لم ترتح نفسية ذلك الرجل العقيلي من أهالي بريدة، وهو يضع رجلاً على رجل وأمامة جبل الثلج الأبيض في لبنان تحيط به الخضرة والنسمة .. لم يعجبه ذلك المنظر الجميل والأجواء الممتعة وحنان برودة تلك البلاد .. في هذا المشهد .. في تلك الساعة فقط .. جال في خاطره منظر وطنه .. تمنى جلسة فوق رمال بريدة الذهبية .. يجمع حطبه .. ينصب قدره .. يشعل ناره .. يطبخ عشاء تلك الليلة .. ويغني لبريدة.. .. هكذا هم (العقيلات) رجال بريدة وتاريخها .. جالوا كلّ البلاد .. وطأت أقدامهم كلّ الأراضي .. طالت قاماتهم فعانقت شم الجبال .. وحسن ذكرهم على كلِّ لسان .. فأضحوا مضرب المثل في الشهامة والكرم .. في الوفاء والمروءة .. في الصبر والتحمُّل .. هكذا هم آباؤنا وأجدادنا تاريخ يجب ألاّ ينسى .. وسيرة عطرة يجب أن يتعلم منها الجميع .. وعندما يأتي صيف بريدة هذا العام مخلِّداً ذكر هؤلاء الرجال من خلال (مجالس العقيلات) التي رسمت أولى حكايات الماضي .. ومن خلال (مناخ العقيلات) الذي يؤصِّل قيمة هؤلاء الرجال كجزء من التاريخ النجدي بشكل عام وتاريخ مدينة بريدة بشكل خاص .. يؤكد حضورهم رغم غيابهم .. وبقاءهم رمزاً مشرقاً لمدينة بريدة. .. بقى أن نقف قليلاً عبر دراسة موثقة لرحلات العقيلات .. ومواقفهم .. وتاريخهم .. خصوصاً أنّ هذا التاريخ ليس بعيداً وقد يكون بين ظهرانينا من شارك العقيلات رحلاتهم .. وقد شاهدت برنامجاً تليفزيونياً عن العقيلات تميز باحترافية الأفلام الوثائقية .. وجمالية الإخراج الفني والتغني وهو خطوة جيدة من هذا المضمار .. كما أنّه قد سبق وصدرت عدد المؤلفات عن جزء من تاريخ العقيلات وتراثهم ومواقفهم وهي بلا شك مهمة في هذا المجال .. .. لقد جاء مهرجان بريدة الترويحي لهذا العام (1426ه) امتداداً لمهرجان العام الماضي الذي بدأت فيه الخطوة الأولى ليلقي ضوءاً على زاوية مهمة من زوايا تاريخ مدينة بريدة الذي يؤصِّل لها تاريخ العقيلات مع مشاركة عدد من المدن في هذه الملاحم النجدية.. .. لك أيها الرجل النجدي أن تحمل أرضك في قلبك وأنت تمتطي راحلتك صوب الشمال والغرب في ملحمة عطاء وصبر .. ولك أيها الرجل النجدي أن نخلد ذكرك فوق ثرى غاليتك (بريدة) .. فوق طعوسها ورمالها الذهبية ونسمة صباها المنعش .. لك أيّها الرجل النجدي أن نعلم الصغار سيرتك العطرة وتاريخك الجميل .. ومواقف الشهامة والكرم .. والبحث بجد وهمّة عن مصادر الرزق مهما قسا الزمن..!! .. ثق أيها الرجل العقيلي أننا لن ننحت اسمك على (طويل الثلج) كما وصفته .. بل نرسمه على لذة الدنيا كما أردت (طعوس) بريدة ورمالها.. (هذا طويل الثلج يا عبيد جيناه وين الحطب نبي نسوي عشانا لي ديرة يا عبيد ما والله أنساه يا لذة الدنيا طعوس ورانا)