استهلت الأنشطة الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة العشرين (الجنادرية) بندوة: تكريم شخصية سعودية وكانت الشخصية المكرمة لهذا العام الشاعر عبدالله الجشي، شارك في هذه الندوة كل من الدكتور عبدالرحمن السماعيل رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة الملك سعود، والدكتور مبارك بن راشد الخالدي والأستاذ محمد بن رضا الشماسي والاستاذ هيثم منصور الخنيزي، ورأس الندوة الدكتور محمد الربيع رئيس النادي الأدبي بالرياض. ألقى الدكتور عبدالرحمن السماعيل الضوء من خلال ورقته.. (الصورة الشعرية عند عبدالله الجشي ) على جانب من التجربة الشعرية بين الرومانسية والكلاسيكية وما نتج عنها من صور شعرية جميلة اختزنتها ذاكرته من قراءاته الواسعة في التراث واطلاعه الواسع على مسيرة الشعر الحديث ورحلاته الكثيرة وقال: أدركت حين قرأت شعره أن الحيز الزمني المحدد لي من قبل ادارة المهرجان لا يكفي لاعطاء فكرة عن قدرات هذا الشاعر وميادين شعره، وبما أنه لا بد من الالتزام بالوقت المحدد فقد أضمرت في نفسي نية التفرغ لهذا الشاعر لدراسته دراسة تليق بمكانته وتعريف القراء به بصفته أحد الرموز الثقافية في بلادنا الذي ابتعد عن الأنظار ردحا من الزمن فغاب الى حد كبير عن ذاكرة القراء، وعن ساحاتنا الأدبية التي برز فيها انتاج هجين لا يستحق أن يسمى أدبا أو شعراً.. وأثره في افساد الذائقة الأدبية لدى شبابنا لا يمكن أن يخطئه الناقد المتابع. المبدع حين قرأت قصائد شاعرنا عبدالله الجشي انفتحت أمامي أبواب كثيرة يمكن أن يدخل منها أي دارس لهذا الانتاج الغزير لهذا الشاعر المبدع، فعجبت من قلة ما كتب عنه، على الرغم من كثرة الدراسات الفردية والدراسات الأكاديمية التي تناولت شعراء المملكة في جامعاتنا. ونظراً لكون هذا اللقاء لقاء تكريمياً خصص له وقت قصير، فقد رأيت أن ألقي بعض الضوء على جانب من تجربته الشعرية بين الرومانسية والكلاسيكية وما نتج عنها من صور شعرية جميلة اختزنتها ذاكرته من قراءاته الواسعة في التراث واطلاعه الواسع على مسيرة الشعر الحديث ورحلاته الكثيرة. من استعراض حياة هذا الرجل ندرك المصادر المتنوعة لثقافته، فقد رافق والده الى النجف كما ذكر في مقابلة مع جريدة عكاظ الصادرة يوم 14-9- 1425ه فدرس هناك قواعد اللغة والمنطق والفقه والأصول والبلاغة العربية ثم تفرغ للأدب والتاريخ وأقام في النجف مدة تزيد على اثني عشر عاما ثم رجع الى القطيف وأقام مدة عاد بعدها الى العراق عام 1970م وأقام ثلاثة وعشرين عاماً. وقد قال عن نفسه في بداية عهده بالكتابة (كنت منذ طفولتي أقوم بالتأمل أمام ما يقع تحت نظري أو يواجهني في دروب الحياة ومراحل العمر فأرضخ ذلك لرؤيتي وتقديراتي محاولا أن يكون لي رأي متأثراً في دواخلي الى درجة ان بعض التداعيات والمواقف التي واجهتني لا زالت صورها راسخة في أعماقي سلباً أو إيجاباً وتدرجت معي هذه الأحاسيس ما جعلني أعبر عنها بشكل أو بآخر. في العراق التقى بعدد كبير من الأدباء والشعراء المشاهير في ذلك الوقت فتأثر بهم وتشكل اتجاهه الشعري المستقل بعد أن استوى عوده في الشعر والثقافة حتى أصبحنا نرى في شعره امتزاج القديم مع الحديث والرومانسي بالكلاسيكي بطريقة تنم عن شاعرية فذة وقدرة قلما نجدها عند شاعر آخر وهذا ما سوف نحاول في هذه الاطلالة السريعة أن نتتبع ملامحها في شعره. الصورة الشعرية تتنوع الصور الشعرية في شعر الجشي بتلون حياته وأحاسيسه فهي تمثل المعادل الذي يراه الشاعر مناسبا لما تعكسه الحياة ومتغيراتها في نفسه وخياله، وهي تتألف كما يقول عبدالقادر الرباعي (من حدين أساسيين، أحدهما حاضر ماثل أمام الشاعر يريد وصفه، وثانيهما مختزن في الداخل يماثله أو يضاده) ويقول أيضا حول الصورة الشعرية ومراحل تكونها في نفس الشاعر (إن ذات الشاعر تنظر عادة الى الموضوع بود أو بكره وتختزنه بالذاكرة مصحوباً بهذا الاحساس أو ذاك حتى إذا صادفت موقفاً انفعالياً مماثلاً أو مخالفاً قرعت باب الذاكرة لتولد من جديد أو تتشكل في صور موحية، وهكذا يصبح الموضوع الواحد معيناً تتشكل فيه أعداد هائلة من الصور). وأي مفهوم للصورة الشعرية، كما يقول الدكتور جابر عصفور لا يمكن ان يقوم إلا على أساس مكين مفهوم متماسك للخيال الشعري نفسه، فالصورة هي أداة الخيال ووسيلته ومادته التي يمارس بها ومن خلالها فاعليته ونشاطه، وهذا هو التخييل الذي ركز عليه الفلاسفة في حديثهم عن الوهم وهو مادة الخيال، فكلما اتسعت دائرة الخيال أصبحت الصورة أقرب الى الوهم غير المتوقع فيكون تأثيرها على المتلقي أكبر وأقوى لأن الشعر يكون حينئذ يكون أعذب لأنه حقق المعيار الذي طالما ردده النقاد في مقولتهم الشهيرة (أعذب الشعر أكذبه). يمكننا أن نقسم الصورة في شعر الجشي إلى صورتين بشكل مبدئي: الأولى: الصورة الكلاسيكية، وأقصد بها الصورة التراثية المستقاة من قراءاته التراثية. الثانية: الصورة الرومانسية، وأقصد بها الصورة الحديثة المستقاة من قراءاته الحديثة. وهاتان الصورتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا بالمرحلة العمرية التي أنتجت فيها فمن تتبعنا لقصائد الشاعر رأينا الصورة الأولى تتجلى أكثر في مرحلة الشباب وهي المرحلة التي ما زالت القراءات التراثية تتحكم في ثقافة الشاعر فتنعكس في لغته وصوره وأخيلته. أما في مراحله المتأخرة فينعتق الشاعر بشكل واضح من سطوة اللغة التراثية والصورة التراثية، وتنزاح هذه تاركة مكانها للغة رومانسية شفافة، وسأورد أمثلة على هاتين اللغتين من ديوان واحد فقط لضيق الوقت هو ديوانه (الحب للأرض والإنسان) الصادر عام 1419 وقد آثرت هذا الديوان دون غيره من دواوينه الكثيرة لأنني وجدت فيه ما يخدم موضوع هذه الوقفة القصيرة من حيث تواريخ القصائد. وقد أشار الشاعر في مقدمة هذا الديوان إلى ان قصائد هذه المجموعة نظمت في فترات متباعدة وهي لذلك لا تخلو من التباين في الأفكار بسبب الظروف المختلفة التي مررت بها. لن أقف في هذه الإضاءة عند عناوين القصائد ودلالاتها الكلاسيكية أو الرومانسية فالعنوان في القصيدة العربية اتجاه محدث عرفته القصيدة العربية في العصر الحديث ولكن سوف أدخل إلى مضمون القصيدة متتبعا ما فيها من صور ومفردات حملت تلك الصور تسربت إليها من أجواء القصيدة العربية القديمة. قصيدة (الربيع) نقف عند قصيدة بعنوان (الربيع) وهي قصيدة يحتفي فيها الشاعر بقدوم الربيع وتجليه مشرقا على الأرض وتأثير ذلك على النفس والقارئ المطلع لابد ان يستحضر عند قراءة تلك القصيدة، قصائد شعراء الطبيعة في الشعر العربي أمثال الصنوبري وصفي الدين الحلي، لنقرأ قوله: هذا الربيع أتى فاستحل فتنته فإنما هو آمال وأوطار فباكر الروضة المئناف منتشقا فالروضة البكر أنسام وأعطار أضفى الربيع عليها من مفاتنه سحرا وغنت بها للروض أطيار فهذه صورة متكاملة عن الربيع وفتنته وكأنما الروضة الجميلة التي زينها الربيع وأضفى عليها فتنته فتاة بكر تعيق ثناياها بالعطور، وتفيض فتنتها بالوعود والآمال. وهي صورة ألفناها في قصائد الوصف في الشعر العربي وبخاصة حين نجد الشاعر يصف روضة أنفا ويشبهها بالمرأة البكر التي لم يطأها أحد من قبل، ولهذا نجد موفق الدين الإربلي يلتقط هذا المعنى ويمزج بين الروضة والمرأة في صورة جميلة قائلاً: كنت مشغوفا بكم إذ كنتم شجرا لا يبلغ الطير ذراها لا يراني الله أرعى روضة سهلة الأكناف من شاء رعاها قصيدة لؤلؤة الخليج: وفي قصيدته (لؤلؤة الخليج) التي نظمها حين زار البحرين عام 1948 وكان في عقده الثالث آنذاك نجد الشاعر يطل على قارئه من نافذة تراثية مبدعة في لغته وتراكيبه وصوره، ومما يميز الصور الشعرية في هذه القصيدة ويجعلها صورا تستجيب لثقافة الشاعر التراثية اعتمادها على التشبيه والمجازات الاستعارية التي اختزنتها ذاكرته من قراءاته التراثية الواسعة. لننظر إلى قوله من هذه القصيدة التي اعتبرها بشارة بشاعر قادم بقوة: أنت الجنان أم الربيع الباكر أم طاف فيك من الطبيعة ساحر فكأنما هو في سمائك ديمة وطفاء يرفدها الخضم الهادر وهب الحياة ثراك فهي جنائن وكسا الجمال رباك فهي مناظر وتأشبت فإذا السباخ خمائل وتفتحت فإذا الرمال أزاهر وتفجرت فإذا الصخور جداول وتضاحكت فإذا الخرير مزاهر وتطاولت فإذا النخيل عرائس وتخطرت فإذا الغصون غدائر وتزينت فإذا الثمار قلائد وتأرجت فإذا الرياض مجامر وتتقدم الخلفية التراثية في هذه القصيدة فنراها تلوح في قوله واصفا أبناء البحرين الذين اشتهروا بريادة البحر وتجارة اللؤلؤ والتوابل: أبناؤك الأبرار كل مغامر في المجد لا وكل ولا متقاصر نشروا الشراع على السفين وأبحروا يطوون لجا ما لهن أواخر بجر الحقائب بالتوابل والحلى مسك كأنفاس الصبا وجواهر وفي البيت الأخير نجد الشاعر يستحضر بيت النابغة الجعدي المشهور الذي يقول: يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ويرجعن من دارين بحر الحقائب والشاعر يلتقط هذا البيت فيجعله أبياتا في قصيدته فاتحا خارطة الشاعر القديم المغلقة على دارين موسعا مداها ليجعلها تشمل المنطقة كلها. وفي مقابل هذه الصور التراثية نجد الصورة الرومانسية التي تشبع بها خيال الشاعر من قراءاته الحديثة وبخاصة قراءاته لشعر الجيل الرومانسي المتمثل بانتاج جماعة أبللو وشعراء المهجر الشمالي. وفي هذه الصورة تتسع دائرة المجازات في لغته فنرى العلاقة بين الأشياء تكتسب مظهرا آخر لم تعهده اللغة التراثية، ويبدو ذلك جليا في عناوين القصائد، وشفافية الكلمة ونقاء الصورة وهذه المظاهر الرومانسية نجدها جلية واضحة في انتاجه الشعري في الفترة التي سيطر فيها المد السيابي والملائكي وهي فترة الخمسينات الميلادية فقد كانت تلك الفترة تموج بتيار الرومانسية الجديدة التي أعقبت خفوت صوت شعراء أبلو والمهجر. فقد صعدت موجة التحديث الجديدة للقصيدة العربية برياح عراقية طغى فيها صوت قصيدة التفعيلة أو ما كان يسمى آنذاك بقصيدة الشعر الحر، ولكن شاعرنا ظل متمسكا بشكل القصيدة العامودي الذي حافظ عليه الرعيل الأول من شعراء الرومانسية العربية لهذا فإننا نرى في هذه الفترة التمازج في قصائد شاعرنا بين الكلاسيكية شكلا والرومانسية موضوعا اوعلى الرغم من قربه الشديد إلى مصادر تلك التيارات في العراق في تلك الفترة واندماجه في مجتمعاتها واجتماعتها إلا أننا لا نجد في إنتاجه قصيدة واحدة تدل على انسجامه مع الشكل الجديد للقصيدة العربية وسوف نقف مع بعض القصائد في ديوانه الذي حددنا لوقفتنا هذه وهو (الحب للأرض والإنسان) لنرى إلى أي مدى كان تأثره بالاتجاه الرومانسي وتغلغل هذا التأثر في صوره الشعرية. سوف نقف قليلا عند قصيدة بعنوان (مرارة الاخفاق) وهذا العنوان بحد ذاته ذو ايحاءات رومانسية فكل كلمة فيه احتفل بها الرومانسيون في قصائدهم حين عاشوا المرارة في حياتهم التي لا تخلوا من حلاوة كما عاشوا الاخفاق إحساسا على الرغم من نجاحهم في الحب والحياة وتغنوا بذلك مستمتعين بآلامهم وأحزانهم وتشاؤمهم ولنقرأ جزءا من هذه القصيدة لندرك عمق الأثر الرومانسي في كلمة الشاعر وصورته: أسكب الحب في أزاهير قلبي غير أني أحس بالاختناق وأذر الحنان في نظراتي فتؤج النيران في أحداقي كلما صفق الهوى بجناحي خلت أني كسبت رهن السباق كالطيور المهاجرات أريح الطرف في غفوة من الاشتياق فإذا ما انجلت سحائب أحلامي وغاص الضياء في آماقي لم أشاهد سوى فراغ الأماني وحطام الحرمان في أعماقي نرى هنا الصور الرومانسية جلية في (أزاهير القلب، الإحساس بالاختناق، الطيور المهاجرة، سحائب الأحلام، فراغ الأماني وحطام الحرمان في الأعماق)، وهذه الصورة الرومانسية اعتدنا على رؤيتها في قصائد الرومانسيين الذين عاشوا متغنين بآلامهم، متجاهلين جمال الحياة حولهم، بسبب التشاؤم الشديد الذي يعتبر جزءا مهما في تشكيل الصوت الرومانسي. وقصيدة أخرى بعنوان (هروب) يكرر فيها الشاعر ذلك الصوت الرومانسي المتشائم من الحياة والأحياء ويتغنى بآلامه بصور رومانسية تعكس مدى تأثره بالمدرسة الرومانسية لو نقرأ قوله: أعيش وفي نفسي مشاعر ميت وكل حياة تنتهي بممات فإني ميت كفنوه بشعره فلن تسمعوا منه صدى الزفرات إذا عاش غيري في قصائد حبه فمالي من شعر سوى الحسرات أضعت حياتي إذ أضعت شبيبتي وعدت غريب الأهل والصبوات دعوني دعوني سادرا في متاهتي لأروي خيالاتي بحلم سباتي فما لي مرام في الحياة أطاله إذا كان للأحياء من رغبات ولولا الاطالة وتجاوز الوقت المحدد لأتينا بالكثير من هذا المعجم الرومانسي وتتبعنا شجرة نسبه في قصائد الرومانسيين الأوائل. وبعيدا عن التصنيف الكلاسيكي أو الرومانسي فإننا نجد الشاعر عبدالله الجشي في قصائد الحنين إلى الأرض والوطن أكثر مما نجده في أي مجال آخر، وصورة الوطن عنده هي صورة الأم الرؤوم التي لابد من العودة إليها مهما طال الزمان وقراءة الوطن في شعره تحتاج منا إلى وقفة متأنية لا يتحملها وقت هذه الندوة القصيرة، وقد أردت بما قدمته هنا في هذه الليلة أن يكون مقدمة لدراسة أعمق تتناول أهم الهموم الشعرية لدى الشاعر وهو الوطن وابن الوطن كما أسلفنا. السيرة تحدث الدكتور مبارك بن راشد الخالدي عن الجوانب الاجتماعية والتاريخية لشخصية المحتفى به وذلك من خلال ورقته (الشاعر.. المؤرخ.. الناشط الاجتماعي الرائد ) وقال في اليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية من عام ألف وثلاثمائة وستة وأربعين هجرية، الموافق لعام ألف وتسعمائة وستة وعشرين ميلادية، ولد الطفل الذي سمي عبد الله، الذي كبر وكبر ليصبح الشاعر والمؤرخ الذي يحتفى به هذا المساء الجميل من الدورة العشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة - الجنادرية. ولد عبد الله لوالدين أخلص كل منهما للآخر وعاشا حياة سعيدة على الرغم من مكابدتهما معاناة فقد الأبناء، فعبد الله الجشي هو الابن الوحيد لأبويه الذي كتبت له الحياة من بين عشرة أبناء. وشاء الله أن يشابه عبد الله أمه وأباه في ذلك، إذ ليس له سوى شقيقة واحدة، يمكن القول إنه اجتمع في شخصها كل أشقائه وشقيقاته، مثلما اجتمع في شخصه، في نظر أبويه، كل الأبناء الذين غيبتهم الأجداث. ومن قدره أن يكون التعدد علامة مميزة لذاته وحياته سواء في تمثل أشقائه التسعة في شخصه، أو في تعدد الأمكنة التي ساهم كل منها في تشكيل شخصيته ووعيه وثقافته فهو عبد الله الجشي، القطيفي، النجفي، البغدادي، الرياضي، نسبة إلى الرياض التي استقبلته ذات عقد من الزمان موظفا منتدبا في وزارة العمل، أو في تعدد اشتغالاته واهتماماته فهو عبد الله الشاعر والمؤرخ والناشط الاجتماعي، ويتأكد التعدد في حياته عبر تعدد الأمكنة التي تعيش فيها فروع أسرته الكبيرة وعلاقات القربى التي تربطه بعدة أسر، فقد ولد عبد الله ابن الشيخ علي بن حسن الجشي في أسرة ممتدة توزعت فروعها على رقعة جغرافية كبيرة من القطيف إلى البحرين، إلى الأحواز، إلى العراق. وتوازى هذا الانتشار الواسع لأسرته مع شبكة علاقة القربى العريضة من جهة أمه العراقية ملكة بنت الشيخ علي الحكاك يرحمها الله ذات الأصول البحرانية المرتبطة بسبع أسر عراقية. الإنسان .. الأرض وأشار الأستاذ ميثم منصور الخنيزي إلى ارتباط الشاعر بالأرض وذلك من خلال ورقته التي ألقاها وقال: يبدو أن حياة الجشي مرت بأجواء مختلفة من الظروف فعاش ألم الزمن وقساوة الحياة ومرارة الغربة، وربما عاش تجربة الحب بواقعية في العراق أو غيرها، وهذا ما نجده في بعض قصائده وإن كان أغلب غزله يشعر بأنه محض خيال عاشه الشاعر يريد بذلك إفراغ عواطفه في جو الغزل، وهو الذي ساعد على رقي الحركة الشعرية الرومانسية في المملكة بنحو لافت لما حمله من ذكاء وفطنة، وربما كان ينحو إلى شيء من الرمزية في ذلك، فلا ينبغي الريب في أنه بلغ مستوى عاليا لم يجعله شاعر مناسبات فحسب بل هو شاعر غرامي امتاز بغزارة العاطفة فتراها تنساب منه لتفيض. وغالبا ما نراه يجمح عواطفه ويقف دون أن يدعها تصل إلى غايتها، ويكشف عنه غزله المتعفف الذي فاق حدا يستطيع الناقد وصفه، ولكني مع ذلك أتلمس منه الالتزام وعدم التمرد على قيوده ومبادئه الخاصة، وكل شاعر له منهجه وطريقته في رسم صورة غزله وعاطفته. كما ألقى الأستاذ محمد رضا الشماسي ورقة بعنوان (خرِّيت الصناعتين الأستاذ عبد الله الجشي) : أستاذنا الكبير عبد الله الشيخ علي الجشي، الذي أنشأته القطيف، وأدبته النجف، وأبرزته المنابر؛ يقف اليوم على سواء الهرم في أدب الخليج العربي، بله أدب المملكة والجزيرة العربية. بل هو في الأدب العربي أديب له مقامه، وشاعر له شأنه. دخل عالم الأدب بنتاج خصب، وفكر حصيف، وثقافة واسعة، برزت فيما كتب ونظم وألف ونشر. عرفه الأدباء العرب من خلال الصحافة مثل مجلتي الغري والبيان العراقيتين، والبيان الكويتية، وصوت البحرين البحرانية، ومجلات الألواح والأديب والعرفان اللبنانية، ومجلة العرب السعودية، ومجلة دارين للنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، وغيرها من المجلات والصحف المحلية والخارجية. عرفه الأدباء العرب من خلال مهرجانات المربد بالبصرة، ومهرجان الرواد العرب بالقاهرة، الذي أقامته جامعة الدول العربية عام 2001م، ومهرجان أثينا لنصرة فلسطين. عرفه الأدباء من خلال الندوات الفكرية التي كان يرتادها في العراق والسعودية. عرفه الأدباء العرب من خلال الدروع والشهادات التقديرية التي منحه إياها مهرجان الرواد العرب بالقاهرة، ودخل اسمه مادة أدبية في نحو 60 مصدرا من كتب ومجلات وصحف ومعاجم إعلامية. (الحب للأرض والإنسان) أول ديوان يصدر للأستاذ أبي قطيف. يشتمل الديوان على اثنتين وستين قصيدة، تختلف في حجمها، كما تختلف - بطبيعة الحال - أغراضها، وإن كانت تنتظم في أكثرها بالشعور الوجداني؛ فهي تعبير عن وجدانيات الشاعر حول قضايا الحياة المختلفة التي تتناثر في الديوان مثل (طريق العبور) ، (مرارة الإخفاق) ، (بين اليمامتين) ، (حياة التلمذة) ، (ذكريات الحب) ، (مأساة شاعر) ، (شبابي الضائع) ، و (فاتك السرب) ، وغير هذه من قصائد الديوان. يظهر الشاعر في ديوانه شاعرا واقعيا؛ ينأى بشعره عن التجريد، ويبتعد به عن ضبابية الغموض على الرغم من ميله إلى الرمز أحيانا. المداخلات - تساءل الدكتور محمد آل زلفة عن تأخر طباعة ديوان المحتفى به (الحب للأرض والإنسان) إلى عام 1419ه. - اقترح الدكتور حسن صفر على النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أن يقوم بإصدار معجم لشعراء مدينة القطيف. - الأستاذ عبد الرحمن العبيد رئيس النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أشار إلى أن معرفته بالشاعر عبد الله الجشي تعود إلى سنوات كثيرة، وقال: إنه يتميز بسعة الأفق وتطلعاته الواسعة، وتعد كتاباته من المراجع في تاريخ الخليج العربي.