في مثل هذا اليوم من عام 1960 تمكن مجموعة من عملاء الموساد الإسرائيلي من اختطاف الزعيم النازي أدولف إيخمان في العاصمة الأرجنتينية بيونيس أيرس ونقله إلى إسرائيل ومحاكمته وكانت المخابرات الإسرائيلية قد ظلت وقتا طويلا تبحث عن إيخمان حتى عرفت مكانه وتم خطفه وإيداعه أحد الأماكن في مدينة سان فرناندو، وذهب عيزرا هاريل رئيس الموساد الإسرائيلي بنفسه لاستجوابه هناك لمدة 23 يوما، نقل بعدها سرا إلى إسرائيل لمحاكمته. كانت محاكمة إيخمان شديدة السرية وصدر عليه الحكم الوحيد بالإعدام في تاريخ الدولة العبرية، وفي 19 يونيو 1962 نفذ فيه الحكم ثم أحرقوا جثته ونثروا رمادها في البحر. والحقيقة أن إيخمان كان أهم شخصية نازية بالنسبة لإسرائيل بسبب العلاقات السرية التي ربطت بينه وبين المنظمات الصهيونية أثناء الحرب العالمية الثانية وقد كشفت وثائق سرية أن القسم اليهودي بجهاز الأمن الامبراطوري النازي رتب لقاء بين أدولف إيخمان أحد قيادات الجهاز وفايفيل بولكيس القيادي في منظمة الهاجاناه الصهيونية، وأن هذا اللقاء تم في 26 فبراير 1937 وخلاله تعهد بولكيس بأن تقوم الحركة الصهيونية بمساندة السياسة الخارجية الألمانية في الشرق الأوسط، وأن تزود الحركة برلين بمعلومات عن القوات البريطانية في فلسطين، مقابل أن تساعد ألمانيا في تسفير خيرة الشباب اليهودي إلى فلسطين ولا بأس من أن تتخلص ألمانيا النازية على طريقتها الخاصة من اليهود الطاعنين في السن والفقراء. على أثر ذلك أوفدت منظمة (موساد إلياخ بيت)الصهيونية مندوبين لها يشرفان على تنفيذ هذه التعهدات الأول هو بينو جنزبورج الذي استقر في برلين والثاني د.بوشيه أورباخ الذي اتخذ من فيينا مقراً له، ولاقى المندوبان المساندة والدعم من جهاز الأمن الامبراطوري على أن يكون ايخمان حلقة الاتصال بهم. وفي وقت لاحق التقي إيخمان مع رودلف كاستنير وهو مفوض خاص للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية وتم الاتفاق بينهما على أن يساعد كاستنير ايخمان في فرض النظام بين اليهود ومنعهم من مقاومة ترحيلهم إلى معسكرات، مقابل أن يغمض إيخمان عينه عن هجرة بضعة آلاف من خيرة الشباب اليهود سرا إلى فلسطين. ويؤكد المؤرخ ديفيد ايرفينج أن وثائق تؤكد أن الاتفاق استهدف التضحية بالمسنين اليهود وإغراء النازيين بحرقهم وذلك حتى يمكن بعدها لليهود أن يستدروا عطف العالم فيساعدهم على إقامة وطن لهم في فلسطين. بعد أكثر من عشرين عاما على هذه الاتفاقات وفي مطلع ستينيات القرن الماضي قرر إيخمان أن يخرج عن صمته حتى يفلت من المطاردات التي تعرض لها كبار قادة النازيين وانتابته صراحة شديدة في سرد المهام الخاصة التي أداها في الشرق الأوسط أيام النازية، خشي قادة إسرائيل ورجال مخابراتها من أن يفضح إيخمان تعاونهم السري مع النازية وتورطهم في المتاجرة بحياة يهود أوروبا فحذروا إيخمان وطلبوا منه أن يتوقف عن سرد ذكرياته أو كتابة مذكراته إلا إنه لم ينصت لهذه التحذيرات، واعتقد ان إقامته في الأرجنتين الذي كان يعيش فيها متخفيا توفر له الأمان وبدأ بالفعل في نشر مذكراته بمجلة لايف الأمريكية. قرر الموساد حينذاك التحرك لمنع ايخمان من الاستمرار في رواية مذكراته للمجلة الأمريكية حيث توقع صانعو القرار في إسرائيل أن تتضمن إدانة لأسماء إسرائيلية بارزة، وفضحا لتورطهم في مساعدة النازية، ووجد رئيس الموساد عيزرا هاريل الذي كان صديقا لبن جوريون، أن أفضل طريقة لغسل أيدي قادة إسرائيل من دماء اليهود الذين قتلهم النازي هي خطف ايخمان وإسكاته إلى الأبد.