في كل مجتمع يوجد من العادات والطباع ما يثير العجب. ولعل مجتمعنا - وليس كله - فيه من الغرائب أو لنقل فيه من ذوي العادات الغريبة ما يشد الانتباه ويدعو للتعجب! ومن ذلك: المهووسون بالأسئلة، ومحبو الاطلاع على كل شيء عن كل فرد سواء كان قريباً أو بعيداً عنهم. فالفرد من هذا الصنف عندما يقابلك فإنه يمطرك بوابل من الأسئلة التي لا تعلم ماذا سيستفيد إذا أجيب عليها، أو ماذا ستقدِّم له أو تؤخِّر! فهذا لا يتورع عن إلقاء أسئلة عليك أو على غيرك مثل: أين تعمل؟... ويتبعه: في أي مرتبة أو أي مستوى أنت؟.. ويلي ذلك.. كم راتبك؟! ويكمل الهجوم: هل عملك مريح أم شاق؟ وينتقل إلى شأن آخر من شؤونك وبكل خفة ورشاقة و(عنف وبلادة) يوجه إليك مدافع أسئلته التي تدك حصون (خصوصياتك). هل أنت متزوج؟.. ويكمل: ممن؟.. ولا يتوقف القصف: هل عندك أولاد؟ فإذا كانت إجابتك (نعم) فتوقع: كم؟.. وإذا كانت (لا) فتوقع: لماذا؟.. ولا يستحي أن يسأل: منك أو منها؟! وإذا انتزع إجابات الأسئلة السابقة فإنه يعطيك مهلة لتلتقط أنفاسك ثم ينقض عليك انقضاض الصقر على فريسته، وبحركة أفعوانية مفاجئة يداهمك ويعيد قصفك بأسئلته قائلاً: أين تسكن؟... فإن أجبته أنك تسكن في حي قديم (متواضع) فإنه لا يستطيع أن يكتم ضحكة ملؤها السخرية والشماتة! وإذا قلت له: إنك تسكن في حي راق (جديد) فإن ردة الفعل لا تتعدى قوله: يحق لك!!وأنت في غمرة تعجبك منه ومن أسئلته يجد الفرصة ليهاجم ويكر من جديد. هل أنت مع الأهل (العائلة) أو مستقل؟ فإن كان ردك أنك مقيم مع الأهل صبَّ عليك جام غضبه قائلاً: هل أنت بحاجة إلى أوجاع رأس و(غرابيل) من تجميع النساء؟! وإن قلت له: إنك مستقل مع زوجتك ببيت فاستعد للتحقير والتسفيه منه قائلاً لك: هذا عيب شبابنا، أول ما ينبت له ريش فإنه يطير ويترك (أميمته) وأباه! وأتساءل (أنا) بكل براءة: هل شكا أبوك أو شكت أمك حالهما له؟ وينهي أسئلة هذا الباب قائلاً: هل أنت مستأجر أم مالك؟ فإن أجبته أنك مستأجر فقد أرحته!.. وقال لك: طبيعي، وهل هناك من هو في عمرك ويملك بيتاً؟! وإن قلت إنك تملك بيتاً فإن يوجه لك سؤالاً - صاروخاً من طراز (توما هوك) - مدمراً: كيف استطعت ذلك؟ فجهز دفاعاتك الأرضية والجوية.. وكن على حذر! وتتوالى القذائف والصواريخ (أرض - جو) و(جو - جو) و(جو - بحر) و(أرض - جو بحر)! والتي يسميها البعض أسئلة! والأدهى والأمر أن أي إجابة منك تتضمن حالاً سلبية لك فإنه لا يتبعها بدعوة طيِّبة يرجو بها وجه الله فيقول الملكان: ولك مثلها. وأي إجابة منك تدل على حال إيجابية لك فإنه لم يسمح بعد بكلمة تُقال عند إعجاب المرء أو استحسانه شيئاً لأخيه المسلم وهي: ما شاء الله.. تبارك الله!! أخي: هل تستبعد الحسد ممن هذا ديدنه؟! قال عزَّ من قائل في محكم التنزيل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} (32) سورة الزخرف. وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً). وقال الشاعر: اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله [email protected]