انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    "سلمان للإغاثة" يوزّع 175 ألف ربطة خبز ضمن مشروع مخبز الأمل الخيري في شمال لبنان    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجراحات التجميلية تكشف اقتصاداً تدثر بشفاه نانسي وجفون هيفاء!!
المجهر الاقتصادي
نشر في الجزيرة يوم 06 - 07 - 2005

البذور يقال بإنها في مخطوطات تُرجمت في زمن هارون الرشيد تشير إلى جذور قديمة لا يمكن تحديدها بشكل دقيق!! والنشأة الاولى يظن بأنها على يد الجراح أبي القاسم الزهراوي في زمن الاندلس العتيق...والتشكل لم يتم الا بعد ان قلبت الحضارة علينا ظهر المجن في عصر النهضة الغربية... أما الاجماع فلم يعقد إلا بانقضاء الحرب العالمية الثانية واضطرار الجنود لاصلاح ما افسدته الحرب!! لكن التاريخ الدقيق للشكل الاقتصادي الحديث لم يتخلق إلا في زمن الهوس بإصلاح ما افسد ه الدهر!! باختصار هذه قصة قطاع تشكل في وجه قطاع...
أو صدر قطاع!! (الجراحات التجميلية) حيث بلغ عدد عملائها في الولايات المتحدة أكثر من 7 ملايين شخص انفقوا في سنة واحدة أكثر من 80 بليون دولاراً!! وفي منطقتنا جذبت احدى البلاد - الشغوفة بالجمال واهله- في سنة اليها من اللاهثين اكثر من20.000 لاهث!!... أكثر من 30% منهن - أو منهم.. لقادمات - أو قادمين - من دول عربية اغلب الظن انها خليجية!!
(وظائف لن تموت!!)
هذا الموضوع يتطلب مجهراً من نوع آخر!! كنت أدرك ذلك... ولذا مكثت فترة ليست بالقليله قبل أن اطمئن بأنه اكتمل أو قارب!! حملت المجهر إلى اكثر من مكان!! إلى عقول الناس وقلوبهم... إلى العيادات والمستشفيات... ولم أتصور ان حديث جراحات التجميل سيتحول إلى جراحة اقتصادية من نوع مختلف جرت بالصورة التي استسلمت إليها بعد لقائي بصديق اتصل ليدعوني إلى تناول العشاء في مكان غير تقليدي مع ضيوف غير تقليديين!! سألته عن المكان فأخبرني أنه في مطعم في أحد فنادق الرياض الكبرى!! والضيوف لم يزد على ان قال أصدقاء من نوع مختلف!!
كانت الساعة تجر تلابيب التاسعة... وأنا استحث خطاي في ذلك البهو الفاخر سعياً لصاحبي واصدقائه غير التقليديين كما اخبرني!! كان مصراً على ان احضر مبكراً لان الحديث اهم من العشاء (... ان حديث الضيف شيء من القرى)... وصلت إلى حيث الصديق وضيوفه!! استقبلني باسماً ثم قدمني اليهم (اقتصادي يتعاطى الادب)!! لم احفل كثيراً بتقديمه وقد سمعته يوماً يقول (الأدب والاقتصاد لا يجلبان خيراً على احد... ينبغي عليك ان تضحي بأحدهما!!) رغم تصنعي بعدم المبالاة بما كان يقوله... كنت ادرك غربة الادب في حضرة الاقتصاد وغربة الاقتصاد في حضرة الادب!! صعوبة المواءمة بين ادب يضعف قوته العقل و اقتصاد تضعفه بل تدمره العاطفة!! ولم اصل إلى صيغة توازن مناسبة الا حين سمعت عجوزاً تتهكم في كشك ازهار صغير - في احد شوارع غلاسكو- ان الاقتصاد يستدر من العاطفة ارباحاً اكثر مما يستدر العقل!! حينما استقصيت امر مقالتها اخبرتني ان مبيعات الازهار في عيد الأم في بريطانيا تبلغ 70 مليون باوند!! وهذا الرقم لا يشمل سوى فقط طلبات ازهار التوصيل!! فضلاً عن المناسبات والعواطف الاخرى طوال السنة!! ما اثار عجبي انهم في الغرب يتحدثون عن الشرق العاطفي المشبع بالمشاعر فاذا بنا نستورد حتى العواطف. لا املك احصائية حول مبيعات الازهار الحمراء في الرابع عشر من فبراير حين يظهر لها سوق سوداء - في المملكة -... في يوم الحرب على الأزهار!! قدم الصديق اصدقاءه إلى (خالد وعبدالرحمن) شابان يعملان في مجال الدراسات والاستشارات الاقتصادية وبرفقتهما (ميلاد) من جنسية عربية اشتهرت بالخبرة في التجارة والاطلاع على كل ما هو جديد!! بادرني خالد قبل ان اجلس قائلاً (لا عجب في الجمع بين الاقتصاد والادب!! لكن العجب تطويع الأدب اقتصاديا!!). ضحك الجميع وشاركتهم الضحك على نفسي لكني بشرته اني لا اربح منه لان الادب نفسه قد ادركته سهوم البطالة.. ضحكوا مرة اخرى ولم اشاركهم الضحك هذه المرة!! احتراماً لغيبة الادب!!...كان عبد الرحمن اكثر اتزاناً وادراكاً لما وراء هذه الطرف فعلق قائلاً (كان يمكن للادب ان يأخذ نصيبه في الاقتصاد الجديد... باعتباره جزءاً من اقتصاد الخدمات الذي تنبأ كروجمان ان لا حدود على الطلب عليها... لكن غُدر به!! من ادرك شكل المنافسة الاقتصادية وتلمس مفاتيحها لقرن قادم ادرك ان الادب سيكون مهنة مزدهرة لقرن ان لم يكن اكثر..!!) سألت عبد الرحمن وقد ملت بجسمي إلى ناحيته) من الذي غدر بالأدب؟ وكيف!؟ تبسم عبد الرحمن بعد ان رشف رشفة من كوب قهوته واجابني: لا اعرف ان كان غدراً ام سوء تقدير!! من رسموا شكل الاقتصاد مع تصاعد وتيرة تفاعل ومشاركة الثورات الثلاث-(الكم - البيوجزئية - الكومبيوتر) - في نمو الا قتصاد وتحوله... ادركوا جوانب في حياة البشر لا يمكن ان تملأها هذه الثورات واستثنوا وظائف لا يمكن ان يؤثر فيها تقدم الاقتصاد... جزموا ان هناك وظائفاً ستستمر لقرون ولن تموت ابداً!!! ولا يمكن ان تستبدل بأي تقنية مهما كانت.... كانت حججهم ان الانسان في القرن القادم ولمائة سنة قادمة سيملك من وقت الفراغ ما يجعل الترفيه اكبر مجالات الاقتصاد دراً للربح... لم تكن البطالة في حساباتهم!! او ربما كانت ولكن بافترض بقاء الاشياء الاخرى على حالها!! فخ خريجي الاقتصاد المبتدئين!! في الاقتصاد نوع آخر من التحليل لا يعرفه سوى المتعمقين في الاقتصاد!! ما يعني ان كل خريجي الاقتصاد اليوم.. اقتصاديون بافتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها!! ضحك الجميع سوى صديقي الذي اخبرنا انه يجب علينا الانتقال إلى بوفيه الطعام في الجهة الاخرى وإلا بتنا فريسة الجوع بافتراض ثبات الاشياء الاخرى على حالها!!
طفلة تقضي على شركة!!
بعد تناول الطعام (شبعت من الطعام ولم اشبع من حديث عبدالرحمن) سألت عبد الرحمن عن وظائف الادب التي قصدوها... بدأ عبد الرحمن يستذكر الموضوع ثم قال (وظائف كثيرة خذ مثلاً الكُتاب، كان المستشرفون للمستقبل الاقتصادي يعتقدون بحاجة الفضائيات اليهم - اعني الكتاب - لملئ هذه الساعات الطويلة من البث...كيف يمكن ملؤها من دون مساهمة الادباء والكتاب ؟!!...(قاطعه صديقي): أي أدب يقصدون!! ها هي اليوم مليئة بقلة الادب!! اعتقد انهم اتبعوا التحليل الذي ذكرتموه سابقاً... افتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها!! ضحك الجميع... سوى ميلاد والذي بدا مصغياً لما يقال ولم يجد فرصة او سبباً للحديث الا بعد مشاركة صديقي تلك... نظر وهو يوجه الحديث للجميع... ما كان يقصده الاقتصاديون الادب...وليس غير الادب!! لم يتحدثوا عن الادب كما يراه خالد أو عبد الرحمن...
أو فلان او علان... أو كيف يقيم البعض هذا الادب او ينظر اليه!! كرجل يقيم المنتجات بتقدير السوق لها... لا استطيع ان انظر للادب سوى منتج يخضع لقانون العرض والطلب!!! الادب ليس فيه قلة ولا زيادة...
هو اشباع روحي يتناسب وطبيعة الزمن والمرحلة والمتلقين!! هذا الطرح الذي تطرحونه اليوم!! لا ينتمي لهذه المرحلة من الزمن، هذا كل ما في الامر!! الاقتصاد الحر يفرض عليك ان تتجرد من هذه العقد... أن لا تجعل المنتج اقل او اكثر من شارة السعر التي توضع عليه!! ما اعنيه هو الاقتصاد الحر...
حيث ولد هذا الواقع الذي تتحدثون عنه الآن (نظر خالد إلى ميلاد قائلاً) السوق اليوم اقصى فيروز وادنى هيفاء ونانسي... كيف نفسر ذلك ؟ شخصياً لا افسره سوى بانتهاء دورة المنتج!! ضحك خالد بصوت عالٍ!! (اما انا فقد ادركت أن الوقت حان لاكمال موضوع المجهر) تسألت بصوت عالٍ.. (من!! أتقصد المغنيتين اللتين خضعتا لاكثر من عمليه تجميل!!) لم ترق دعابة خالد تلك لعبد الرحمن والذي تنهد قائلاً (آه فيروز.... هذا هو الشيء الوحيد الذي لم يخضع للسوق أبدا!! لانه لم يكن يوماً في اطاره!! فيروز لم تغن لتبيع!! لم تزر بلداً ليكون الغناء جزءاً من برنامجها... لم تستثمر في جسدها اكثر من عملية تجميل لتكون اصولاً ثابتة في مشروع خدماتي غير محدود الطلب!! جميل انك ذكرت هاتين الفاتنتين...
ازدهار الجراحات التجميلية اليوم انعكاس لشخصيتيهما وللالاف الذين يمثلون اليوم جانب الطلب في سوق محفزها الاقتصادي نقص الثقة في النفس!! انا لا اتحدث عن ما يجري في منطقتنا فقط هذه موجة تجتاح العالم تستطيع ان تسميها موجة نقص ثقة الانسان في نفسه. قطع عبد الرحمن حديثه فجأة... بدا مستغرقاً في حلم جميل ثم تنهد مرة اخرى قائلاً: آه.. فيروز يا سادة عالم آخر.. نهض خالد وكأنه يعدل من جلسته التي بدا انه ملها قائلاً: آه ونص!! ما هذه المعلقة الفيروزية!! ولماذا ازعجك نقص الثقة في هذا الجانب فقط... ما يؤلمني أكثر الألوف الذين لا يملكون الشجاعة للتعبير عن ما يرغبون!! افتح التلفزيون والاذاعة والصحف... شاهد واسمع واقرأ المثال الفني للجميع.... لا يجيبك احد بغير ما قلته الآن...
فيروز، أم كلثوم، عبدالوهاب، وربما يضيق بهم المكان حين يسمعون من يدعون الإعجاب بهم!! أليس هذا نقص ثقة ايضاً!! ما الذي يمنع الشخص ان يقول احب هذا واكره ذاك!! لا نختلف على أن فيروز أسطورة غنائية لكن لنكن صرحاء هيفاء ونانسي ايضاً اسطورتان...
وجهان منسجمان مع جسد الاقتصاد الجديد الذي يملك بدوره وجهاً اكثر انسجاماً مع جسديهما بالمقابل!!...بالأمس كان نمو الاقتصاد مفهوما قاصرا على تراكم رأس المال...ريق وحيد تختصره و تختزله ثقافة نصح الآباء لابنائهم... النجاح والثروة كد وعمل!! هل ترى ان هذا النوع من النصائح ينسجم مع محركات نمو الاقتصاد الجديد!! اتطلع واتمنى ان يأتي اليوم الذي يقول فيه الآباء لابنائهم عليكم بتنمية معارفكم ومهاراتكم من اجل ابتكار افكار لم يسبقكم إليها احد.. !! انا شخصياً لا اسمع لهيفاء ولا لنانسي ولكن احب مشاهدتهما!! حاشا لله ان يكون ذلك للمتعة... حتى أم العيال تدرك ان تخصصي دراسات سلوك المستهلك ولذا لابد ان احلل كيف استطاعتا ان تسوقا بضاعتيهما بهذا الشكل الملفت للنظر!! (قاطع عبد الرحمن حديثه قائلاً) نجحتا في تسويق بضاعتيهما لانهما ادركتا سلوك المستهلك!! رئيس احدى الشركات الكبرى في الغرب اقترح عليه احد مستشاريه تغيير شكل التعبئة لمنتج الشركة لان ابنته الصغيرة ذات الاربع سنوات لم تعد تحفل بالمنتج وتلقيه ارضاً!! لم يلق رئيس الشركة بالاً لذلك الاقتراح وامره بأخذ اجازة لترتيب وإعادة النظر بعلاقته مع ابنته واخذها إلى مدينة الملاهي بدلاً من ترتيب علاقته بمنتجات الشركة.
كان رئيس الشركة يؤمن بان المضمون ما لم يتغير فالشكل لا علاقة له بقبول المنتج من عدمه.
أصبحت الشركة من دروس الماضي ولم يعد لها وجود اليوم!! كانت الطفلة الصغيرة مؤشراً من مؤشرات تبدل الاقتصاد... لو استطاعت تلك الشركة ان تعي درس الطفلة ربما لم تنته.
يا سيدي هيفاء ونانسي طورتا شكل التعبئة!!
(كلمة السر!!)
كان عبد الرحمن يتحدث للجميع وهو ينظر الي ميلاد تحديداً!! اشار ميلاد بيده إلى عبدالرحمن قائلاً اشتم في حديثكم رائحة التحامل على الاقتصاد الحر!! أثارت عبد الرحمن تلك الكلمة، بدا ذلك في ملامح وجهه. نظر إلى ميلاد قائلا:.. لم اشم الذي شممته في هذا الحديث... رغم زعمي اني املك حاسة قوية للشم...وحتى لو طرح شيء من النقد ما الضير في ذلك!! اكبر نقد للرأسماليه أو الاقتصاد الحر جاء من قلب المعسكر الرأسمالي... لا اعرف كيف يستخدم هذان المصطلحان في الحديث الآن!! لكنهما يعبران عن نفس المعنى في أحاديث الناس!! كما يقال خطأ شائع ولا صواب مجهول.. المهم أن الرأسماليه تعمل من الناحية الاقتصادية. هذا هو مصدر قوتها وما دامت كذلك فلن يضيرها تحامل إنسان.
أجمل تعبير قرأته حول انهيار الشيوعية كان من احد اكبر مفكريها حين سئل لماذا انهارت الشيوعية؟ اجاب وباختصار مسهب: لأنها لا تعمل من الناحية الاقتصادية. هذا كل ما في الأمر!! الرأسمالية باختصار شديد يتجاوز كل تعقيدات الفلسفة والاقتصاد والاجتماع. هي الإنسان!! حيث يصبح السوق إشباعه والسلع والخدمات حاجاته وتناقضاته مدار التسويق!!. (هنا قاطعه خالد قائلاً)....Niche الثغرة أو الحاجة التي لم تملأ في السوق... هذه هي كلمة السر في كل الأسواق!! ألزمها إذا وجدتها في أي سوق!! هذا أل Niche يشبه الثقوب السوداء التي تبتلع كل شيء.. تتوسع باستمرار... ما يميز الرأسمالية انها نزعت الحواجز عنها.. لكنها ايضاً تحملت خطيئة عوارضها السلبية!! .. نظر عبد الرحمن إلى الجميع قائلا: (نعم ال Niche اليوم اصبح جسم الانسان أو بمعنى آخر الفجوة التي حدثت بين جسمه وروحه... ضعف أو نقص الشخصية الذي يجعل الانسان لا يقبل بشكله اولا يستطع المصالحة معه!! اليوم ازداد عدد المتخاصمات والمتخاصمين مع اشكالهم!! من كان يصدق ان مشاريع الجراحات التجميلية ستنتشر في العالم هكذا!! حتى الصين قلعة العالم الحصينة في مواجهة الصرعات الغريبة رضخت وفي سنوات قليلة لصرعة الجمال الصناعي وافردت مسابقة جمال خاصة به!! في حين انها لم تقبل مفهوم ان يكون للجمال مسابقة سوى منذ سنتين فقط...
!! قبل سنوات قابلت مستثمراً سعودياً اخبرني انه نادم اشد الندم على ضياع فرصة استثمارية عرضها عليه احد الاصدقاء!! كانت الفرصة في مجال الجراحات التجميلية... اخبرني انها لم تكن قد بدأت او انتشرت بعد.
كان المشروع يبدو وهماً في حينها ولم يزد الرجل على ان قال لصاحب الفكرة ما بعد انهبلنا!!..يقسم الرجل انه وبعد مقالته تلك بسنتين او ثلاث أخبرته زوجته عن عدد من قريباتها وصديقاتها اللاتي أجرين عمليات تجميلية!! وبعدها بزمن قليل لحقت زوجته بالركب!!.
السوق لدينا قابل للتوسع بشكل كبير لا يشبهه سوى سوق الأسهم اليوم!! لا اشعر بأبعاد هذا التوسع إلا حين اسمع إجابة احد الرؤساء التنفيذيين في إحدى شركات مستحضرات التجميل العالمية حينما سئل عن سوق الخليج... كانت إجابته أن حجم السوق بالمليارات رغم أن المرأة تخفي كل زينتها عن الرجل!! (ابتسم خالد معلقاً).
في السابق لم نكن نعرف سوى صباح!! المغنية التي شاخت في نظر الجميع ولم تشخ من وجهة نظرها!! اليوم ما اكثر الصبوحات!! وبدون مبرر منطقي.
أكثر مرتادي عيادات التجميل من الشباب!!!! نظر خالد إلى ميلاد متسائلاً ومكملاً حديثه بالله عليك يا ميلاد هل توجد مغنية او ممثلة او مقدمة برامج اليوم لم تجر عملية تجميل؟! بل اكثر من عملية!! كان عبد الرحمن يتأرجح بين الابتسام والضحك حين قال: يا أخي هؤلاء يستثمرون في انفسهم...
احدى الشركات في الغرب دفعت لمدير التسويق لديها قيمة عملية تجميل لازالة التجاعيد في وجهه حينما اشتكى بأنه يشعر بنقص الثقة في نفسه حين يلتقي العملاء!! ولان الشركة تقيس الامور اقتصادياً ادركت ان هذا الشعور سيقلل حجم مبيعاتها.. وبالمقياس الاقتصادي نفسه ادركت الشركة اهمية ان تمول هذه العملية لتحافظ على التوازن النفسي لمدير تسويقها الذي سيحافظ بدوره على توازن مبيعاتها ونموها!! بل اخبرته الشركة بعدم ممانعتها في تكرار التجربة مرة اخرى اذا استلزم الامر!!... اليوم يصرف حاليا حوالي 160 بليون دولار كل عام على مستحضرات التجميل لتغيير الشكل او التأثير الايجابي عليه...
قرأت مرة احصائية نشرتها احدى الجامعات في الغرب تشير إلى أن الجمال يؤثر على مدخول الموظفين .. فالنساء الجميلات يزيد راتبهن 15 بالمئة عن النساء الاقل جمالا. والرجال الوسيمين يزيد راتبهم بنسبة 11 بالمئة عن الرجال الأقل وسامة. أما النساء اللواتي يعانين من زيادة في الوزن فيقل راتبهن 5 بالمائة عن الراتب العادي... حتى المحترفين اصبحوا يدركون ذلك... أحد اللاعبين المشهورين أجرى عملية لعينيه لتحسين نظره لأداء أفضل في المباريات... والواقع ايضاً لتبدو عيناه اكثر جمالاً بعد ان اصبحت صوره تتكرر على صفحات الصحف والمجلات!! السعي اليوم للتجميل مهما كان غطاؤه في اغلبه سعي لايجاد توازن نفسي!! (نظرت إلى عبد الرحمن قائلاً:) ماذا عن التوازن النفسي الذي تسعى شركاتنا في تحقيقه لموظفيها!! ؟ (ابتسم عبد الرحمن قائلاً ): من تطور رؤيته لموظفيه بدل لوحة شئون الموظفين بالموارد البشريه!! مد خالد يده نحو كوب الماء الذي اكتشف انه فارغ ثم قال: خطوة جيدة.. اظنه تطور لا بأس به لمن يؤمن بالمرحلية في التغيير.
الرجل(الدجاجة) اصبح اسداً!!
شبك عبد الرحمن اصابعه ثم قال: ازدهار الجراحات التجميلية جزء من ازدهار اكبر منه... جزء من مرآة النفس التي تكسرت... تجاوز تغيير الشكل حدوده الطبيعية وبلغ ذروته في ما حدث في أمريكا من تغيير رجل شكله إلى اسد في عملية استغرقت 24 ساعة بذل فيها اموالاً طائلة!! لم يذكر السبب لكن دعني اخبرك عنه...الرجل كان دجاجة!! بالمعنى الضمني!! ولذلك اراد ان يقنع من حوله بشجاعة لا يستطيع تسويقها!! فاضطر إلى معنى حسي وهو الاسد!! لم يذكر الاعلام الامريكي ذلك... أعرف!! لكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً... حتى الإعلام الأمريكي ذو المهنية العالية لا يخلو من هفوات وسقطات وان شئت الدقة وسطحية في التحليل... لا تقع فيها حتى صحف الحائط المدرسية!! هل سمعت عن التقرير الذي قدمته نيويورك تايمز عام 1996م حول الحياة في المائة عام القادمة واستطلعت فيه آراء الجميع... من جميع التخصصات فنانين - مصممي ازياء - كتاب - متخصصي الاجتماع وآخرين ولم تسأل عالماً واحداً عن رأيه!! رغم ان من استثنتهم بالسؤال هم من ينتج المستقبل ومن سألتهم مستهلكوه!! أحد الكتاب الأمريكيين وصفها بالمهزلة!! حتى الصحافة الامريكية لا تخلو من مهازل!!...حركة الاقتصاد اليوم تجاوزت الإنسان... الإنسان الذي تصور يوماً ان عصراً جديداً ينتظره... سيحوله من مراقب لرقص الطبيعة - كما اشار بعضهم - إلى مشارك فعال في ادائها!!! كان الايقاع اسرع مما تصور اولئك!! ولذا سقط الإنسان أرضا... كان يفترض بالقفزات الاقتصادية الهائلة التي حققتها الانسانية ان تزيد من ثقة الانسان بنفسه... أن تجعله أكثر تماسكاً لكنها فعلت العكس!! من عايشوا ثورة الكومبيوتر في بداياتها كانوا يتحدثون عن مستقبل يستطيع الكومبيوتر فيه ان يحل جميع مشاكل الانسان!! فاذا بهم يدركون انه عاجز عن حل اكبر مشكلة خلقها وهي البطالة!! تغيرت ملامح وجه ميلاد وهو يتابع حديث عبدالرحمن قائلاً هل انتهت بكائية الانسان يا عبد الرحمن!! أقسم بالله انكم تتحدثون في وادٍ والناس في وادٍ آخر!! هل تريدون اقناعي ان نانسي وهيفاء والجراحات التجميلية وهذا الاقتصاد الضخم الذي توسعت الخدمات فيه بشكل هائل هو في غير مصلحة الانسان ونفعه!! ثم اكمل حديثه هازئاً... العلم حرر الانسان من جهله فاصبح الانسان اليوم اكثر فاعلية واكثر إنتاجا.... بالأمس كان يسعى للبحث عن قوى اخرى يعلق عليها فشله أو نجاحه... اليوم اصبح يعرف ان فشله نتيجة خطأ ارتكبه!! لولا هذا الشعور لما تقدم العلم ولما تحرر الغرب من خرافاته!! (نظر عبد الرحمن إلى ميلاد قائلاً): هل انت متأكد انه تحرر من خرافاته!! في المدينة التي درست فيها يا ميلاد حيث عمالقة الاقتصاد يطارحون التضخم والكساد... فريق شيكاغو للبيسبول والذي ربما يشجعه عدد من أولئك الاقتصاديين لا تأتيه الثقة بالفوز على خصومه حتى يترك بعض الماعز تأكل من بعض عشب الملعب الذي سيلعب عليه!!! (نظر صديقي إلى الساعة ثم قال:) اظنه حان الوقت للمغادرة بدأتم الحديث بالثورات الثلاث التي غيرت وجه الاقتصاد ووصلتم إلى العشب الذي تأكله الماعز!! الله يستر من الجاي مع السلامة أنا ماشي. قبل ان نغادر المكان اقترحت على صديقي وضيوفه نشر هذا الموضوع وسيكون من المفيد الاشارة إلى اسمائهم ونشر صورهم في المجهر... نظر إلي صديقي قائلاً: لو دريت ما عزمتك!! لا صور ولا اسماء...خذ مجهرك وتوكل على الله!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.