منذ سنوات بت أتردد في إطراء صحة أو رشاقة بعض الأصدقاء، مع أنني كنت أفعل ذلك بسلامة نية فلا أدري إلا والقلق المفاجئ قد اعترى ذلك الصديق وبعض الأصدقاء يخرج منه رد مفاجئ يشي بقلقه، كأن يطلب مني أن أقول ما شاء الله، ومع أن المشيئة واردة في كل شيء، إلا أنني لم أطر ذلك الصديق وفي البال أنني أغبطه على صحته أو رشاقته أو وضعه المالي، وكل ذلك التغير أو الانزعاج الذي يعتري مثل ذلك الصديق منشأه القلق من أن يصاب بالعين، فتتحول صحته من حال إلى حال، وهو ما لم يخطر لي على بال، فقد كنت أسرى على مألوفنا سابقاً في مجاملة الأصدقاء، خصوصاً إذا كان الصديق، من الذين يعانون من أمراض أو أوهام بأمراض، لقد اكتشفت أن الذي كان مقبولاً منذ سنوات أصبح الآن مدعاة للاستياء! وهذا الخوف الزائد من الحسد الذي بات يعتري شريحة كبيرة من الناس لم يقف عند الرعب من إطراء الصحة، ولكنه امتد حتى إلى النساء فالمرأة التي كانت تسعد بإطراء صديقتها لجمالها أو لذوقها في اللبس، باتت الآن لا ترغب في ذلك، خوفاً من أن يتحول إطراؤها والإشادة بها إلى وبال على صحتها أو منزلها. وفي السنوات الأخيرة بات العديد من الأسر المقتدرة وربما المبذرة، تتحاشى إقامة مناسباتها في الأماكن الراقية وتحولها إلى استراحة بسيطة، وليتها تكتفي بذلك وتحول قيمة أو تكاليف المناسبة في فندق أو قاعة فئة النجوم الخمسة إلى العروسين، فالواقع أن هذه التكاليف تصرف بالكامل بعد الزواج في فندق أو قاعة، كل ذلك إمعاناً في طرد العين الحاسدة من خلال الظهور بمظهر لم يألفوا الظهور به! وهناك العديد من الآباء الذين يتحاشون الحديث عن تفوق أبنائهم في المدرسة أو الجامعة أو حتى حصولهم على وظيفة جيدة خوفاً من الحسد، مع أن القاعدة عند السواد الأعظم من الناس، هي أن يفتخر الأب بأبنائه سواء كانوا على مقاعد الدراسة أو في السلك الوظيفي أو في حياتهم الزوجية المستقرة! وتطول حكايات الخوف من العين، حتى أصبحنا الآن نشهد القبض على مئات أو عشرات المشعوذين الذين وجدوا في خوف الناس من العين فرصة للإثراء، وما أكثر الذين يتوهمون إصابتهم بعين قريبة أو بعيدة! إنني أعرف الكثير من النماذج البشرية التي تعيش بيننا، تردّ خراب أو عطل السيارة أو عدم التوفيق الوظيفي أو الأسري، أو غير ذلك من أمور حياتهم اليومية إلى العين الحاسدة، فتصرف جزءاً من وقتها ومالها وعقلها لدى المقرئين أو المشعوذين، مع أننا نعرف أن عدم التوفيق الوظيفي، قد يكون بسبب الموظف، لإهماله أو لضعفه أو لإحساسه بأن مواهبه وقدراته أفضل من زميله، مع أن رؤساءه يرون غير ذلك، أما عدم التوفيق الأسري فقد يعود أيضاً لزوجته المتحالفة مع النكد أو لسهره وغيابه المستمر عن المنزل، هناك عشرات الأسباب للفشل والنجاح، والحسد الذي نؤمن به، قد يكون من بينها، لكن من يضعه أساساً يتعين عليه أن لا يخرج من منزله بتاتاً، وحتى لو جلس في منزله بعيداً عن الناس فسوف تصيبه الأمراض النفسية.. لماذا لم نكن هكذا قبل سنوات؟ وماذا يتعين علي إذا قابلت صديقاً أعرف اعتلال صحته وأردت مجاملته بكلمة، وما هو مرد ازدياد هذه الفوبيا التي أصابت الناس، نحتاجه كلمات الإطراء وإظهار النعمة والجمال والصحة أو الحديث عنها بدون خوف أو وجل!!