مَنْ الذي جعل من المرأة قضية تُثار بمناسبة وبدون مناسبة، وتُطرح في كل حوار وإن كان الحوار بعيداً عن شؤون المرأة؟ لماذا هذه الإثارات؟ ومَنْ المستفيد من ذلك من أنصار المرأة حقاً ومن خصومها؟ ومن الناصحون ومن المغموسون في اجترار قضاياها؟ إن الإسلام لا يُجاري في إعطاء المرأة حقوقها، وفي تهذيب أخلاقها، والحرص على عفتها، وصون كرامتها - ولن يقوم أي نظام أرضي بديلاً عن الإسلام. إن المتأمل في نصوص الوحيين يجد مصطلحاتٍ عدة بشأن المرأة تجتمع على العفة والحياء والقرار والصون لهذه الدرة الثمينة والبعد عن الخلطة بالرجال، ونحوها من سلوكيات رفيعة نظيفة يُشيد بها الإسلام ويدعو لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس القائل: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{ (33) سورة الأحزاب، هو العليم الخبير؟ وأين نحن جميعاً من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب. ألم يُشد القرآن بحياء المرأة {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} ومن قبل عرض القرآن لنموذج المرأة في الخروج من البيت فالحاجة شرط لها، والبعد عن الاختلاط بالرجال ضمان لتزكيتها { قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}( 23) سورة القصص، فشيخوخة الأب، والحاجة للماء أخرجت هاتين المرأتين، والانتظار حتى يُصدر الرعاءُ من الرجال خُلقٌ تجملت به هاتان المرأتان؟ وليس يخفى أن أزكى النساء أمهات المؤمنين.. ومع هذا قيل لهن: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (32) سورة الأحزاب. وإدناء الجلابيب وإرخاءُ الحجاب وغض البصر للرجل والمرأة كل ذلك مفردات كريمة جاءت نصوص الشريعة حافلة بها. وفي حقوق المرأة وواجباتها كفل الإسلام لها ذلك { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (228) سورة البقرة. والنهي واضح في عضلهن وارثهن كرهاً { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (19) سورة النساء, وفي حسن التعامل معها وتقدير مشاعرها جاءت النصوص الشرعية والآثار تقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). (استوصوا بالنساء خيراً..) (لا يكرمهن إلا كريم..). إذا كانت تلك بعض نصوص الإسلام تجاه المرأة.. فأهل الإسلام أكثر الناس اعتدالاً وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم تعاملاً مع المرأة وأكثرهم إنصافاً لها وعلى قدر التزام المرء بالإسلام، وفهمه، وتطبيقه لنصوص الشريعة، يكون قدر المرأة عنده.. وتتجلى أخلاقياته في التعامل معها - دون إسفافٍ وقهرٍ كالذي مارسته الجاهلية الأولى.. في عالم اليوم محاولات جادة لتنحية المرأة عن قضاياها المصيرية والهامة، وإشغال لها بقضايا استهلاكية هامشية. أين الطرحُ بقوة لرسالة المرأة في الإسلام، ودورها في الدفاع عن قيمها وإسلامها في زمن بات التهجم على القرآن ظاهراً للعيان، والسخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام يُمارس من خلال وسائل إعلام وتدعمه دول كبرى. أين موقع المرأة المسلمة في عالم تتخذ المرأة الغربية والشرقية مكانها لتعبر عن حضارة وقيم عالمها ومجتمعها؟ وهي تتقصد المرأة المسلمة بالغزو والتذويب والاستلاب والنهب؟ أين المؤتمرات الإسلامية العالمية للمرأة على غرار مؤتمر المرأة في بكين حيث التخطيط والدعم والإعلام؟ وأين الحديث عن المطلقات وظروفهن وعن العنوسة والعانسات ومشكلاتهن، وأين الحديث عن الدراسات الجادة لدور المرأة في التنمية بمفهومها الشامل حيث تبدأ انطلاقتها من البيت وتربية النشء في زمن ربات الخادمات والاستقدام المسعور للسائقين والخدم - وفي هذا الجو لا تسأل عن ضعف التربية، وترهل المرأة، والاستنزاف الاقتصادي، والإفساد القيمي والانتحار الخُلُقي.. وما يُنشر في الإعلام من جرائم وموبقات عظيم عظيم.. وما خفي كان أعظم. أين الصيحات الصادقة والمنادية بتأمين جميع المستلزمات الصحية للمرأة من مستشفيات خاصة بالمرأة وعناية طبية فائقة، وتخفيف ساعات عملها حفاظاً على صحتها وابقاءً لرونق أنوثتها؟ وفي التعليم والعمل من ينادي بتحسين تعليم المرأة بصياغة مناهجها باستقلالية كاملة تخدم رسالة المرأة في بيتها، وتؤهلها للأعمال المناسبة لطبيعتها، وتثبت هويتها في معترك الصراع العالمي، وتصلها بالتقنية المعاصرة، وتفتح أفقها على عالمها المعاصر دون عُزلة أو تذويب. وفي عملها ثمة مطالبات ناصحة لتخفيف عبء ساعات العمل ونصاب التدريس على المرأة مع الاحتفاظ بكامل مرتبها.. وثمة دعوات صادقة لتخفيف سنوات الخدمة حتى تحصل المرأة على التقاعد المبكر.. للتفرغ لرعاية بيتها وتربية أطفالها وتوفير جو السعادة لزوجها، مع الاحتفاظ بحقوقها المالية وحتى تتيح الفرصة لأختٍ على قائمة الانتظار الوظيفي. أين الجمعيات والهيئات المتابعة لعضل المرأة والاعتداء على حقوقها سواء من قبل الزوج والأب.. أو غيرها - أين المحامون عنها والمطالبون بحقوقها؟ قضايا كثيرة يمكن أن تُدرج في الاهتمام بالمرأة.. ولكنها في سياق العفة والكرامة، وفي محيط الصدق والعمق، والنصح والأدب والتوازن والاعتدال. أما اختزالُ قضية المرأة في أمورٍ هامشية.. فذلك نوعٌ من التلاعب بقضايا المرأة.. بل هو يسير في اتجاه إثارة الجدلية وهدر الأوقات والجهود. خذوا على سبيل المثال (قيادة المرأة للسيارة) هل هي بالفعل حاجة ماسة لا تستقر حياة المرأة والأسرة والمجتمع إلا بها؟ ولا تصلح دنيا الناس إلا بها؟ وهل نكرم المرأة بقيادتها للسيارة؟ أم أن مهنة القيادة لا تحتل قيمة مرموقة حين تصنف المهن. إن القضية - في نظر المنصفين - لا تعدو أن تكون موضوعاً جانبياً متأخراً في الترتيب لمن يرون ترتيب الأولويات - بعيداً عن الإثارة والضجيج وحين تُفكر بهدوء هل قيادتها للسيارة ستخفف أم تزيد من مشكلاتنا الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية. وإذا كنا نهتم بالدراسات ونُعنى بالتقارير، ونثمن النتائج فثمة دراسات هادئة تبرز النتائج المتوقعة لقيادة المرأة وتشير هذه الدراسة إلى ما يلي: 1 - قيادة المرأة للسيارة ستضيف أعباءً اقتصادية على المجتمع، وسترهق كواهل كثير من الأسر التي تعاني حتى توفر سيارة واحدة.. فكيف إذا أضيف إليها للإناث مثلها.. وما يتبعها من نفقات السير والمرور، والوقود والإصلاح ونحوها. 2 - وقيادة المرأة للسيارة ستضيف مشكلات مرورية هائلة وستحدث من الزحام ولا سيما في المدن الكبرى ما سيكون على حساب الوطن والمواطن. 3 - وستضيف أعباءً أمنية كثيرة ذات مظاهر خطيرة - هذا فضلاً عن المظاهر الخلفية وانتهاك القيم، وخدش الحياء والخلق. 4 - أما الزعم بحلها لمشكلة السائقين.. فالتجربة الموجودة في دول الخليج مثلاً تؤكد أن نسبة 80% من الأسر الخليجية لديهم سائقون مع كون قيادة المرأة للسيارة متاحة.. (د. العشماوي الجزيرة 20-4-1426ه). وقيادة المرأة للسيارة قضية محسومة في بلادنا بفتوى شرعية وبقرار سياسي، ونحن في بلدٍ نحتكم إلى الشرع، ونطيع ولي الأمر أما الفتوى فقد صدرت من أعلى هيئة شرعية (هيئة كبار العلماء) مدعومة بالدليل، مدللة بفقه الواقع، معتبرةً للمآلات، مقدرةً للنتائج، أليست هذه الهيئة محل ثقتنا.. أليست فتواها معتبرة لرجالنا ونسائنا؟ وإذا كانت فتواهم غير مقنعةٍ عند فئة قليلة في المجتمع فهي - بحمد الله - محلٌ للثقة والاعتبار عند غالبية المجتمع. هل يسوغ أن نستمع للهيئة العليا في بلادنا، فيما نشاء ونحب، ونتجاهل رأيها حين لا نشاء ولا نحب؟ إنها انتقائية يرفضها العقل المنصف ويردها الشرعُ المطهر، فالحكم الشرعي إذا صدر من أهل الفتيا والعلم الشرعي فليس لمسلم أن يكون له الخيرة { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} سورة الأحزاب. أليس الله يقول لنا: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة الأنبياء، ولقد سُئل أهل الذكر فأجابوا، وأحيل موضوع قيادة المرأة للسيارة لهيئة كبار العلماء فأفتوا.. فماذا بعد؟ أنرغب أن تكون أمورُ حياتنا فوضى، كلٌّ يتدخل فيما يعنيه ومالا يعنيه، وكلٌّ يهرف بما يعرف وما لا يعرف، وكل يجعل من نفسه حكماً ومفتياً هذا يحلل وذلك يحرم، وهذا يخطىء وذاك ينتقد، وخامسٌ يُحرم وسادس يتهم.. وهكذا تتحول أمورنا إلى فوضى عارمة، وفتنة عمية تفرق جمعنا وتذهب ريحنا، ويفرح العدو حين تكون المعركة محتدمة بيننا.. ألسنا نعطي القوس باريها في الأمور السياسية والاقتصادية وننتقد حين يتدخل المهندس في عمل الطبيب أو يستشار الطبيب في عمل هندسي، وهكذا في أمورنا الأخرى.. فلماذا نحيد ونتجاوز في مسألة حكم قيادة المرأة للسيارة عن الهيئة الشرعية التي اختارها الحاكم وزكاها.. وأحال إليها الأمر ورضي فتواها؟ ولقد أحسن نائب رئيس مجلس الشورى صنعاً وكان حصيفاً ومقنعاً ومنطقياً ومنصفاً حين قال: (المسألة شرعية ولهيئة كبار العلماء الكلمة) وقال المهندس محمود طيبة - طيّب الله وجهه - :(إن المسألة يجب أن تناقش من قبل أعلى هيئة شرعية في البلاد، وهي هيئة كبار العلماء لأنها سبق أن أفتت في الأمر) (جريدة المدينة ملحق الرسالة 26-4-1426ه). إن قيادة المرأة للسيارة عند أولي النهى لا تتعلق بقضية واحدة ولا بحكم فقهي محدد بل يستتبعها ويُلحق بها أمور أخرى لا بد أن نعيها ونتفطن لها حين تُثار هذه القضية، ومن التسطيح أن نقارن بين ركوب المرأة للجمل في الماضي وقيادتها للسيارة في زمن الاختناق المروري، وغزو الفضائيات، ومن التغفيل أن تنظر لها كقضية مفردة فهي جزء من مشروع كبير طالما دندن حوله المغموسون في ثقافة المرأة، والمنبهرون بوضع المرأة الغربية. ومن هنا كان سمو وزير الداخلية واعياً ومدركاً لطبيعة مجتمعنا حين قال مؤخراً (إن القضية تتعلق بالمجتمع) وحين لا نحتاج إلى الاستفتاء في مسألة صدر الحكم فيها، فلن يكون الاستفتاء النزيه - لو وقع - في مصلحة المطالبين بقيادة المرأة للسيارة. قيادة المرأة للسيارة ستنقل المرأة من امرأة مخدومة إلى امرأة خادمة، وستنقلها من ظلال المنزل إلى وهج الشمس، ومن أمن القرار ونعومة المظهر، إلى خطر الإطارات المتفجرة وذبول الزهرة بالتعب والمعاناة. من يُكرم المرأة أهو الذي يستجيب لطلباتها ويوفر حاجاتها، أم الذي يطالبها لتذهب بنفسها في حمأة الظهيرة، ويضطرها للخروج بنفسها أو بمن تعول في ساعات متأخرة من الليل في الحالات الطارئة؟ إننا - بقيادة المرأة للسيارة - نعرضها لمخاطر وأدواء هي في غنى عنها وطرقنا وشوارعنا لا تتحمل أعباء سيارتها.. ولا تنتعش صحياً بعادم كربون مركبتها. إننا نثق بالمرأة ولكننا نكرمها حين نقود السيارة بها.. ونثق بالمرأة ولكننا نحافظ على أنوثتها وجمالها حين نتحمل أعباء القيادة عنها. والواقع يشهد أن المرأة لم تتضايق من وضعها، ولم تشتكِ إلينا أو تطالبنا بتوفير القيادة لها.. وإن كان مَنْ يطالبون بقيادتها للسيارة صادقون في المطالبة لها فليطالبوا بحاجيات أساسية للمرأة سبقت الإشارة إليها، وليرفعوا الظلم عنها من فئات تمارس الظلم بحقها.. إن المرأة بخير في بلادنا.. أمن ورخاء وعافية واستقرار، فعلى المطالبين بحقوق المرأة أن يسهموا في رفع الظلم الواقع على أختنا وجارتنا حين تُحتل بلادها ويُصفى العائلون لها، وتبقى أسيرة أو طريدة. لقد عانت المرأة وما زالت في فلسطين من ظلم الصهاينة فماذا صنع هؤلاء لها. واليوم تعاني المرأة في العراق ألوان الظلم والاستبداد والحرب الاستعمارية والتصفية الطائفية.. فماذا صنع المطالبون لحقوق المرأة؟ إننا حين نرفض هذه المطالبات ونضم أصواتنا إلى الأصوات التي تنادي بغير ما يطالب به هؤلاء في التعامل مع قضايا المرأة.. نتطلع أن يعيد الآخرون النظر في طروحاتهم بما يخدم المصلحة العامة ويوفر الأمن والطمأنينة لمجتمعنا وبلادنا. [email protected]