معلوم أنه من أجل إيجاد نظرة مستقبلية للفن التشكيلي السعودي وتفاعل الفنان مع قضايا المجتمع وأثره في اتساع مساحة الذائقة البصرية جماليًّا وفكريًّا لابد من توفر أربعة عناصر وهي: 1 الاهتمام برسوم أطفالنا ومعرفة خصائصها بعرضها على المختصين. 2 التعبير عن قضايا المجتمع. 3 الاهتمام بالطرق التي تسهل اقتناء العمل الفني. 4 التذوق للفنون التشكيلية “زيادة مساحة الوعي عند الرائي”. إن الحديث لجمهرة من الفنانين الممارسين في مجال هم يعرفونه جيدًا يعد ضربًا من المجازفة؛ لذا سأدلف في المحور من خلال العناصر التي أظن إنني سأطرح ما يجعلنا نشعل الحوار بوصفه مساحة للتصالح مع الذات أولاً والآخر في آن لمد جسور من الود تقوم على الوعي بالاختلاف لا الخلاف الموصل إلى القناعة بأن الاختلاف أصل قبل الوفاق، فإن تم فمرحبًا به؛ وإن لم يكن فكفى بالحوار مكسبًا غير ملزم بالقبول في زمن يحفل بالحوارات بين الذات والذات الأخرى.. أولاً: الوعي الأسري يعتبر الوعي الأسري العنصر الأول من العناصر الأربعة التي من شأنها أن تزيد مساحة الوعي لدى الأسرة في منازلنا التي هي الحاضن الأول والتي يترعرع فيها الخطوط والتعبيرات الأولى للموهبة وهي حقيقة أي الأسرة قد يكون لها الأثر الكبير في توجيه دفة الموهبة في المسار الصحيح أو الخاطئ.. لذا لزم التنبيه إلى أهمية دور الأسرة قبل سن المدرسة في الاهتمام بتلك “الخربشة” الأولية التي يقوم بعملها الطفل على الورق أو بعض الأسطح التي تقع تحت يده وبصره من تلك اللحظة التي يبدأ الطفل التعبير بها عن مشاعره وأحاسيسه وهي في حقيقة الأمر مؤشرات تدل على وجود طفل موهوب في المنزل. ومن هنا وجب على الأبوين أو أحدهما مسؤولية الاهتمام والرعاية والتنمية لهذه الموهبة عبر الآتي: • بتشجيع الطفل الموهوب إلى المزيد من التعبير عن مشاعره وأحاسيسه على الورق أو الكراس والألوان المخصصة لذلك. • جمع الرسومات التي تم الحصول عليها من الطفل خلال مدد متفاوتة استعدادًا لعرضها على مختص برسوم الأطفال لمعرفة الخصائص التعبيرية لتلك الرسوم والاستفادة من رأيه فيها. • تقديم الحوافز المشجعة للطفل الموهوب من خامات مناسبة لعمره. • عرض إعماله في مكان بارز في المنزل للاطلاع الزائرين عليها لتشجيع الطفل الذي سينعكس ذلك إيجابيًّا على مستقبل موهبته. ثانيًا: التعبير عن قضايا المجتمع من المدرك لديكم أن الفنان التشكيلي السعودي وقبله العالمي أن كثيرًا منهم لمع نجمه في الآفاق وتردد اسمه في التاريخ على مر العصور بفضل التصاقه بالقضايا التي تهم المجتمع الذي يعش فيه الفنان ولا أحتاج إلى بذل كثير من الجهد للاستشهاد بأدلة أنتم تعلمونها بحكم أنكم فنانين ولديكم من الاطلاع ما يزيد على ما أقول لكن لا بأس من أن أشير باقتضاب إلى بعض من الفنانين وهم كثر منهم الفنان العالمي بيكاسو ولوحته الشهيرة الجورنيكا، والمبدع العالمي ذائع الصيت فان جوخ ولوحاته التي وجه بها الفكر الاجتماعي إلى النظر إليها بتوجهه إلى التعبير عن الفقراء والفلاحين ونحوهم.. ولن نذهب بعيدًا؛ فتلك قضيتنا الكبرى قضية فلسطين وغزة والعراق والبوسنة التي يشترك فيها عموم المجتمعات العربية والإسلامية، ثم إن هناك قضايا محلية وما ساهمت به بلادنا الغالية من نصرة ومساعدة الملهوفين والمعوزين في شتى بقاع الدنيا، وأخيرًا قضية السيول التي أصابت مدينة جدة ومساهمة بعض فنانينا في التعبير عن مشاطرة الفنان لإخوانه المتضررين. وإذا أردت الحديث سيطول بنا المقام؛ لكن محصلة القول على الفنان التشكيلي دور لا يقل أهمية عن غيره فهو ابن لهذا المجتمع يعبّر عن كل ما يفرحه ويسعده والوقوف مع أبناء المجتمع في المحن التي تلم به، فمتى ما اقترب الفنان من تلك المشاعر المفرحة وغير المفرحة معبّرًا بصدق عن إحساسه عنها إلا وأصبح قريبًا من ذاكرة المجتمع التي تحتفي بالمعبر عن قضاياه وهمومه. ثالثًا: الاهتمام بالطرق التي تسهل اقتناء العمل الفني الفنان التشكيلي وغيره من المبدعين في أجناس الإبداع الأخرى لا يفرطرون بالعمل الفني الحقيقي إلا لمن يستحقه على أقل تقدير من وجه نظري التي أزعم أن البعض يشاركني ذلك الرأي؛ لكن أعود وأقول يمكن أن يتنازل الفنان عن ذلك متى ما رأى أن رغبة ملحّة من طالبه ويستحق تلك المشاعر والأحاسيس التي تعلمون مدى حساسية الفنان وهي من أبرز سماته التي ينعت بها في كثير من الأحيان. لكن هناك طرق يمكن أن تقرب المسافة فيما بين الفنان الذي يحق له أن يعتز بعمله وفي ذات الوقت يطرحه لمن يريد أن يشاركه تلك الرغبة وهي الاقتناء بسعر لا يبخس الفنان ولا يحرم المقتني من الحصول على أعمال أصلية لفنان سعودي يضفي بها جمالاً إلى المكان الذي يسكنه. من ذلك اقترح الآتي: • عمل لوحات أصلية من قبل الفانين كل بأسلوبه المعروف به بمقاس صغير مثال 20×20سم أو أكبر من ذلك وبسعر متاح يستطيع المقتني دفعه، وهناك جهات حكومية كوزارة الثقافة والإعلام ووزارة التعليم العالي التي بدأت مؤخّرًا باقتناء لوحات من الفنانين لمشروعات التجميل والإهداء، وهناك مؤسسات خاصة بدأت بمثل ذلك منذ فترة على شكل معارض ثم يتم بيع الأعمال بأسعار مناسبة لمن يرغب في الاقتناء من الفنانين التشكيليين. • هناك صالات ومؤسسات من القطاع الخاص بدأت تلتفت إلى اقتناء أعمال فنية من الفنانين لغرض المشاركة في المزادات التي تقام في أماكن مختلفة من العالم كلندن وباريس والخليج الذي يشهد هذه الأيام اهتمامًا ملحوظًا من مؤسسات لها باع طويل في اقتناء الأعمال والقطع الفنية. نأمل زيادتها وتفعيل الموجود منها بشكل يعود على الفنان والمجتمع بالنفع والفائدة المرجوة. • مساهمة الفنانين التشكيليين بالوقوف مع جمعيتهم التي تأسست قبل عاميين من اليوم وتفعيل الأهداف التي أنشئت من أجلها وهي تصب في مصلحة الفنان والمجتمع وهذا معروف على مستوى العالم حيث كل الفنانين في العالم ينتمون لجمعياتهم في بلدانهم المعنية بكل ما يهم شؤون الفنان التشكيلي وهمومه. رابعًا: زيادة مساحة التذوق والوعي بالفن التشكيلي إن من المدرك العقلي أن الإعلام يلعب دورًا هامًا و بارزًا في زيادة مساحة الوعي ونشر ثقافة الذائقة البصرية فهو يعطي الصورة مزيدًا من الانتشار الوصول إلى المتلقي دونما عناء، فالإعلام المرئي يصل إلى المتلقي حيثما كان، ولا يخفي على ذي البصيرة الثورة الإعلامية نعيشها اليوم في الفضاء المفتوح أمام البصر؛ فكل لحظة يتجه فيها بصره يجد القنوات المتنوعة والمتعددة في زمن الانفجار المعرفي والإعلامي الذي لا ينفك يفاجئنا بالجديد متابعة لحظة بلحظة. لذا أرى إنه من الأهمية بمكان أن نتوجه إلى الإعلام بشتى وسائل اتصاله للاستفادة القصوى وبذل أوسع والطاقات باستثمار هذا الانفتاح على المستويين المحلي والعالمي في نشر ثقافة الوعي البصري وزيادة مساحة الذائقة البصرية من خلال البرامج التي توصلنا إلى أن ندخل اللوحة (العمل الفني) إلى كل بيت في الداخل والخارج عن طريق النقاط التالية: • إعداد برامج تلفزيونية ثقافية فنية تعنى بالفنون البصرية مع التركيز على العمل التشكيلي ذي البعدين وكذلك ذي الثلاثة أبعاد. • الاهتمام بالصحافة المقروءة الورقية والإلكترونية بالكتابة عن أخبار المعارض الفنية والتحليل الذي يقرب المسافة بين الرائي والعمل الفني البصري. • إقامة المعارض في الأماكن المفتوحة،كالأسواق والحدائق، والأماكن الترفيهية التي يعتادها الناس مع أطفالهم وأسرهم. • التأكيد والمطالبة من قبل الفنانين التشكيليين من الجهات ذات العلاقة بالثقافة والإعلام والتربية والسياحة بأن تتضافر جهودهم بكل ما من شأنه إقامة متحف الفن التشكيلي السعودي ليكون مرجعًا تاريخيًّا للفن التشكيلي ومقصدًا للباحثين والسيّاح. • التواصل مع القطاعات التي تهتم بالشأن الثقافي والفني والتربوي وذلك بتوجيه الدعوة إلى الطلبة والمعلمين الآباء ودعوتهم لحضور تلك الفعاليات الفنية التشكيلية. • عمل ورش عمل ومناقشات فنية من العارضين والمختصين مصاحبة لكل فعالية تشكيلية يشارك فيها الأطفال والآباء لإثراء المناسبة وتفعيل العلاقة الحميمة بين الفنان والمجتمع. • طباعة بعض الأعمال الفنية المتميزة لبعض من الفنانين على شكل “بوستر” أو “كروت صغيرة” كإهداء من الجهة المنظمة لنشر الفن بين الناس ليسهل على الراغب في عمل إطار ويعلقه على جدار منزله. هذه بعض النقاط التي أزعم أنها ستسهم في نشر الثقافة الجمالية والوعي الفكري بما يقوم به الفنان ابن هذا المجتمع من عمل إبداعي يسهم به التأثير الجمالي والتذوقي الذي هو من أهم سمات الفنان المبدع الذي ما انفك يؤثر يتأثر بالمجتمع المحيط به. ويكون للفنان له أثر واضح في مجتمعه فإننا ندرك أن الفنان لا يمكن أن يتخلى عن دوره كعنصر هام في بناء الحضارة التي عاشها معظم فناني العالم التشكيليين الذين سجلوا مآثر الحضارة الإنسانية على مر العصور شاهدًا مؤرخًا للبشرية. ولكم في ما تشاهدونه اليوم من تلك الشواهد وما أبدعته أنامل الفنان التشكيلي على مر التاريخ القديم والحديث دليلاً كافيًا.