حينما تجد علماً غزيراً وفقهاً راسخاً، ومعالجة وافية لقضية الخلاف في عددٍ من صفحات القطع الصغير، لا يتجاوز خمسين صفحة، فإنك حينئذٍ ستشعر أنك أمام عمل متميِّز تحصل من خلاله على معلومات مهمة في وقتٍ قصير. أدب الخلاف كتيِّب صغير الحجم كبير الفائدة من تأليف معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، وهو في - أصله - محاضرة ألقاها عام 1411ه من ضمن سلسلة محاضرات اللجنة الثقافية العامة بجامعة أم القرى. تضمن هذا الكتيِّب تعريفاً مختصراً للخلاف، وتقديماً أوضح فيه المؤلف سبب إعداد هذا الموضوع قال فيه: وفي دواعي هذا الموضوع ومثاراته أقول: أيها الاخوة، إن الشباب المسلم تفتحت عيناه على واقع غير سارٍ في كثيرٍ من ديار أهل الإسلام يشعر أنه ليس مسؤولاً عنه، فالاستعمارعاث في الديار وترك آثاراً غليظة فكرية ونفسية، واستجلب إلى المسلمين نظماً وثقافات لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة. مظاهر من الضياع والتسيُّب تمتلئ بها الساحة، مناهج في التربية مضطربة، مظاهر سلوكية معوجَّة، دعوات سافرة للإلحاد والعلمانية والشيوعية والإباحية، مظاهر زندقة ونفاق، ومن هنا ومن أجل مسار معتدل ومسلك مستقيم يجب أن تكون القدوة حية مشهودة يقترن لديها القول بالعمل، تأخذ بالأحكام وتتبع السنن، ومن أجل تلمُّس الطريق وجلاء الرؤية يجب أن يعيد الدعاة وأهل العلم النظر في طرائقهم في الأوليّات في ترتيب المهم والأهم، فالسنَّة غير الواجب، والمكروه دون الحرام... من المؤسف ومن القصور أن يتحول الخلاف في وجهات النظر إلى عنادٍ شخصي وانتصار ذاتي، وإلى عداءٍ ماحق، ومن المبكي أن يبدأ الخلاف في فرعية صغيرة، فيرقى إلى الاتهام في أصول الإسلام وقواعد الديانة. ثم يتناول معالي د.صالح بن حميد موضوع علم الخلاف مشيراً إلى أنه ينشأ من العلم بالمسائل التي يجري فيها الاجتهاد، ويرى أنه لا فرق بين كلمتي (الخلاف، والاختلاف) في الدلالة على المعنى نفسه، ويشير إلى أن الخلاف أمر مسلَّم به في دنيا البشر، وهو سنَّة الله عز وجل في خلقه، فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومدركاتهم ومعارفهم وعقولهم وأشكالهم. ثم أشار إلى أنه - برغم هذا الاختلاف بين البشر - فإنَّ الله عز وجل وضع على الصراط المستقيم منائر، ولذا قال سبحانه: { فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}. وتحدَّث المؤلف عن أقسامٍ ثلاثة للخلاف وهي: خلاف مذموم، وخلاف ممدوح، وخلاف سائغ، وأورد عدداً من الشواهد والأمثلة من السيرة النبوية، وسير الصحابة رضي الله عنهم - وسير الفقهاء والعلماء تؤكد أنهم كانوا يختلفون في كثيرٍ من الآراء، ويجتهدون في كثيرٍ من المسائل مع بقاء التقدير والمودة والاحترام بينهم. إن كتيِّب (أدب الخلاف) جديرٌ بالقراءة، فهو خفيفٌ ظريفٌ كثير الفائدة. إشارة: ارحل إلى الفجر المبين ونوره