تشكل القطيف ملمحا من ملامح المشهد الشعري السعودي على نحو واضح. ومنذ فجر تاريخ الشعر العربي كان للقطيف حضورها الذي سجلته مصادر التراث الشعري العربي. وهو ما يشير الى ان الواقع الثقافي اليوم وبصورته الشعرية ما هو الا امتداد لتاريخ عميق في التعاطي مع الشعر والثقافة والكلمة الساحرة.. وفي هذا التقرير يقدم الاستاذ محمد الشماسي جزءا يسيرا من صورة المشهد الشعري في القطيف.. الاسماء القديمة القطيف، الخط، ديلمون، البحرين.. اسماء لمسمى واحد، او تكاد تكون كذلك.. هذه الاسماء كلها تردد ذكرها في التاريخ القديم للمنطقة، وحتى الى عهد متأخر نسبيا هو فترة الحكم العثماني. وفي اواخر هذه الفترة بدأت تلك الاسماء تبرز في معانيها المعروفة اليوم.. فاصبح القطيف والخط اسمين لهذه البلاد، وهجر للاحساء هذا الاسم (الاحساء) اطلقة القرامطة، وديلمون والبحرين اسمان للبحرين الحالية التي كان يطلق عليها قديما اسم (اوال). وبسبب هذا الخلط، او عدم التحديد في الاسماء يجد الباحث صعوبة في تحديد الاعلام ونسبتها الى موطنها الاصلي فقد تكون هناك شخصيات ولدت وعاشت وترعرعت في هذه البلاد (القطيف) وهي معروفة لدى المؤرخين بشخصيات بحرانية (بحرينية) او هجرية. مرت على هذه البلاد - وهي جزء من البحرين كما كانت تعرف قديما -امم وحضارات عاشت فيها مثل الاشوريين والفينيقيين وغيرهم من امم ما قبل التاريخ وبعده. دخلت القطيف في الاسلام في العام السادس للهجرة بعد ان تعاقبت عليها مختلف الديانات، وكان سكانها وقتئد بنو عبدالقيس الذين تقبلوا الدين الاسلامي دون ضربة سيف، او طعنة رمح، بغير اكراه او هيمنة من خوف. اما تاريخ القطيف الادبي، فانه يصعب كما تقدم فصل القطيف عن سواها من جاراتها القديمة (الاحساءوالبحرين) في كل موضوع يطرحه الباحث فالتاريخ الثقافي يشير الى وجود الاسواق الادبية في هذه المنطقة مثل: سوف الجرعاء، وسوق هجر وسوق المشقر وسوق الزارة وسوق دارين. واذا حامت الشكوك حول نسبة الاسواق الثلاثة (الجرعاء وهجر والمشقر) الى منطقة القطيف فان سوقي الزارة ودارين سوقان قطيفيان. فدارين مدينة لا يجهلها الجميع اما الزارة فقد كانت مدينة وعاصمة بني عبدالقيس، وموقعها في مدينة العوامية وهي موجودة اليوم وان لم تكن بارزة المعالم. وجود هذه الاسواق الادبية او الشعرية دليل على وجود الشعر فقد حفل التاريخ الادبي لهذه المنطقة بعدد من الشعراء في عصورها المتتابعة وان كان تاريخ القطيف مرتبطا كما اسلفت بتاريخ الاحساءوالبحرين. لذلك يصعب تحديد او تعيين شعراء القطيف عن شعراء جارتيها الاحساءوالبحرين، اذ لم يتهيأ لاحد من المؤرخين في عصورها المتقدمة ان يرسم الحدود الجغرافية لكل منطقة من المناطق الثلاث (القطيفوالاحساء واوال) فلم يكن امامنا من حد او وصف لشخصية قطيفية الا لفظ (القطيفي) وربما لفط (الخطي) لا يخلو من المرونة فلا يمكن الاطمئنان اليه عند التدقيق. القطان القطيفي وحسب المصادر التي بين ايدينا او التي بين يدي انا شخصيا فان اقدم شاعر قطيفي بهذا التحديد احمد بن منصور القطان القطيفي المتوفى سنة 480ه، من شعراء العصر العباسي وبعده العصر العباسي نفسه وباسم القطيفي تحديدا الشاعر مهذب الدين القطيفي، المعروف بقتيل الريم، توفي سنة 546ه. في العصر العباسي ومع بداية القرن الخامس كما يشير بعض الباحثين بدأت تستبين الخطوط بوضوح في نسبة كل شاعر الى مسقط رأسه بحيث يكون بعيدا عن الشك في نسبته الى مدينة معينة بحكم انتسابه اليها. ابو البحر الخطي ولعل ابرز شاعر عرفته القطيف في تاريخها ابو البحر الشيخ جعفر الخطي المتوفى سنة 1028ه. قفزة تاريخية طويلة من القرن السادس الهجري الذي ظهر فيه القطان ومهذب الدين وحتى القرن العاشر الذي ظهر فيه ابو البحر فترة اربعة قرون طوي فيها كثير من الشعراء دون ان يقف فيها الباحثون على ملامح لهم او نتاج شعري. للشاعر الخطي ديوان مطبوع في عام 1373ه وقد حققه وشرحه الاستاذ الشاعر عدنان العوامي وهو معد للطباعة. حفل القرن الحادي عشر وما بعده بعدد من الشعراء مثل عبدالحسين ابو ذيب ويوسف ابو ذيب وحسن بن مجلي والشيخ حسن التاروتي والسيد محمد الفلفل والشيخ عبدالله الذهبة. وفي هذا النسق من الشعراء المجيدين يأتي الشاعر الزعيم السياسي في وقته احمد بن مهدي بن نصر الله ابو السعود الذي توفي في مطلع القرن الرابع عشر 1306وله ديون ضخم مخطوط وكذلك يأتي الشيخ جعفر ابو المكارم الذي توفي في عام 1342ه. الادب المعاصر والباحث في الادب المعاصر لا يجد عادة عنتا في البحث بقدر ما يجد في أدب الماضين وذلك لتوافر المصادر بين يديه ويسهل البحث كثيرا اذا كانت الشخصيات المتناولة بالدراسة موجودة بين الباحث. والشعراء في القطيف كثيرون والشعر لديهم كثير وان كان مازال الكثير من هذا الشعر مطويا لدى اصحابه على الرغم من وجود اسباب الخير ووفرة الوسائل المساعدة في تقنية الطباعة والنشر مثل العلامة الشيخ عبدالحميد الخطي والمرحوم محمد سعيد الجشي. اسباب دينية واجتماعية وثقافية ادت الى ازدهار الشعر في القطيف مثل الاحتفالات الدينية والمجالس الادبية في بيوت العلماء والادباء والمثقفين فهذه المجالس الادبية المنزلية تشبه الي حد بعيد الصالونات الادبية المعروفة في البلاد العربية مثل صالون العقاد ومي زيادة في مصر. ويدور في تلك المجالس الحديث عن الشعر والادب واللغة كما تدور مسائل الفقه والتاريخ وغير ذلك مما يتعلق بطرف من تلك الموضوعات. شعراء الجيل الاول يلتقي شعرنا المعاصر مع سالفه في سماته التقليدية من حيث الشكل والمضمون ينتظم في عمومه تحت مدرستين كلاسيكية رومانسية وابرز من يمثل المدرسة الكلاسيكية المغفور لهم الشيخ علي الجشي والشيخ فرج العمران في ديوانه (الروض الانيق في الشعر الرقيق) وملا علي الرمضان في ديوانه (وحي الشعور) كما يمثل هذه المدرسة ايضا احمد الكوفي والشيخ سعيد ابو المكارم ومحمد علي الناصر. اما المدرسة الرومانسية وهي في افقها الخيالي فقد اخذت من الكلاسيكية بناءها الشكلي فجاءت مدرسة رومانسية كلاسيكية وابرز من يمثل هذه المدرسة العلامة الشيخ عبدالحميد الخطي كما في قوله: أرهفوا السمع وانصتوا يا رفاقي لاساطير شاعر خلاق رب يوم قبل العصافير في الغاب وقبل الشموس في الآفاق في سكون الدجى في هدأة الليل وفي غفوة الشذا العباق جئت اسعى لمشهد الجوهر الفرد وسر المكون الخلاق وينضوي تحت هذه المدرسة جل شعرائنا من الجيل الاول مثل عبدالله الجشي ومحمد سيد الخنيزي وعبدالواحد الخنيزي ومحمد سعيد المسلم وعباس خزام. ومن الجيل الثاني يأتي عدنان العوامي ومحمد سعيد البريكي وحسن ابو الرحى وحسن السبع والدكتور احمد المعتوق وعبدالوهاب حسن المجمر. ومن الجيل الثالث وهو جيل الشباب يأتي محمد توفيق وعبدالكريم الزرع وشفيق العباد وحسين الجامع ومحمد الماجد ومحمد امين ابو المكارم وحسن يوسف وعلي الفرج وعدنان ابو المكارم وخالد عبدالله محيميد وعلي جعفر ال ابراهيم ومحمد جعفر ال ابراهيم والسيد سعيد العوامي جل هذا الجيل الثالث عرفوا وبرزوا امام المنبر الاجتماعي الذي يشغل حيزا كبيرا في نتاج الشعر القطيفي بعضهم صدر له ديوان مثل علي جعفر ال ابراهيم اذ اصدرقبل نحو عام ديوانه (مع الورد والقمر). ومن الجيل الثاني صدر (شاطئ اليباب) لعدنا العوامي و(ربيع الامل) لمحمد سعيد البريكي و(زيتها وسهر القناديل) لحسن السبع و(بقايا الرماد) لعبدالوهاب حسن المجمر. ومن الجيل الاول صدر للاستاذ عبدالله الجشي ديوان (الحب للارض والانسان) ورباعيات (قطرات ضوء) وللمرحوم عبدالواحد الخنيزي صدر له ديوان (رسمت قلبي) وللمرحوم محمد سعيد المسلم صدر له ديوان (شفق الاحلام) في عام 1955 وديوان (عندما تشرق الشمس) في عام 1409ه والاستاذ عباس خزام صدر له ديوان (اشواك وورود) واغزر هؤلاء انتاجا في الشعر هو الاستاذ محمد سعيد الخنيزي فقد صدرت له خمسة دواوين هي: (النغم الجريح)، (شيء اسمه الحب)، (شمس بلا افق)، (مدينة الدراري)، (كانوا على الدرب) ومازال الاستاذ الخنيزي يزود دور النشر بشعره وكذلك بنثره فهو يعد سيرته الذاتية في كتاب (خيوط من الشمس). الجيل الجديد هذا العدد من الشعراء جزء من كل وخصوصا في الجيل الثالث وهو جيل الشباب وان كانوا يتفاوتون في مواهبهم ونتاجهم فبعض هذا النتاج لا يخلو من الابداع والصور الجمالية وبعض منهم يحتاج الى المعاناة في النظم وقراءة الشعر قديمه وحديثه. نماذج نماذج من شعر هؤلاء يقول الاستاذ عبدالله الجشي في قصيدة (دارين المسك): نثرت اكاليلي وفتقت نسريني وقبلت من اثارها كل مكنون كما عانق الريحان طاقة ليمون على الف نبع ثائر كالبراكين وبحر من (البترول) في الصخرمدفون ومجلي اللآلئ والينابيع والتين وبحر بلادي عطره مسك دارين ويقول المرحوم الاستاذ عبدالواحد الخنيزي: لبنان يا مسرح الولدان والحور رضعت حبك في كأس من النور وغفوة الحب في اجفان مسحور لبنان يقطة احلام مجنحة يغفو على قبلة سكرى واغنية يستفيق على نجوى الشحارير ويقول المرحوم عبدالوهاب حسن المهدي في قصيدة (شاطئ الذكريات): وتاهت كما يتيه الخيال كم عليه يا صاحبي طافت الذكرى سكرى يختال فيها الجمال وتهادت عرائس الشعر في مغناه بساط عليه تحبو الظلال فكأن الرمال حول مجاليه دارجا في رحابه يختال وكأن النسيم يبدو ملاكا في ظل هذا التاريخ الحافل بالعطاء ازدهر العلم وتعددت سبل المعرفة وتنوعت الثقافات وانتعش الادب فبرز الكثير من الشعراء في جميع انحاء المملكة، وانتشرت النوادي الادبية في بلادنا فكانت مواطن الابداع ومحال اظهار المواهب. فنشط الشعر لونا ابداعيا على موائد الادب وتحت اقلام الشباب.