في مثل هذا اليوم من عام 1212 لقي المسلمون هزيمة مروعة في معركة العقاب التي نشبت بين جيوش الموحدين، ومملكة قشتالة وجموع الصليبيين في أوروبا. قامت دولة الموحدين في المغرب في القرن السادس الهجري على أساس دعوة دينية خالصة، تلتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتستهدف إقامة خلافة إسلامية تعود بالمسلمين إلى عهد الخلفاء الراشدين، وكان يقود هذه الدعوة الإصلاحية الشيخ (محمد بن تومرت)، وجمع حوله الأتباع إليه، ثم قام تلميذه (عبد المؤمن بن علي الكومي) بمتابعة دعوته، وتنظيم الأعوان، ودخل في صراع مع دولة المرابطين دام أكثر من خمسة عشر عاماً، إلى أن نجح في إحكام قبضته على المغرب الأقصى، ودخول مراكش عاصمة المرابطين في سنة (541ه = 1146)، معلناً شروق دولة جديدة، هي دولة الموحدين. وبعد نجاح (عبد المؤمن بن علي) في إقامة دولته بالمغرب، وإرساء دعائمها، ووضع نظمها وقوانينها - اتجه إلى الأندلس لضمها إلى دولته، وتنظيم شئونها والدفاع عنها ضد هجمات النصارى، فنجح في ذلك، وأقام على قواعد الأندلس رجالاً من آل بيته. وبعد وفاته سنة (558 ه = 1163م) خلفه ابنه (يوسف) فاستكمل سياسة أبيه، ووطّد نفوذ دولته في الأندلس، وبعث إليها بالجيوش لتأمين ثغورها، وتقوية إماراتها. وفي إحدى غزواته فيها سنة (579 ه = 1183م) أصيب بسهم عند أسوار (شنترين)، فرجع إلى مراكش مصاباً، وقضى نحبه بها سنة (580ه=1184م). ولي (يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن) خلافة دولة الموحدين بعد أبيه، وتلقب بالمنصور، وكان قائداً ماهراً، وسياسياً قديراً، ورجل دولة من الطراز الأول، ويعد من أبطال المسلمين العظام في القرن السادس الهجري. وقد أولى المنصور الموحدي عناية فائقة بالأندلس، وتأمينها ضد هجمات مملكتي قشتالة وليون المسيحيتين، واتخذ من عقد معاهدات الصلح معها سبيلاً إلى تحقيق الأمن في الأندلس، ثم اضطرته الأحداث إلى خوض المعارك ضدهما حين نقضا المعاهدات ونكثا بالعهود وهاجما أراضي المسلمين، وكانت معركة (الأرك) التي خلّدها التاريخ وكان هو بطلها الأول، ووقعت أحداثها في (التاسع من شعبان 591ه = 18 من يوليو 1195م) عند حصن الأرك، وأسفرت عن نصر مؤزر للمسلمين، وانكسار حدة الهجمات النصرانية بعد أن خسرت القوات القشتالية نحو ثلاثين ألفاً. أثمرت جهود (ألفونسو الثامن) في استنفار أوروبا كلها ضد المسلمين، حيث أنذرهم البابا بتوقيع عقوبة الحرمان الكنسي على كل ملك أو أمير يتأخر عن مساعدة ملك قشتالة، كما أعلن الحرب الصليبية، وتوافدت جحافل الصليبيين من كل أنحاء أوروبا استجابة لدعوة البابا، واجتمع منهم نحو سبعين ألف مقاتل، حتى إن طليطلة لم تتسع لهذه الجموع الجرارة، فأقام معظمهم خارج المدينة. وفي (15 من صفر 609 ه = 17 من يوليو 1212م) نشبت المعركة بين الفريقين، وأقبلت مقدمة جموع الصليبيين الضخمة، فاجتاحوا الجند المتطوعة وكانوا في مقدمة الجيش، فأبادوهم عن آخرهم، وتمكنوا من الوصول إلى قلب الجيش الموحدي واشتبكوا معه، لكن القلب صمد لهذا الهجوم الجامح، ولاح النصر للمسلمين. فلما رأى ذلك ملك قشتالة اندفع بقواته وقوات مملكتي ليون والبرتغال وكانت تمثل قلب الجيش الصليبي، واندفع وراءه ملكا (أرغون) و"نبرة) بقواتهما وكانا يمثلان جناحي الجيش، فأطبقا على الجيش الموحدي من كل جانب، فاضطربت صفوف الجيش، ولاذ الجند بالفرار؛ مما أربك أوضاع الجيش الذي استسلم للهزيمة القاسية. وقد فجع الموحدون بهذه الهزيمة القاسية التي راح ضحيتها الألوف من زهرة جنود المسلمين؛ مما أضعف دولة الموحدين، وأفقدهم هيبتهم وقوتهم. وبعد وفاة الناصر سنة (610ه = 1213م) بدأ الضعف يتسلل إلى الدولة، ويتطرق إليها الخلاف والفرقة؛ مما أضعف الأندلس، وشجع النصارى على تصفية ما بقي للمسلمين من أرض، واختزلت دولتهم في مملكة غرناطة في جنوب الأندلس.