لا أظن أنه يوجد اليوم مصطلح يتم تداوله بشكل واسع بنفس زخم وتداول مصطلح (الإرهاب) فهو الأكثر رواجاً في وسائل الإعلام ، وهو الذي أقض مضاجع دول وروع آمنين وأثار الرعب في أرجاء العالم في سلسلة أحداث في الشرق والغرب ، كما أن مفردة (الإرهاب) باتت الكلمة السحرية التي ينطلق من تحت عباءتها كثير من قوانين وجرائم ما يسمى مكافحة الإرهاب وانتهاك سيادة الآخرين ونهب خيراتهم . ومع هذا التداول الكبير والخطورة التي يشكلها مصطلح الإرهاب فإن الجهود العالمية لتعريفه لم تتقدم نحو تعريف واضح ومحدد للارهاب ، بل على العكس، شهدت عزوفاً ملحوظاً جعل الإرهاب مصطلحاً عائماً يجوز تلبيسه لكل أحد في الوقت المناسب والمكان المناسب! سنوات طويلة يتم تداول هذا المصطلح بحثاً عن تعريف له فكانت الحصيلة أكثر من مائة تعريف، كلها تعاريف غارقة بالتنظير يختلط فيها معنى الإرهاب الدولي بالمحلى/ الوطني، ثم في النهاية آثر كثير من الباحثين العزوف عن اختراع مزيد من تعاريف الارهاب السحرية، واكتفوا بتوصيف الإرهاب ونشأته وجذوره التي لم تسلم هي الأخرى من كثير من التناقضات والتشعبات . لقد عرّف البعض الارهاب بأنه كل عنف مفاجيء يتجاوز حدود الاجرام العادي ، فيما تجاوز آخرون ذلك بوصف الارهاب بالعنف الذي يقتل الأبرياء /المدنيين ويلحق الأذى بالمنشآت والمرافق العامة ... وبين هذين التعريفين عشرات التعريفات والمؤتمرات التي تتناول الظاهرة بتوسع وتشعب. معوقات تعريف الإرهاب من ابرز ما يعيق وجود تعريف دولي للإرهاب هو الاختلاف والتداخل بين مفهوم المقاومة الشرعية وأعمال الإرهاب التخريبية، ففي حين يرى البعض شرعية لبعض وجوه إرهاب العدو ، ويسمونها (مقاومة مشروعة ) ، يراها آخرون عنفا وإرهابا غير مقبول على الإطلاق ! وبالتالي يحرص أصحاب ( المقاومة ) على تأكيد حقوقهم وإسماع صوتهم للعالم باستمرار مقاومتهم ،فيما يستمر خصومهم بوصفهم الارهابيين الذين لا يؤمنون بحق الآخر في الوجود ولا يكفون عن القتل والتدمير، ولعل القضية الفلسطينية هي أبرز وأوضح مثال على هذا التباين على مستوى تعريف الإرهاب. وسيظل هذا السبب المتأرجح بين شرعية المقاومة من عدمها، من اكبر المعوقات التي يصعب تجاوزها في ظل إصرار كل طرف على رأيه ومحاولة تأصيله. ومن عوائق إيجاد تعريف للإرهاب وجود قوى وأطراف لا ترغب ، أو لا تكترث في أقل الأحوال ، بتعريف الارهاب حيث مصالحها وأجندتها السياسة والاستعمارية تحتم التخلص من قيود تعريف يدينها أكثر مما يخدم مصالحها. مدارس مكافحة الإرهاب ويقصد بهذه المدارس تلك الأشكال من التوجهات والتيارات الدولية لمكافحة الإرهاب والتعاطي معه، حيث تطرح هذه المدارس حلولاً مقترحة للدول التي تعاني الإرهاب، يتم الترويج لهذه المدارس عن طريق كثير من تجارب مكافحة الارهاب ومراكز الدراسات والأبحاث. فالمدرسة البولسية، مثلاً، تتعامل مع الإرهاب على أنه ظاهرة إجرامية بحتة وترى أن القوة والقمع العسكري والأمني هو الحل الوحيد والأنجع لهذه الظاهرة لكونها جريمة مثل بقية الجرائم ، وترى هذه المدرسة أن القوة مقدمة على أي حلول أخرى ، وهذا المنهج كثير ما يروج له في دول العالم الثالث. كما أنه توجد مدرسة تتعامل مع الإرهاب بالنواحي القانونية على أساس أن هذه الجرائم منظمة تديرها عصابات تخالف الأنظمة والقوانين والشرائع. ومدرسة ثالثة متشعبة تحاول الربط بين معطيات الواقع الحالي على المسرح الدولي والإقليمي وأثرها في نشوء الظاهرة الإرهابية وتصاعدها، فالأزمات الدولية مثل الفقر والظلم ونهب خيرات الشعوب قد تولد، بحسب المدرسة،أفكاراً وردود أفعال إرهابية ، لذا يتم توظيف الإعلام والأدوات السياسة في هذه المدرسة للحد من آثار هذه الظواهر الدولية. ومدرسة رابعة ترى في أعمال الإرهاب شكلاً من أشكال محاولة تأكيد الهوية الدينية أو السياسية والاجتماعية ، وحتى العرقية والطائفية فكل يحاول المحافظة على هويته وفرض نفسه بالعنف متى ما رأى الآخرين يهضمون حقوقه. لذا يتم مراعاة حساسية مسألة الهوية ومحاولة الحد منها في اثارة أعمال الإرهاب عن طريق تكرار التأكد على حقوق كل فئة ، ويوجد مدارس أخرى متعددة بعضها يزاوج ويناور بين مجموعة حلول سياسية وأمنية وفكرية واجتماعية. غير أن ما يؤسف له أن مزيداً من توظيف ظاهرة الإرهاب يتم لخدمة أهداف وأجندة سياسية واقتصادية لبعض القوى ومراكز صنع القرار ومنظمات دولية، فيتم تجنيس الإرهاب وتلبيسه دينا بعينه واعتبار كل أهله من فئة الارهابيين ، والإسلام تحديداً يشهد هجمة شرسة من بعض هذه القوى ، وتصور الاسلام على أنه خطر قادم يهددهم. ونحن اليوم نشهد في الرياض انطلاقة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ليس المطلوب منا سعودياً أن نخترع تعريفا جديد للإرهاب نضيفه إلى عشرات التعاريف المحبوسة في جنبات الكتب والدراسات. ولكن يجب أن نؤكد للعالم أن مزيدا من التفهم والحوار ومعرفة الخلفيات والجذور التي تقف وراء ظاهرة الارهاب للجميع وأن التعاون في مواجهة هذا الشر القادم يحتل قمة الأولويات السعودية والعالمية أيضاً.