ما أصغر الدنيا وما أعظمها، ما أقصرها وما أطولها، ما أسعدها وما أحزنها، ما أوسعها وما أضيقها، تتجاذبنا سلباً وإيجاباً، فنطير فرحاً بإيجابياتها، ونضيق ذرعاً بسلبياتها، والله يقدر كل شيء فنرضى بقدره سبحانه، وفي الحديث: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). كم هو أليم فجاءة الخبر غير السار، والأكثر إيلاماً حينما يصحو المرء صباحاً متفائلاً في يوم إجازته الأسبوعية، يقلب صفحات الجريدة فيقع نظره وبدون مقدمات على خبر وفاة عزيز، فتضيق الدنيا بعد أن كانت واسعة، وتسود بعد أن كانت بيضاء ناصعة. وبقلوب يعتصرها الألم تلقينا خبر وفاة الأخ الزميل حسين خماش، ففقدنا بذلك أخاً عزيزاً، وإنساناً كريماً وفياً مخلصاً، وإعلامياً متميزاً. فقدناك يا أبا فيصل لأنك أردت أن نفقدك، بما غرست في نفوسنا من دماثة خلقك، ونبل سمتك، ولو كنت غير ذلك ما فقدناك! فقدناك لأنك تحترم من يتعامل معك، ولو كنت غير ذلك ما فقدناك! فقدناك لأنك متفانٍ في أداء عملك، ولو كنت غير ذلك ما فقدناك! فقدناك لتبسمك في وجه من يلقاك، ولو كنت غير ذلك ما فقدناك! فقدناك لأنك زرعت الكلمة الطيبة، ولو كنت غير ذلك ما فقدناك! فقدناك لكل خصالك الحميدة، ولو كانت غير ذلك ما فقدناك! ستفتقدك يا أبا فيصل ردهات تلفزيون الدمام، واستوديوهات الإذاعة، وبلاط الصحافة، وعلاقات السكة، سيفقدون وجهك البشوش، ومحياك الودود، وصوتك الرخيم. قد لا يعرف المرء في حياته مقدار ما يكنه له الآخرون من تقدير، رغم أن ديننا الحنيف يحثنا على إبلاغ من نحب بحبنا له في الله، ولكن فسحة الأمل بالحياة لا تمنحنا فرصة التفكير بأن من نلقاه اليوم قد لا نلقاه غداً، ولكن تأتي اللحظة التي لا يتمنى فيها الناس إعلان مقدار ذلك التقدير أو (الغلا)، بقولهم السائد: (الله لا يبين غلاك)، وحينما تأتي تلك الساعة، لا نملك إلا الرضا بقدر الله، ولا حول ولا قوة إلا به. ولأنك حسين خماش، أتت لحظة تبين فيها (غلاك) فلن أنسى آخر اتصال بيني وبينك، حينما سألت عن غيابي، (بصوتك المميز): وينك يا سلمان!، وتمنياتك ودعواتك لي بالتوفيق، كم كان ذلك أثيراً عندي، عظيماً في نفسي، ولن أنسى أيضاً لحظة أتيتني وأنا أعد عملاً، فبذلت توجيهك، وخبرتك. قد تبدو بعض المواقف عادية في نظر صانعها، لكنها كبيرة في نفس متلقيها، فجزاك الله خيراً، وجعل ذلك في موازين حسناتك، عندما تنهمر دموع الرجال فإن الحدث جلل، فلطالما قهر الرجال دموعهم في محاجر عيونهم، لأنهم لا يرخصونها إلا لمن يستحقها، ولقد أرخصها رجال لأجلك. رحمك الله يا حسين خماش، رحمة واسعة، وألهم ذويك وزملاءك ومحبيك الصبر والسلوان، وأسكنك فسيح الجنان في روح وريحان.