من الأصول الثابتة في حياتنا الدنيوية بأن الإنسان خلق للعبادة، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. ومع العبادة شرع للانسان العمل من أجل أن تسير حياته سيراً طبيعياً وفق النهج الرباني، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }. هذه دعوة ربانية من أجل ان نسير في الحياة لنعمل ونأكل من عرق أيدينا كما كان سيدنا داود عليه السلام يأكل من كد يده ولا نكون عالة على غيرنا، وكلنا يعلم بقصة الرجل الذي جاء يسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ان يعطيه فأشار عليه أن يشتري فأساً وحبلاً فيجمع الحطب ويبيعه ويكسب منه مالاً يعتاش منه ذلك أفضل من أن يظل المرء يعيش طوال حياته يسأل هذا وذاك فهذا يعطيه وهذا يزجره. لهذا أود أن أقول بأن للعمل قيمة ويعطي صاحبه قيمة وثقة مهما كان نوع العمل الشريف الذي يقوم به فهو يشعره بمكانته ودوره ورسالته داخل مجتمعه. ولننظر في مسيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل جلسوا في محاريبهم أو في منازلهم وانتظروا أن ينزل الله الرزق والمال عليهم؟ بل عملوا في مهن مختلفة رغم انهم أنبياء، فداود عليه السلام كانت له صنعة الحديد ويونس كان خياطاً للثياب وآدم أبو البشر عليه السلام كان يزرع ويحرث الأرض وزكريا عليه السلام كان نجاراً ونوح عليه السلام كان يصنع السفن ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عمل في التجارة وفي رعي الغنم، هؤلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- عملوا في المهن والحرف المختلفة، ولم يكن العمل معيباً طالما أنه شريف ويعتمد الانسان فيه على كسب رزقه ولا يكون في موضع ضعيف يسأل الناس المال والرزق. وهذا درس لشبابنا الذين يرفضون الأعمال المهنية والحرفية ولا يحلمون إلا بالكراسي والمكاتب، فمن كان يزرع مزارعنا ويخيط ملابسنا ويبيع حاجتنا من الطعام والشراب؟ أليسوا آباؤنا وأجدادنا؟ أما لرجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات فأقول أنتم بتوظيفكم لأبناء الوطن وصبركم عليهم حتى يتقنوا ما أسندت إليهم من مهام وكسبكم لهم فأنتم تؤدون واجباً دينياً ووطنياً لأنكم تسهمون في بناء وطنكم واعانة شبابه على كسب الرزق الحلال ودعم الاقتصاد الوطني وتشجيعهم على ممارسة العمل المهني وبتوظيفكم للشباب المؤهل للعمل تدعمون اقتصاد أسرهم وتحسنون من أحوالهم المادية. وثقوا يا رجال المال والأعمال في بلدنا انكم تؤدون واجباً أمنياً حينما تستثمرون شباب الوطن لبناء الوطن وازدهاره وتوفرون لهم العمل بدلاً من تركهم يسرحون ويمرحون في الشوارع والأسواق وتجعلونهم يلجؤون للشقق المفروشة فيقعون فريسة سهلة في يد أصدقاء السوء لقمة سائغة للانحرافات الفكرية والأخلاقية التي تهيأها لهم القنوات الفضائية التي تعنى بثقافة الروح والرقص والعري. لا تنسوا بأن في بلدنا ما يقرب من 6.5 مليون وافد يحملون معهم فكراً وسلوكاً ومظاهر قد تحمل المخاطر على سلوكيات مجتمعنا المحافظ. أما لوزارة التربية والتعليم فأقول أمامكم فرصة لتعلموا ابناءنا الطلاب الدرس العمري (أرى الرجل فيعجبني فأسأل أله حرفة فان قيل لا سقط عن عيني) وبإمكان المقررات الدراسية ان تلعب دوراً في تبصيرهم بأهمية العمل الحرفي وان العيب ليس في الحرفة انما العيب فيمن يرفض العمل، وما زال النشاط المدرسي بيده أن يزرع حب المهن والرغبة في ممارستها وتدريبهم على بعضها. فالشباب هم عماد الأمة وإذا ما أزعجكم في مجتمعكم كثرة أخبار المنتحرين أو الشباب الذين حملوا السلاح ليتعاركوا به مع خصومهم من أقرانهم في الشوارع أو أخبار السرقات والجريمة أو تسكع الكثيرين في الأسواق فاعلموا بأنهم فقدوا قيمة الحياة وقيمة الوقت وقيمة العمل. فلتتضافر جهود المجتمع بكل مؤسساته الأهلية والحكومية لصنع جيل يحلم بمستقبل مزدهر ولنرفع شعارنا قولاً وعملاً.. أمة يعمل ابناؤها .. أمة تزدهر.. حتى نستطيع أن نأكل ونشرب ونلبس مما تصنعه أيادي شباب الوطن.