتعة من أمتعة العراق والهند، ويرجعون بأنواع الحباء والأنعام والقماش والسكر وغير ذلك، ويكتب لهم بالمسامحة فيردون ويصدرون. وبلادهم بلاد زرع وضرع، وبر وبحر، ولهم متاجر مربحة، وواصلهم إلى الهند لا ينقطع، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، ولهم قصور مبنية، وآطام عليّه، وريف خير متسع، إلى ما لهم من النعم والماشية، والحاشية والغاشية، وإنما الكلمة قد صارت بينهم شتى والجماعة متفرقة. ورسم المكاتبة إلى كبرائهم: “بالسامي” بالياء والعلامة الشريفة “أخوه” ثم ما دون ذلك لمن دونهم.” انتهى. كما ذكر احمد بن فضل الله العمري في كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار): “بأن عرب البحرين: وفدوا في الأيام الظاهرية، وعوملوا بأتم الإكرام، وأفيض عليهم سابغ الإنعام، ولوحظوا بعين الإعتناء”. ثم استطرد يقول: “ فكان لا يزال منهم وفود بعد وفود، وكان منزلهم تحت دار الضيافة لا يزال يسد فضاء تلك الرحاب، وتغص بقبابه تلك الهضاب، بخيام مشدودة بخيام، ورجال بين قعود وقيام، وكانت الإمرة فيهم في أولاد مانع إلى بقية أمرائهم وكبرائهم. ودارهم: الأحساء، والقطيف، ملج، نطاع، والقرعاء، واللهابة، وجودة، ومتالع“. انتهى. وقد أخبرنا الحمداني عن نسبهم وهو معاصر لهؤلاء الأمراء، وتبعه ابن فضل العمري على ذلك في “مسالك الأبصار” فقال: أنهم من عامر ربيعة، وهم غير عامر المُنْتَفِق، وعامر بن صعصعة. وقد إختلط على القلقشندي غفر الله له معرفة نسبتهم وهو معذور، حيث أنه لم يكن معاصرا لهم. وبهذه المناسبة فقد أفرد الشيخ حمد الجاسر مقالا خاصا في “مجلة العرب ج 8،7 س 24 محرم، صفر 1410 هجرية” تناول فيه بعض أخبار بني عامر بن الحارث القبيلة العبقسية الربعية العدنانية اللذين ينتمي إليهم أمراء الدولة العيونية في البحرين ”المنطقة الشرقية حاليا”. يحسن الرجوع إليه للفائدة. وسوف أقتطف بعض الفقرات من ذلك المقال لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع حيث يقول : “تشابك أنساب القبائل تداخلها، من أصعب ما يعترض دارسي أنساب العرب، وعند محاولة التمييز بينها، وخاصة إذا نشأ هذا التداخل عن تقارب في المنازل، وتوافق في الزمن، وهذا ينطبق على قبيلتين من أشهر قبائل الجزيرة منذ العصر الجاهلي حتى أزماننا القريبة التي لا تزال لتلك القبيلتين فيها بقايا فروع تنتسب إليهما، واعني بهما بني عامر القبيلة الهوازنية المضرية العدنانية، وبني عامر العبقسية الربعية العدنانية. فالأولى كانت تمتد بلادها من الأودية المنحدرة من سلسلة جبال الحجاز الغربية، منساحة في وسط نجد حتى تبلغ رمال الأحقاف (الربع الخالي) على مقربة من نجران، متوغلة جنوبا في الجزء الجنوبي من عارض اليمامة وأوديته وقراه. والقبيلة الثانية كانت منتشرة مع الفروع الربعية الأخرى في عالية نجد، حتى حدثت الحروب التي فرقت تلك الفروع فكان منها بنو عبد القيس الذين حلوا شرق الجزيرة حول سواحل البحر، فيما بين عمان جنوبا إلى قرب كاظمة (الكويت) شمالا مخالطين قبائل أخرى ومن عبد القيس بنو عامر (ابن الحارث) في البحرين. ثم قال: ويزخر شعر ابن المقرب العيوني الذي عاش إبان حكم العيونيين في الأحساء بالإشادة ببني عامر اؤلئك، فيقول في مدح أحد اؤلئك الأمراء: ينمى إلى الشم الغطارف والذرى من حارث والسادة الحكام ولحارث عرفت رئاسة عامر في جاهليتها وفي الإسلام ويسمي بعض بطون بني عامر فيقول: ومن ذا يسامي مرة وبه سمت بنو عامر عزا وجاز إغتشامها وكم سيد في مالك ذي نباهة إذا فقدته الحرب طال أيامها وما مالك إلا الحماة وإن أبت رجال فبالآناف منها رغامها وفي حارث واللبو غر غطارف يبر على الخصم الألد خصامها وإن لعمري في بقايا محارب سيوف ضراب لا يخاف انثلامها ويقول: لكيزية أنسابها عامرية يلوذ المناوي ضيمها واعتصابها إذا ثوب الداعي بها: يال عامر أتت مثل أسد الغاب غلب رقابها مقدمها من صلب عوف بن عامر إلى الموت فتيان شديد غلابها من الحارثيين الأولى في أكفهم بحار الندى مسجورة لا ثغابها ومن مالك بيت الفخار بن عامر فوارس أرواح الأعادي نهابها ويضيف قائلا: ويأتي ابن فضل الله العمري في كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» فيتحدث عن بني عامر هؤلاء محددا منازلهم، وذاكراً بعض بطونهم، مفرقا بينهم وبين بني عامر بن صعصعة بما نصه: عقيل: وهم من آل عامر، قال الحمداني: وهي غير عامر المنتفق، وغير عامر بن صعصعة.” انتهى وقد أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني تراجم لبعض منهم في «الدرر الكامنة لأعيان المائة الثامنة»، نقلا عن مخطوطة «ذهبية العصر» لإبن فضل الله العمري كما يلي: - كلبي بن ماجد العامري العقيلي من أمراء البحرين ذكره الشهاب ابن فضل الله وقال كان شيخ وقار واجلال وكان يفد على السطان ويأتي بالخيل (العراب الموسومة) في سرعة السير وكان السلطان يكرم وفادته فيرجع مسرورا قال وانشدني لنفسه سنة 732 هجرية من قصيدة: لعمر سليمى انها يوم ودعت نعيم نفوس في الورى وعذابها لقد اصبحت من خلف رملة عالج فهل بعد هذا البعد يدنو اقترابها - هلال بن ابي الحسين العامري ثم العقيلي ذكره الشهاب ابن فضل الله وقال كان من كبار قومه وله وفادات على الناصر ويهدي إليه الخيل الكرام قال وأنشدني لنفسه: وديمومة تيهاء كلفت حاجبي سرى الليل فيها واجتباء المكارم قطعت بها الظلماء في كل وجهة اشق الدجى فيها إلى أم سالم دآج براها الله للعين فتنة ألا هكذا أفعال غر المناسم وفي الختام، هذا ما توفر من اللمحات الإخبارية عن هؤلاء الأمراء، وعن بلادهم، وعن صلاتهم الخارجية والتجارية والأدبية مع إقليم مصر. وأرجح أن لهم أخبار وعلاقات تجارية موازية مع الأقاليم المجاورة الأخرى مثل العراق والشام والحجاز واليمن وفارس والهند وشرق أفريقيا، في مخطوطات لم تصلنا بعد. وقد يصدق قول الشاعر: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود.