تستضيف المملكة هذه الأيام فعاليات المؤتمر العالمي عن الإرهاب بمشاركة دول عربية وإسلامية وصديقة، ويكتسب هذا المؤتمر أهميته من موضوعه والدولة المستضيفة له، فالمملكة صاحبة الثقل العربي والإسلامي والدولي في السياسة العالمية هي صاحبة المبادرة والدولة المستضيفة، وهو ما يجعل الكثيرين يترقبون نتائجه وتوصياته، وأما موضوعه فإنه يتناول قضية الإرهاب وآثاره على الدول والمجتمعات، وهي القضية التي شغلت الرأي العام العالمي في وقتنا الحاضر. إن أهم ما يتطلع إليه الكثير من الساسة والباحثون والمتخصصون في موضوع المؤتمر هو بذل الجهد في تحرير مفهوم (الإرهاب) والسعي إلى إجماع حول هذا المفهوم، تستفيد منه الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بقضايا الإرهاب، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر نلاحظ أن مصطلح الإرهاب بات يستخدم بشكل متلون أحياناً، ومبالغ فيه أحياناً كثيرة، وبخاصة من قبل الساسة ووسال الإعلام في العالم الغربي. فلقد شهد العالم كله أحداثاً إرهابية كبيرة في الشرق الأوسط، وفي الشرق الأدنى، وفي أوروبا، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وكانت هناك - ولا تزال - منظمات إرهابية في العالم كله عانت من نشاطاتها الدول والشعوب. لكن مفهوم الإرهاب الذي روجت له الولاياتالمتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بات هو المفهوم السائد الذي تتعامل به مع الأحداث وفق منظورها الشخصي المبني على مصالحها في العالم، ولم يعد العالم يفرق بين حركات النضال الشعبي والتحرير، والعمليات الإرهابية، أو حتى بين الأعمال الإرهابية ونشاط المقاومة والدفاع عن النفس والأرض. ووفقا للقانون الدولي، فإنه لا يوجد اتفاق على تعريف الإرهاب، وقد كانت هناك محاولات علمية متكررة لتعريفه وخاصة من الأممالمتحدة، لكنها لم تخلص إلى تعريف متفق عليه، وإنما شرعت مجموعة من التدابير لمنع الإرهاب والحيلولة دون وقوعه، وعقدت في ذلك عدداً من المعاهدات لتفعيل مثل هذه التشريعات. هذا الإخفاق الدولي أدى إلى عدم ظهور تعريفات محددة ومتفق عليها للإرهاب، وهو ما أخضعه إلى اجتهادات الساسة وتطويعهم إياه تبعا لأهوائهم ومصالحهم، وبالتالي إلى تفسيرات متعددة تخدم هذه الأهواء وتلك المصالح. وما نشاهده اليوم من تعسف في تفسير المصطلح، وتطبيقه بشكل يتناقض مع الواقع، وبخاصة في فلسطين والعراق وافغانستان، هو إحدى القراءات الخاطئة لمفهوم الإرهاب، ومحاولة إقناع الرأي العام العالمي بمثل هذا التفسير الخاطىء حتى ولو كانت شواهد الواقع تتعارض معه. لقد اطلعت على وثائق الأممالمتحدة، وعدد كبير من الدراسات العلمية التي بحثت موضوع الإرهاب والتعريفات والمفاهيم الكثيرة التي افرزتها تلك الجهود السياسية والعلمية، ولم أعثر على تعريف محدد مجمع عليه دولياً، ولذلك فإنه من المؤمل أن يخرج المشاركون في هذا المؤتمر العالمي الذي تستضيفه الرياض بمفهوم واضح ومحدد لا يخضع لاجتهادات الساسة أو أهواء صناع القرار الدولي.