من عرف ديننا الإسلامي الحنيف على حقيقته وجوهره تأكد بدون أدنى شك ووثق تمام الثقة أن ما هز قلب العاصمة البريطانية (لندن) في السابع من يوليو الجاري من تفجيرات إرهابية لا يمثل الإسلام من قريب أو بعيد، حتى وإن وقع من أناس تدعي زوراً وبهتاناً الانتساب له والدفاع عنه كمنظمة القاعدة الإرهابية، ذلك أن الإسلام من أبرز مبادئه وقيمه السمحة (العدل) حتى وإن ظُلِم الآخرون، ويدعو إلى التسامح والتعايش والسلام، من خلال ما أنزله الله جل وعلا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من آيات بينات في محكم تنزيله حفظها المسلمون عن ظهر غيب ويتلونها ليل نهار.. وإلا فإن ما حدث في لندن - ولا شك - عمل إجرامي جبان وخسيس بكل المقاييس لا يقره عقل سوي ولا يقبله منطق صحيح ولا يمكن أن يستوعبه إنسان ذو فطرة سليمة يؤمن بكرامة الكيان الإنساني وحرمة دمه، وأن مخططيه ومنفذيه هم - مع الأسف - مجرد قتلة محترفين، لا هدف لهم سوى الترويع ولا قضية عندهم إلا التدمير والتفجير في إرهاب أعمى طائش ليس من شأنه أن يخدم قضية أو ينصر مظلوماً. وحقاً لنا أن نتساءل ما ذنب أسرة مسكينة استقل أحد أبنائها القطار مبكراً ليلحق بمدرسته أو جامعته؟ وما الذي يبرر قتل عامل أو موظف بسيط ذاهب إلى مقر عمله، أو طبيب وطبيبة في طريقهما لمعالجة مريض أو إجراء عملية لإنقاذ حياة مصاب فأضحوا جميعاً هم الضحية؟.. ما ذنب كل هؤلاء وغيرهم من الأنفس البريئة.. رجالاً ونساءً شيوخاً وأطفالاً استقلوا (القطار) أو الحافلة ذاهبين إلى أعمالهم وأداء واجباتهم اليومية ولم يعرفوا أن يد الغدر التي لا ترحم كانت في انتظارهم، ولم يخطر في بال أحد منهم أن منطق الجبن والخسة كان لهم بالمرصاد، فاغتالوا السائرين في وسط الطريق، دون ذنب اقترفوه، ولا جريمة ارتكبوها.. هذه الأسئلة وغيرها لم تَدُرْ بأذهان تلك العقول الضالة والأيادي الشيطانية التي قتلت أنفساً بريئةً، كما قتلت بالأمس القريب أخاً لهم في اللغة والدين والعقيدة وهو السفير المصري في بغداد، ومن يدري فمن يكون الدور عليه في (القائمة) أو من (الكافر) منا غداً المهدر دمه، وبالتالي الحكم عليه بالإعدام، وفق هذا المنطق المعوج في تفسير الدين من قبل عصابات القتل وسفك الدماء. إن القارئ والمتتبع لبيانات منظمة القاعدة الإجرامية التي تعلن مسؤوليتها عن كل عمل إرهابي فور وقوعه يدرك تمام الإدراك أنها بيانات ضالة تنطوي على قدر غير مسبوق من احتقار الحياة الإنسانية وفيها من الوحشية والجنون ما لا يصدقه عقل.. فأي بشرى يزفها هؤلاء القتلة إلى العرب والمسلمين؟؟ قتل الأنفس المعصومة وتلطيخ قضايانا العادلة بدم الأبرياء، وتشويه سمعتنا في كل مكان، وتحويل الإسلام إلى عنوان للإرهاب.. أهذه هي بشراكم؟؟!! لا بشّركم الله بخير. وعلى أية حال فإن الذين يمارسون الفوضى باسم الجهاد والشغب والعبث باسم المقاومة في قتل المواطنين والأطفال العراقيين السالمين الخارجين من سلسلة حروب مدمرة ومن حكم ديكتاتوري ظالم مستبد لن يترددوا بأي حال من الأحوال من نسف الجسور والأنفاق وإلحاق الأذى بالآخرين، الذين يخططون عن سابق إصرار وترصد لإغراء الابن لمفارقة والديه والزوج لهجر بيته وأسرته واستدراجهم إلى معسكرات التخريب والإجرام لن تأخذهم بالتأكيد رحمة أو شفقة ورأفة بغيرهم، والذين يقطعون الرؤوس أمام الكاميرات ويكفرون كل من لم يتبع سبيلهم الدموي لن يجدي معهم رجاء ولا تنتصر معهم حُجة.. غير أن المشكلة أن هناك بيننا من يبرر هذه الجرائم، أو من يقول (لا) ويعقبها ب (ولكن)، ولكن هذه هي تبرير للقتل الأعمى، ولكن هذه هي مشاركة في القتل.. نعم.. نقد السياسات الغربية وتفنيدها بل ومقاومتها وفضح مخططاتها عمل مشروع ومرغوب ولا شك، ولكن ليس بهذه الطريقة، فهناك مقاومة وهناك إرهاب، ولا ينبغي لنا أن نخلط بين الأمرين، والأهم من ذلك كله ألا نجد لهم المبررات والأسباب أياً كانت الحجة أو الذريعة لاستهداف المدنيين. إنّ ما حدث من تفجيرات في لندنومدريد وقبلهما ما حدث في رياضنا الغالية ليست موضع استنكار وإدانة فحسب بل في الأساس مسألة مرفوضة ومنبوذة تستوجب سرعة المعالجة الجدية والعميقة لأسباب وجذور الإرهاب وذلك بالعودة إلى مبادرة المملكة العربية السعودية التي سارعت بتوجيه من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أمدَّ الله تعالى في عمره ومتعه بدوام الصحة والعافية - إلى طرح ملف الإرهاب على المجتمع الدولي، ومن خلال رؤية واضحة وعزم أكيد عبر عنهما أكثر من مرة سمو سيدي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - مشدداً على أهمية حصول تعاون دولي حقيقي لمكافحة ظاهرة الإرهاب والعمل الجماعي للقضاء على أسبابه وجذوره بعد أن أصبح يهدد الأمن والاستقرار العالميين. لله در الفيتناميين،..ذلك الشعب البسيط الأصيل الذي قاوم الاحتلال الأمريكي فوق أرضه دون أن يرسل انتحارياً أو فدائياً واحداً إلى لندن أو مدريد أو نيويورك ليلفت نظر العالم إلى محنته وقضيته العادلة في الوقت الذي كانت فيه قنابل (النابالم) الفتاكة تقتل أبناءه وتدمر منجزاته.. لقد كان الفيتناميون يأتون إلى باريس على هيئة وفود للتفاوض من أجل قضيتهم ويذهبون لمدن العالم والمحافل الدولية حاملين هذه القضية، وكان العالم كله - وخاصة في العواصم الغربية - يسيّر المظاهرات الحاشدة تضامناً وتعاطفاً معهم، ولذلك فقد انتصروا لأن ساحة المعركة وهدفها كان واضحاً بالنسبة لهم، ونشك إن كان هناك هدف واضح ونبيل لأولئك الذين يضعون القنابل في المجمعات السكنية والأنفاق ووسائل المواصلات. فهل يتعلم هؤلاء شيئاً من كفاح الفيتناميين ويوقفوا هذا العبث الدموي؟؟!!