عندما تنحرف فئة فكرية عقائدية جاهلة بأمر دينها، لا تفكر إلا بنفسها بعيداً عن المجتمع ومصلحة الأمة، لا تؤمن إلا بمعتقدها، ولا تؤمن بأي فكرأو رأي آخر خارج نطاق فهمها الضيق للإسلام وهديه الكريم ومنهجه القويم وسماحته وعدله، وتعاليمه المبنية على الحق والدعوة إليه بالحسنى واللين.. عندما تبرز هذه الفئة الضالة وتعلن عن منهجها المبتدع وتسميه جهاداً، وتعمل على تحقيق مقاصدها الشريرة بأعمال شريرة إرهابية وأقوال تكفيرية تطال الجماعات والأفراد وكل الهيئات والمؤسسات، فإن من واجب المجتمع والأمة بكافة هيئاتها ومؤسساتها التصدي لها بكل سلاح بدءًا بسماحة الإسلام ولينه وعطفه، وإلا فإن الخيارات بالدعوة ومقارعة الحجة بالحجة، أما الإرهاب فلا يردعه إلا قوة مخلصة تحمي الأمة من شرور هؤلاء الطغمة الفاسدة فكرياً، الطاغية بإرهابها وإفسادها التدميري.. ولأن العلماء لهم باع طويل في مجالات التصدي وردع الظالمين، فإننا هنا نتحدث إلى عدد منهم لتبيان خطر هذه الفتنة والواجب لصدها فإلى آرائهم.. مسؤولية العلماء في البداية تحدث الدكتور يوسف بن أحمد الرميح وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بجامعة القصيم وأستاذ علم الجريمة والإجرام المشارك قائلاً: تعتبرمشكلة الإرهاب من أخطر المشكلات التي عانى منها مجتمعنا الطيب المبارك الذي لم يعتد على العنف والسلوك الإرهابي المسلح، وهنا تقع المسؤولية على عدد كبير من الجهات والأفراد للتصدي لهذه الفئة الضالة لعل أهم هذه الفئات التي يقع عليها مكافحة الإرهاب هم العلماء، فهم ورثة الأنبياء. وهذا الإرث هو إرث العلم الشرعي والفتوى والفقه وتعليم الناس أمور دينهم، فالعلماء عليهم مسؤولية كبيرة ومضاعفة في هذه الفترة لمواجهة الفئة الضالة. من هذه المسؤوليات المناطة بالعلماء تعليم الناس الأمور الدينية الخطيرة مثل الولاء والبراء الشرعي الصحيح، وبيان أحكام أهل الذمة في بلاد المسلمين، ووجوب طاعة ولي الأمر، وبيان حكم تكفير المسلمين، وبيان حكم استخدام السلاح والمتفجرات في بلاد الإسلام خاصة بلاد الحرمين الشريفين الآمنة المطمئنة، وبيان حرمة التستر على الإرهابيين وحكم مساعدتهم في أي أمر من الأمور، وبيان حرمة دماء المسلمين. كذلك من الأمور المطلوبة من علمائنا الأفاضل حث أئمة المساجد على اختيار كتاب سهل وبسيط يشرح للعامة أمور الولاء والبراء الشرعي وحكم تكفير المسلمين وحقوق ولاة الأمور وخطر الفكر الإرهابي الخبيث والمنحرف على الدين والمجتمع ومن ثم يقرأ هذا الكتاب على جماعة المسجد ولو مرة واحدة أسبوعياً لتعم الفائدة إن شاء الله. كما ينبغي لعلمائنا الأفاضل التركيز على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة لشرح هذه الأمور بتركيز شديد حتى لا يكون لأحد فرصة لانحراف فكري أو سلوكي، وفتح باب الحوار مع الشباب واستقبالهم والسماع منهم والمحاورة معهم بالحسنى، لأنه إن لم يقم علماؤنا باحتضان الشباب فسوف يحتضنهم أعداء الوطن من أهل الشر والفساد، وممن تشبع فكره وعقله بالإرهاب مع أهمية عقد المحاضرات والندوات والدروس الشرعية المكثفة في كل مكان في وطننا المبارك لبيان هذه الأمور الخطرة وبيان خطر الإرهاب والإرهابيين. هذه فقط بعض الأفكار وأنا على ثقة أن علماءنا الأفاضل لديهم الكثير جداً من الأفكار النيرة في هذا النطاق المهم والحيوي في تاريخ أمتنا ووطننا الغالي. حفظ الله وطن الخير والحب والدين والإيمان تحت رعاية الوالد خالد الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وحكومتهم الرشيدة، والحمد لله أولاً وآخراً. * من جانبه ركز الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز المذن، إمام وخطيب جامع الضليعة بمدينة عنيزة على دور العلماء في هذه المرحلة وأهمية تصديهم لشرور الفئة الضالة، ولتوجيه المجتمع لمايمكن أن يحمي فيه الناشئة من خطر الانزلاق في دروب الضلال، وقال في معرض مشاركته: لاشك أن للعلماء دورا كبيرا في مكافحة الانحرافات الفكرية وأن عليهم واجبا عظيما في توجيه الناس وشبابهم وتبصيرهم بالحق من الضلال، فالعلماء هم ورثة الأنبياء فعليهم الدعوة إلى الله والتحذير من الانحرافات الفكرية والمبادئ الهدامة والغلو والتطرف والانخراط في دائرة الضالين المضللين، وأن تكون الدعوة إلى الله منبثقة من الكتاب والسنة متمشية مع الآيات الكريمات قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال تعالى: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فالناس وخصوصاً شبابهم بحاجة إلى التبصير والتحذير من الانحرافات الفكرية والمبادئ الهدامة، وعدم الانصياع إلى علماء الفتنة والضلال أصحاب المبادئ الهدامة، وأن تكون هذه الدعوة عن طريق الندوات العلمية والمحاضرات والخطب المنبرية، وألا تكون هناك جفوة بين العلماء والشباب فإن الجفوة تحدث الفجوة: وعليهم أن يبينوا للناس من أنه يجب السمع والطاعة لولي الأمر في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى الأثرة، وألا ينازع الأمر أهله إلا أن يرى كفراً براحاً عند المرء من الله فيه برهان: هذه هي الطريقة المثلى لدور علماء المسلمين وفق الله الجميع لكل خير. أسباب الانحراف وعدد الشيخ: عبدالجبار عبدالله الجبيلان.. أسباب الانحراف وفصلها بقوله: إن الانحراف عن الحق والوقوع فيما يضاده لا تعدو أسبابه الفتن التالية: فتنة الشبهات، فتنة الشهوات، وفتنة الجمع بين الشبهة والشهوة (لبس الحق بالباطل). وكل انحراف أو ضلال أو خطأ- صغيراً كان أو كبيراً- لا يخرج في دوافعه عن الأسباب السابقة، فإذا وقع العبد في مخالفة شرعية، فإما أن يكون السبب في هذه المخالفة هو الجهل بها،وعدم العلم بحرمتها أو اشتبه الأمر عليه فحسبها مكروهة فقط، فهذا الخطأ سببه الشبهة الناتجة عن قلة العلم، وضعف البصيرة. وأما إذا كان العبد الواقع في المخالفة ذوعلم وبصيرة من دين الله وأنها محرمة ومخالفة للشرع، ومع ذلك وقع فيها عمدا، فإن السبب الدافع لهذه المخالفة إنما هو الشهوة وضعف النفس، ومثل هذا يقر ويعترف بمخالفته ومجانبته للصواب كما يعترف بذنبه وتقصيره. وهناك شخص آخر قد لا يعترف بذنبه وتقصيره وإنما نراه وقد راح يبحث عن شبهة في دليل وتفسير خاطئ، أو تأويل متعسف للأدلة ليبرر بها خطأه، ويمرر بها ضعفه وشهوته مع علمه بخطأ تصرفه هذا في قراراة نفسه، فهذا هو الهوى،وهذه هي المغالطة، وهذا هو لبس الحق بالباطل، وهو أشنع أنواع الانحراف، لأنه مكر وتحايل على شرع الله وخداع للناس. يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى-: والفتنة نوعان: النوع الأول فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما. ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولاسيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله رسوله- صلى الله عليه وسلم-، فهو من الذين قال تعالى فيهم: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ}(23) سورة النجم وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله، فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}(26) سورة ص. وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال. وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. وأما النوع الثاني من الفتنة: فتنة الشهوات: وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ} (69) سورة التوبة أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر، ثم قال:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ} (69) سورة التوبة فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح، فالأول: هو البدع وما والاها، وهو فساد من جهة الشبهات، والثاني فسق الأعمال من جهة الشهوات. ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه، وأن أشد وأشر هذه الفتن من جمع بين الشبهة والشهوة، وتحايل على شرع الله بأن غطى مخالفته بتأويل غير سائغ أو بشبهة دليل، وهو يعلم أنه متحايل ومخادع. التلبيس باللافتات إن من أخطر ما يهدد الأمة في عقيدتها وأخلاقها أن تعيش في جو من اللبس والتضليل والخداع، فلا ترى الحق بصورته المضيئة، ولا الباطل بصورته القاتمة المظلمة. بل قد يصل بها المكر والخداع إلى أن ترى غالبيتها الحق باطلاً والباطل حقاً، ويلتبس المجرمون بسبيل المؤمنين، ومن أعظم الالتباس بين السبيلين أن يقوم المجرمون من أعداء المسلمين- سواء من الكفار الصرحاء، أو المنافقين الدخلاء- برفع لافتات ظاهرها الإسلام، ومحبة الدين والدعوة إليه، وباطنها الكيد والمكر والخداع، ويحصل من جراء ذلك أن ينخدع كثير من المسلمين بهذه اللافتات فينشغلون بها، ويثنون على أهلها بدلاً من فضحها وكشف عوارها وتعرية باطلها. وعن خطورة التباس المجرمين بسبيل المؤمنين،يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: (فإن اللبس إنما يقع بضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر بن الخطاب: إنما تنقص عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. وهذا من كمال علم عمر- رضي الله عنه-، إنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها- وهو ما خالف ما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- فإنه من الجاهلية، فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول- صلى الله عليه وسلم- فهو من الجهل فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها في سبيلهم في سبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله. وقد قص الله سبحانه علينا في كتابه الكريم قصة نفر من المنافقين أرادو خداع الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المؤمنين برفع لافتة إسلامية على صرح من صروح النفاق، لكن الله عز وجل فضحهم وفضح لافتتهم، وعرى باطلهم، ليكونوا عبرة للمسلمين في وقتهم، وعبر التاريخ الطويل لمن يأتي بعدهم ممن يرفع لافتة إسلامية يخفي وراءها خبثه ومكره ليكيد بها للإسلام والمسلمين في أي زمان ومكان، وهذه القصة ذكرها الله سبحانه في سورة التوبة بما يعرف بمسجد الضرار، حيث أنزل فيها قرآنا يتلى إلى قيام الساعة، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}سورة التوبة: (107-110). ولإيضاح هذه الصورة يحسن ذكر قصة هذا المسجد كما ذكرها أهل السير، قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى: (ثم أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بذي أوان- بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار- وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يارسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية،وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: (إني على جناح سفر، أو حال شغل- أو كما قال- صلى الله عليه سولم- ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه). فلما نزل بذي أوان، أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مالك بن الدخشم، أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، أو أخاه عاصم بن عدي، أخا بني العجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم. فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل، فأشعل فيه نارا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن مانزل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ....... الآيات }107سورة التوبة. ويجب محاربة كل من يشجع هذه الفئة الضالة بفكر أو مقال، فهذه الفئة الضالة هدفها نحن جميعاً أبناء الوطن خاصة بعد الحوادث الأخيرة في الرياضوالقصيم وغيرها حيث لم يكن الضحايا من الكفار ولا غيرهم، وإنما المسلمون، فسقطت حجة من قد يجد لهم عذراً من ضعاف الإيمان والعقل والبصيرة بعد هذه الأحداث، ويجب أن يحاسب كل من يشجعهم في بغيهم وفسادهم فنحن الآن وأقولها حزينا في حرب معلنة مع هذه الفئة الفاسدة، ويجب بأي ثمن أن تجتث هذه النبتة الخبيثة من جذورها. كما يجب أن تعلمنا هذه الأحداث أمراً مهماً للغاية وهي كما قال المثل: إن (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايراها إلا المرضى) فنعمة الأمن التي لا يقدرها كثير من شباب هذا الوطن للأسف الشديد فإذا أراد مثلاً السفر من الرياض لمكة المكرمة أو الشرقية أو الجنوبية أو الشمالية يعد السيارة والوقود والإطارات والملابس وأغراض الأكل، ولكنه لا يعد سلاحاً لحماية نفسه، وهذه من أكبر نعم رب العالمين على مجتمعنا ولذلك قدم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- الأمن على الشرك عندما دعا لسكان هذه المنطقة الآمنة بقوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}(35) سورة إبراهيم. فكثير من شبابنا اليوم يأخذ الأمن على أنه حق مكتسب، وهذه المحنة أمل أن تكون منحة من رب العالمين لتعلمنا أهمية الأمن في حياتنا، وألا نبيعه بأي ثمن، وأن هذه البلاد كانت وستبقى للأبد- إن شاء الله آمنة مطمئنة ولكن يجب أن يعرف كل مواطن أن هناك ثمناً لهذا الأمن يدفع بدم أبنائه البررة من رجال الأمن الذين يسهرون لينام الجميع ويقتلون ليعيش المجتمع وأهله في سلام فلهم منا كل التقدير والمحبة والدعاء. العلماء أدلاء الأمة وعلق الأستاذ سامي صالح عبدالرحمن العزيز- مدير معهد التربية الفكرية بعنيزة قائلاً: عندما يسير المرء في صحراء قاحلة بما فيها من قفار ومهاد ووهاد وما يطرأ عليها من تقلبات جوية يحتاج لخوضها إلى دليل خبير بدروبها لكي يوصله إلى برالأمان بسلام. وكذا عندما نسير في حياتنا الدنيا وفي هذا الزمان بالذات الذي يموج بالفتن والمتغيرات الكبيرة وحرب الأفكار والفضائيات والشهوات فإننا نحتاج في خوض غمار هذه الحياة إلى أدلاء خبراء ننجو بهم إلى درب السلامة، ويهدوننا إلى الثبات على الحق، هؤلاء الأدلاء هم العلماء الصادقون وورثة الأنبياء وحملة الهدي النبوي والناصحين المخلصين بهم تنجو الأمة ينصحون لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم. وهذه أمثلة عملية للمعنى السابق: فعندما ظهرت الانحرافات والغلو في وقت مبكر زمن الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وقامت تلك الجماعات بتكفيره قال لهم- رضي الله عنه-: (إنا لم نمنعكم عطاءكم (حقوقكم المالية) ولا حضور مساجدنا ولا نبدؤكم بقتال حتى تبدؤونا....) فكان لهذه الروح السمحة سبباً في تخفيف غلو هؤلاء. وفي عهد عمر بن عبدالعزيز- رضي الله عنه- عندما أوقف الحروب ضد الخوارج وأمر بمناظرتهم وعاد كثير منهم إلى جادة الصواب بفضل الله ثم المحاورة العلمية المتقنة منه- رضي الله عنه وأرضاه. ثم جاء بعدهم من العلماء كالشافعي وأحمد وابن عبدالسلام وابن الجوزي والغزالي كلهم كان لهم دور كبير في الحد من الغلط وبيان وجه الحق منه... ومايزال أتباعهم على الهدى من العلماء الربانيين مصرين على هذا الطريق مثل جهود العلامة الشيخ ابن باز -رحمه اله تعالى- والعلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والألباني- رحمهم الله جميعاً- ودورهم الكبير في توجيه الأمة بكافة أطيافها لأخذ الدين بيسر وعدم الغلو والتشدد والانحراف الفكري، والواجب على الربانيين من بعدهم التمسك بهديهم بهذا الأمر وتثبيت شباب الأمة والأخذ بحجزهم عن مهاوي الردى وتحذيرهم من دعاة الضلال حتى تسير سفينة الأمة إلى بر الأمان في معترك هذه الحياة الصاخبة، والله يتولانا جميعاً بحفظه ورعايته، ويكفينا جميعاً شر الفتن ماظهر منها وما بطن.