(بريدة ما هيب هاجه) كلمة تسمعها على لسان أهل بريدة المقيمين خارجها حينما يريدون أن يحتفوا بأحد من أقاربهم القادمين من بريدة، فتجد ذلك الضيف البريداوي حينما ينهي المهمة التي أتى من أجلها إلى الرياض مثلاً أو غيرها تراه يريد العودة حال إنهاء مهمته أو مشواره الذي أتى من أجله دون تأخير، بصورة تحس معها كأن أحداً يدفعوه بقوة إلى المغادرة ثم تجد أقاربه أو أصدقاءه يحاولون ثنيه للبقاء لكي يقوموا بواجب الضيافة نحوه، لكنه يصر على العودة إلى بريدة ومن ثم تسمعهم يردفون مع عبارات الإلحاح عليه بالبقاء هذه العبارة (وش معجلك ترى بريدة ما هيب هاجة) ولعل هذا الوضع ليس محصوراً على أهل بريدة فقط في تعجل العودة إلى البلد أو المكان الذي أتوا منه فغيرهم كثير من محافظات المملكة، وتلك حالة ترتبط بالانتماء إلى المكان حتى المزارعون الذين يصبّحون أسواق الرياض أو أي سوق آخر بإنتاج مزارعهم كل يوم تجدهم حينما ينهون بيع تلك الخضار ينطلقون إلى قراهم أو مزارعهم دون تأخير. أهل بريدة يبدوا أن لديهم خصوصية في هذه الحالة مع مدينتهم رسخت منذ القدم فرغم أنهم أهل سفر وترحال وتجارة في الكثير من الأمصار من بلاد الشام وفلسطين والعراق ومصر حتى الصومال في أفريقيا، فيما عرف برحلات العقيلات، إلا أن هذه الحالة من الوله إلى بريدة والشوق إليها قد لازمت سلوكهم وقد استطاعوا أن يوجدوا نوعاً من التوازن بين رحلات التجارة وضروراتها وبين معشوقتهم وحضنهم الدافئ بريدة. على الرغم من أن وسائل النقل البدائية في ذلك الوقت المتمثلة بالإبل لا تساعدهم على سرعة الوصول إلى أهدافهم إذ تطول معها فترة الغياب عن بلدهم إلا أنهم كانوا يحملون بريدة في قلوبهم وعقولهم حينما يسامرون أنفسهم بالقصائد التي تذكرهم بها مع كل خطوة بطيئة تخطوها تلك الرواحل التي تقلهم إلى الغربة وكل شخص تجده يحاكيها بعدد من أبيات الشعر. تحس معها أن هؤلاء هم من يملك هذا الشعور حيث جسدوا هذا الوجد نحوها بأبيات من الشعر ومما قيل أثناء رحلة السفر على الإبل تلك القصيدة التي من أبياتها قول أحد أبناء العقيلات وهو على ظهر راحلته وقد أقبل على بلاد الشام وبدت جبالها المكسوة بالثلج تطل أمام ناظره كأنها تنبت من الأرض كلما اقترب منها وقد ترك وراء ظهره بريدة والقصيم برمالها وصحرائها، إذ يقول: هذا طويل الثلج يا عبيد جيناه منين الحطب نبغى نسوي عشانا لي ديرة يا عبيد ما والله أنساه يا لذة الدنيا طعوس ورانا وهذا يذكرني أيضاً بمقولة ابن بريدة الراحل فهد المبارك الذي كان يمارس ما يشبه مهنة العقيلات من حيث السفر والترحال في الفترة التي تلت توقف رحلات العقيلات أواخر الستينات الهجرية من القرن الماضي لكن عبر سيارته التي كان ينقل عليها البضائع من الشام إلى بريدة وغيرها من مدن المملكة، حينما كان مستريحاً في أحد نواحي لبنان وتنهد بشوق وقال: (مسكين ياللي ماله بريدة)، رغم أنه يدرك اعتدال وطراوة المناخ في تلك اللحظة التي يعيشها في بلاد الشام وجوها المعتدل وطبيعتها الخلابة يقابله ذلك الطقس القائظ الحار جداً في عموم نجد لكنه يدرك أن نفسه وروحه قد تعلقتا بربوع تلك المدينة التي سحرت نفسه وأحاسيسه لترفض كل شي عدا مدينته بريدة.ومن الطرائف عن أهل بريدة خاصة الشباب المكافح منهم أن الشخص في الفترات السابقة إذا أراد السفر للتجارة وطلب الرزق في أي مكان آخر وقيل له لماذا تترك ديرتك بريدة فإنه يرد بتلك المقولة الظريفة (بريدة ماهيب هاجة) نبي نترزق إن شاء الله ونرجع لها.