من جديد نسمع قصة جديدة عن أطفال لم يروا سوى ظلمات السجن، والقصة الحقيقية هذه المرة جاءت من ظلمات سجون البعث، رواها المعارض السياسي (ميشيل كيلو) من إحدى ذكرياته من ظلمات سجون البعث، وهي سجون أعرفها جيدا؛ فقد دخلتها أربع مرات، ولعل عدد السوريين الذين دخلوا فروع الأمن التسعة عشر والمعتقلات الموزعة في كل زاوية لا تستثني إلا القليل الذين لم يذوقوا هذا اللون من العذاب البطيء. أذكر جيدا من عالم الأطفال أن أكثر ما يخيفهم أن يحبسهم والدهم في «بير» أو مستودع أو غرفة جانبية عقوبة لشقاوة فعلوها. أذكر صديقي الأستاذ الذي كان يتأتأ في حديثه قلت له مرة على انفراد منذ متى تعاني من العلة؟ قال كانت ليلة باردة مظلمة عاقبني والدي فحبسني في مكان موحش على سطح البيت. قال لقد ارتعبت كفاية فلم أخرج إلا ولساني قد انعقل رعبا ولم ينفك إلا بالتأتأة وما زال. صديقنا المعارض السوري (كيلو) أخرجوه ليلة من الزنزانة المحبوس فيها إلى أخرى ليجتمع بامرأة معها طفلها بعمر الست سنوات تعجب وسألها بحذر همسا خوفا من الجلادين متى اعتقلت؟ قالت منذ ست سنين من عمر هذا الولد؟ تعجب كيلو أكثر وقال ما السبب في الاعتقال؟ قال أخذوني رهينة! النظام السوري كان إذا بحث عن معارض سياسي فلم يجده أخذ أمه أو أباه أو أخته أو زوجته رهينة حتى يسلم نفسه؛ فإذا سلم نفسه أطلقوا أو لم يطلقوا الرهينة! المهم أن يبقى الشعب السوري محجوزا في مثلث الرعب. سألها ومابال الطفل قالت ولدته في السجن! حاول كيلو أن يداعبه بالحديث عن العصافير والطبيعة والحقول. الطفل الذي سمته أمه (أنيس) علها تستأنس به قالت لكيلو إنه لايعرف إلا ظلمات السجن. هنا تذكرت عبدالرؤوف في قصة السجينة أوفقير التي كتبت مذكراتها عن أخيها الصغير الذي سجن وعمره ثلاث سنوات وخرج إلى الهواء الطلق بعد اعتقال عشرين عاما، بعد أن هربت العائلة كاملة من السجن، بعد حفر نفق تحت الأرض في السجن، فلما خرج عبدالرؤوف كانت المفجأة كبيرة له إذ لم يكن يرى سوى السجن والسجانين؛ فتعجب من الطرقات والحافلات والعباد والبلاد والشجر والدواب. في هذا أذكر أيضا قصة الطفل والفأر تلك التي رواها ابن خلدون في المقدمة عن وزير رسا مصيره في السجن وبرفقته ابنه فكان يحاول أن يشرح له شكل الحيوانات ومع كل شرح كان يكرر أتراه كالفأر يا أبت؟ فهو لم ير سوى فئران الحبس ولذا فكل الكائنات عنده محدودة في شكل الفأر.