اثنا عشر عاما مرت دون أن أرزق بمولود بعد طفلتي بشاير، كلما رأيت طفلا صغيرا كان قلبي يخفق وأتمنى لو أحضنه، رزقني الله بمولود ذكر حل الضيف المنتظر منذ زمن بعيد، جاء (مشاري) الذي حول البيت لحركة وفرحة وابتسامات دائمة ببراءة وشقاوة الأطفال، عام ونيف مر على قدومه كانت العيون ترقبه باستمرار خوفا عليه، يهدأ لفترات عندما يشاهد الإعلانات التجارية وخصوصا ذات العلاقة بالأطفال وعيون والده ترقبه رافعا يديه للرب شاكرا فضله على ما وهبه داعيا أن يحفظ الله مشاري من كل سوء. (2) تأمل تعود صباح كل يوم أن يسرح شعره بالرغم من وجود مساحات خالية من الشعر، كان يتأمل وجهه وكيف كساه الشيب ويسأل نفسه: أترانا كبرنا دون أن نعلم؟ لكن فلانا أكبر مني ولديه أبناء في سني ومع ذلك لم تنبت في وجهه شيبة واحدة، أتراه يصبغ أم أنه بارد لدرجة التجمد؟ يقنع نفسه ويقول: طالما القلب لا زال أخضر فالشيب تقدم أو تأخر فهو دليل الوقار، فهل نعرف قدره؟ (3) تدفق بدون موعد وبدون سابق إنذار رن الهاتف المحمول الخاص به، سمع صوتا رقيقا يهاتفه: هل تسمح لي بأخذ جزء من وقتك؟ قالت بصوت فيه من الصدق والدفء الشيء الكثير: لقد عثرت على هاتفك بالصدفة، كنت أتصفح أرقام ورسائل جوال إحدى صديقاتي فوجدت رسالة جميلة بإمضائك، شدتني عباراتها وقلت: إن من كتب هذه الرسالة شخص حساس ورقيق، وها أنا أكلمك. كانت طريقتها المؤدبة ورقة مشاعرها كالسنارة التي اصطادت سمكة في مقتل. سأل نفسه: من تكون، أتراها صادقة أم هي مدفوعة من أحد؟ واستمر السؤال: من تكون تلك الوردة القادمة من خارج حدود الوطن؟ (4) فراق منحها كل شيء، كيف لا وهي أم الأبناء وشريكة الحياة؟ سنوات طويلة عاشاها بحلاوتها ومرارتها رغم أن الزوجة كانت تحمل مشاعر قاسية وجافة لكنه كان صابرا لعل الله يمن وتغير من حالها للأفضل حرصا على استمرار العشرة الزوجية، لكن دون جدوى فكان القرار الذي هو شر لا بد منه وهو الزواج بأخرى، صارحها فأخذت تبكي بدموع كان يعتقد أنها صادقة لكنها كانت دموع تماسيح، قالت: سوف أتغير وسأفعل كل ما تريده. أعطاها الفرصة لكن حليمة عادت لعادتها القديمة فعادت كما كانت، فكان القرار الذي لا رجعة فيه فلعلها تتعظ. (فتى الدلم)