بعد انتهاء الملتقى الرابع للحوار الوطني الذي جرت فعالياته في المنطقة الشرقية وتركز حول الشباب قد لا يكون جديدا القول إن الشباب في كل أمة هم قلبها النابض وطاقتها الهائلة التي تقود مسيرتها نحو تحقيق أهدافها، ولطالما كانت حيوية الشباب القوة الكامنة التي تتدفق جداولها في مسالك الرقي والتقدم وتأخذ بيدها للترقي في سلم المجد حتى تتبوأ المكانة الرفيعة بين الأمم.يقول الشيخ الدكتور مناع القطان - رحمه الله تعالى -: (إن مشاعر الشاب وأحاسيسه تتفاعل بعوامل شتى تكتنفه فيقع تحت تأثيرها وتتجاذبه يمنة ويسرة بما في النفس البشرية من نوازع الهوى وما ينشأ في البيئة من مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وينعكس هذا ونظائره على بواعث الفطرة السليمة فيعكر صفوها ويغشاها بالشبهة، وبين حبائل الشر وهواجس السوء ينحرف الشاب عن الجادة وتتعقد حياته ويعود هذا بالوبال على أمته، لذا تعتني الأمم بشبابها عناية فائقة لتنمي مواهبه وتستثمر فراغه وتشبع حاجاته وتحميه من براثن الانحراف وشرك الأباطيل فتنشئ له المؤسسات الخاصة برعايته وتضع البرامج الرياضية والفكرية والسلوكية لتتولى تنمية جوانب التربية البدنية والعقلية والروحية). اه.(1) وما هذا الملتقى إلا خطوة موفقة في الطريق الصحيح وعناية فائقة من الدولة - وفقها الله - تجاه شباب الوطن آملين أن يكون ما تمخض عن هذا الملتقى من برامج فاعلة وتوصيات مهمة لشبابنا لبنات خير في بنائنا الشامخ ومنارات هدى في حاضرنا ومستقبلنا.ومن هذا المنطلق فإنني أجد أنه من غير المناسب - في هذا الملتقى وغيره - ممارسة الوصاية على الشباب وتوجيههم بطرق تقليدية وبوسائل فوقية لا يتقبلونها ابتداء ولا تجد لها طريقا للتأثير فيهم حتى لا نكون في واد وهم في واد آخر، بل يجب أن تنصب الجهود في وضع الأهداف الواضحة والخطط المرحلية المتقنة المنبثقة من حاجات شبابنا ورغباتهم والمتوافقة مع مشاعرهم وأحاسيسهم، ونثمن في هذا السياق ما قام به مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في جولاته التي ذرعت المملكة طولا وعرضا للالتقاء بشباب الوطن ومعرفة مطالبهم ومشاكلهم ثم إشراك عدد منهم في هذا الملتقى.وضمن هذا الإطار ولكي نقدم حلولا عملية لشبابنا فإن من الأهمية بمكان معرفة خصائصهم التي من أهمها: 1 - الشباب آتاهم الله قوة في الجسم وطاقة فياضة متجددة وحيوية ونشاطا؛ الأمر الذي يجعلهم اقدر على مواجهة متطلبات العمل والإنتاج وبذل الجهد. 2 - يتسمون بالانفعالات المتوثبة المتحفزة. 3- أكثر تفتحا لاستقبال الجديد ويمتازون بأن القدرة المنتجة لديهم في أقوى مراحلها وأن عقولهم المتفتحة في أزهى صورها. 4 - الشباب خامة طيبة لم يصبها التحجر والتجمد ولديهم الاستعداد الفطري لتقبل التوجيه والإرشاد إذا أحسن توجيههم وتوافرت لهم القدوات الحسنة وهيئ لهم المناخ السليم. 5 - النضج الجسماني والرشد العقلي والاجتماعي والخلقي. 6 - الشعور بالمسؤولية والاستقلال في الحياة والاتجاه إلى الاستقرار وتكوين الأسرة والقيام بدور فعال في خدمة المجتمع. وقد أحسن المنظمون لهذا اللقاء في وضع محور مهم في جدول الجلسات وهو من الأمور التي أرى أهميته القصوى التي نشكرهم على العناية به وهو محور (الشباب والمجتمع والثقافة) إذ ليس بخاف على أحد - كما ذكرت آنفا في خصائص الشباب - انهم أكثر تفتحا لاستقبال الجديد؛ الأمر الذي يجعلهم أكثر الفئات قابلية للانبهار بالحضارات المتقدمة وأكثرهم أيضا عرضة للغزو الثقافي فشبابنا يلحظون ويتابعون عن طريق الوسائل الإعلامية ثم يقارنون التقدم لدى الغرب في التقنية والتنظيم والكشف والاختراع والطاقة والمواصلات وارتياد الفضاء واستخدامات الذرة وتقدم العلوم وفنون الدعاية ووسائل المدنية فلا يملكون إلا الانبهار بحضارة الغرب والشعور بعقدة النقص فيتحول ذلك الانبهار إلى انصهار وتقليد وتنكر لمبادئ المجتمع وقيمه وعاداته وأعرافه وتقاليده. ولعلاج هذه الإشكالية لدى شبابنا اقترح ما يلي: 1 - التحصين الفكري والعقلي للشباب بتعميق صلته بالدين والموروث وتوسيع مداركه ومعارفه لتقف سدا منيعا ضد أي تهديد لمعتقداته وفكره. 2 - أن تخفف مؤسساتنا الإعلامية والثقافية من الأسلوب العاطفي في التأثير والإقناع وأن تعتمد الأسلوب الإقناعي الذي يقوم على أساس الإقناع المجرد القائم على العقل والفكر لا على مجرد الرغبة والتأثير حتى يكون التأثير أصيلا ومستمرا. 3 - تقديم الرعاية للشباب بتوجيه خدمات وجهود الاجهزة والهيئات ذات العلاقة ودعمها لكي تقوم بدورها في تهيئة أنسب الظروف والأوضاع للنمو السليم الذي يكسب الشاب الصفات والمميزات التي تجعله صالحا وقادرا على خدمة بلاده في شتى ميادين التنمية. 4 - أن على الإعلاميين والمثقفين مسؤولية كبيرة لحماية الشباب من التبعية الثقافية حيث انهم يستطيعون بحسهم الوطني أن يكونوا أمناء على ثقافتنا وهويتنا الأصلية مع الانفتاح على المضامين الإعلامية والثقافية الجيدة دعما للتواصل الثقافي في إطار التوازن الذي يتيح للمجتمع أن يتطور ويجب أن يجعلوا من ثقافتهم قوة تعجل من خطوات التنمية وتسرع في عمليات التحضر والتطور وتعمق الحراك الذهني وتعمم الاتجاهات الرشيدة لا العكس. (2) 5 - خلق الثقة وخلق الوعي في نطاق الأسرة، أما خلق الثقة فيعني خلق علاقة إيجابية وصريحة بين الأسرة والشباب وتعويدهم على النقاش الحر الديمقراطي المتبادل من دون جعل هذه العلاقة قائمة على أساس القهر والقسر، ونعني بخلق الوعي إيجاد وعي إيجابي لدى الشباب بموقفهم من الحياة والدين والثقافة وتطوير هذا الوعي بالحوار الأسري الديمقراطي. 6 - تفعيل الدور الثقافي في الأندية الرياضية والدور الشبابي في الأندية الثقافية بتوفير البرامج والأجهزة والوسائط التكنولوجية والدورات التخصصية والمشرفين الأكفاء. 7 - الدعم المادي والمعنوي للأفكار الخلاقة والإبداعية في المجال الثقافي وخاصة التي لها علاقة مباشرة بالشباب. 8 - وضع استراتيجية عامة وموحدة الأسس وقواعد التنشئة الثقافية للشباب تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع التعليمية والإعلامية والثقافية والتنفيذية إذ إن التخطيط والتنظيم والتنسيق والتكامل بينها من الأهمية بمكان. هوامش 1 - الشباب ومشكلاته من منظور إسلامي - محمد زناتي. 2 - الشباب والانفتاح الإعلامي والثقافي (بحوث المؤتمر العالمي التاسع للندوة العالمية).