ربما تكون القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون العربية أكثر أهمية من القِمم المبرمجة المسبوقة بجدول أعمال، وجدول إعلام، لأن مثل هذه القمة تستدعيها ظروف مُلِحة، وأكثر إلزاماً لهؤلاء القادة بالاجتماع والتّدارس السريع والصريح لمعطيات الظروف التي يمر بها العالم عامة، ومنطقة الشرق الأوسط بخاصة، والعلاقات والمواقف التي يجب أن تتخذها دول المجلس، لكي تكون أكثر توازناً وتأثيراً. وتكتسب هذه القمة التشاورية أهميتها الخاصة بعد النتائج الكبيرة في معطياتها، التي تمخَّضت عنها زيارة سمو ولي العهد السعودي لكل من فرنسا وأمريكا وبعض الدول العربية - مصر، سوريا، الأردن -، ولا يخفى على أحد أن اللقاء المرتقب يتصل اتصالاً وثيقاً بهذه النتائج، وبما رشح عن تلك الزيارات من تحوُّلات سياسية للقيادة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وكان مؤشرها استقبال الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الرئيس الأمريكي (بوش) للزعيم الفلسطيني (محمود عباس)، وما جاء من تصريحات إيجابية للرئيس الأمريكي في المؤتمر الصحفي المشترك مع عباس، الذي أوضح فيه الموقف الثابت من إيجاد دولة فلسطينية متّصلة جغرافياً تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل. قد لا تكون التّصريحات والمواقف الأمريكية مُرضية جداً لنا نحن أصحاب القضية، ولا تزال تحمل في ثناياها انحيازاً تعوَّدناه إلى جانب إسرائيل، لكننا لم نسمع من قبل كثيراً من هذه المواقف، التي تعطي بعض الحق العربي لأصحابه، وفي رأيي أن هذا تحوُّلٌ مهمٌ يجب استثماره والتركيز على أدواته للوصول إلى الحقوق الكاملة. ولن يخفى على أحدٍ أيضاً أن (إعصار الإصلاح) يسير بلا هوادة في مختلف دول العالم، قريباً من (الكرملين)، وإلى جانب (بكين)، مروراً بكل عواصم الشرق الأوسط ودول العالم الثالث عامة. هذا الإعصار لا يحمل في ثناياه سياسة فقط، بل هناك الاقتصاد، والأمن ومكافحة الإرهاب، والعلاقات الدولية، وحقوق الإنسان، وكل ما تريده (قيادة العالم) من شعوب العالم. من هنا تبرز أهمية لقاء (التعاون)، الذي يجب أن يُكرَّس (للتعاون)، ويأتي على هموم الشعوب الخليجية العربية فيفرجها همّاً همّاً، ويضع السياسة الخليجية الموحَّدة تجاه القضايا الساخنة في العالم موضع تنفيذ، وتتكاتف الجهود كلها، وتلتقي الأيدي جميعها لدعم الأمن الخليجي، والعمل على أمنه واستقراره، لأن مثل هذا الاستقرار سيكون العامل الحاسم في أي توجُّه نحو التنمية والتّقدم والازدهار. إن كل مواطن في دول المجلس يتطلّع إلى هذا اللقاء، ويحدوه الأمل بأن تصب قراراته ونتائجه في تحسين ظروف حياته، وتوفير الأمن له ولأُسرته، وأن يكون مردوده خيراً يعم الأمة كلها. إن الجدية التي بدت على وجوه القادة الخليجيين في هذا اللقاء تبعث في نفوسنا الأمل بأن الأمة لا تزال تتنفس بهذه الرئة الخليجية، وهي تتابع لقاءات القادة الخليجيين باهتمام بالغ، بعد ما ضاقت رئتا التنفس في كلٍ من القمم العربية والقمم الإسلامية... وتاليتها!!!