دموع مسكوبة.. على فراق والدتي الحبيبة رحمها الله. عبد الرحمن صالح العشماوي الرياض 1-2-1426ه ترضى النفوس وتستطيب عذابَها لما تزفُّ إلى الإله ركابَها أنا ما بكيتُ على الحبيبة يائساً من رحمةٍ فتح المهيمنُ بابَها لكنه ألم الفراق ولوعةٌ سلَّت عليَّ سيوفَها وحرابَها لما نعى الناعي حبيبةَ خاطري ورأيتُ من شمس الحنان غيابَها ورأيتُ (فَقْدَ الأمِّ) صار حقيقةً ألقتْ عليَّ صخورَها وهضابَها وعلمتُ أن حبيبتي وأنيستي وأميرتي قد أغمضتْ أهدابَها ناديتُها، فتكسَّر الصوت الذي نادى، ولم ترسلْ إليَّ خطابَها لا تسألوني عن حبيبة خاطري فهي التي نسج العفافُ ثيابَها إن الفؤاد يحبُّها ويهابُها ولأنه عرف الحبيبة هابَها كنا صغاراً حين فارقَنا أبي فمضتْ تقدِّم روحَها وشبابَها نشرتْ لنا ظلَّ الأمومة وارفاً وإلى المشاعر طيَّرَتْ أسرابَها أمي التي ما أبصرتْ عينُ المدى إلا جلالَ حيائِها وحجابَها لمَّا تقولُ: (بُنيَّ) أشعرُ أنها تبني حصونَ سعادتي وقِبابَها رحلتْ عن الدنيا رحيلَ كريمةٍ رفعتْ مواقفُها العظامُ جنابَها نقصتْ ملامحُ فرحتي من بعدها مهما جنيتُ من الحياة رُضابَها مُزِجَتْ حلاوةُ كلِّ حلوٍ بعدها بمرارةٍ، قلبي تذوَّق صابَها مَن لي بتقبيل الجبين مصبِّحاً وممسِّياً، وممسِّحاً أعتابَها؟ مَن لي بحسن الرأي منها حينما تهدي إليَّ من الأمور لُبابَها؟ مَن لي بصدق الحدس منها حينما تلقي الخطوبُ على العيونِ ضَبابَها؟ ما زلتُ أذكر قولَها لما رأتْ بعض الذئاب وأبصرتْ أنيابَها: أبُنيَّ كنْ بالله لا بعبيده لا تَخْشَ قُطعانَ الذئابِ وغابَها كم حاسدٍ لما تقاصر عزمُهُ عن نيل منزلة الأكارمِ عابَها مَن ذا سأُسمعُهُ القصائدَ بعدها ومَن الذي سيُنيلني إعجابَها؟ مَن ذا أُبشِّر حين أفرحُ كي أرى في وجهها فرحاً يُطيرُ صوابَها؟ مَن لي بهاتفها الحبيب يُجيبني (أهلاً حبيبي) يا فَدَيْتُ جوابَها؟ أُمَّاهُ صيَّرني فُراقُكِ حائراً في بِيدِ آلامٍ تَسُلُّ سرابَها ما زلتُ أشعر بالضياع كسائرٍ في مَهْمَهٍ تَسفي الرياحُ تُرابَها أوَّاهُ من هذا الفراغِ وَجَدْتُهُ في نفسيَ الحرَّى يزيدُ عذابَها جدران مكتبتي وكلُّ رفوفها تبكي وتُشعل بالأنين كتابَها وجميع أوراقي وكلُّ دفاتري وقصائدي لفحُ الأنين أصابَها وحديقةُ البيتِ الصغيرةُ خِلْتُها قد أذبلتْ من حزنها أعشابَها أُمَّاه يا أُمَّاه، حُبُّكِ في دمي عطرٌ، وغاليةٌ حملْتُ جرابَها في البيتِ - يا أُمَّاه - منكِ حقيقةٌ كُبرى عشقتُ ذهابَها وإيابَها أبصرْتُ غرفتَكِ الحبيبةَ أوغلَتْ في الصمتِ بعدكِ، أغلقتْ أبوابَها لو أنها تُفضي بما في صدرها نطقتْ وأنطقَ قولُها دُولابَها أنَّى اتجهتُ رأيتُ وجهَكِ ضاحكاً ورأيتُ منكِ يدَ الرضا وخضابَها حُلُمٌ أعيشُ به الصفاءَ سُوَيْعَةً فإذا صَحَتْ نفسي شَكَتْ أوصابَها وتساءلَتْ نفسي سؤالَ توجُّعٍ لمَّا رأتْ سهمَ الأنينِ أصابَها: ما لي أرى الظلماءَ بعدكِ خبَّأَتْ عن ناظريَّ هلالَها وشِهابَها هيَ لوعةُ الحرمانِ بعدكِ أشعلَتْ قلبي، فأكملَتِ الهمومُ نصابَها تشكو النفوسُ من العناءِ، وإنما أقسى العناءِ فراقُها أحبابَها أُمَّاه، حين رأيتُ حزني جارفاً يطوي جبالَ مشاعري وشعابَها أسرجْتُ في قلبي خيولَ يقينِهِ وركبْتُ في دَرْب اليقين عِرابَها ذكَّرْتُ نفسي بالرسولِ وقد شَكَتْ بوفاتِهِ كلُّ القلوبِ مُصابَها خطبٌ جليلٌ هزَّ أفئدةَ الورى هزًّا، وأشعل حُزنَها وأذابَها بردَتْ بذكراهُ الحبيبةِ لوعتي وهمومُ نفسي، واحتسبْتُ عذابَها يا ربِّ، هيِّئْ للحبيبةِ منزلاً في الخلدِ، أجْزِلْ يا عظيمُ ثوابَها