حين يتيح الإعلام حرية الرأي، فهي لا تعني بحالٍ الانفلات والتحرر من ضوابط السلوك السوي والأخلاق الحميدة والانتصار للرأي وإقصاء الرأي الآخر، بقدر ما يروم مد جسور التواصل مع المتلقي وفتح القنوات أمامه ليسهم بجهده في الإثراء المعرفي بما يحقق هدف الرسالة الإعلامية الملتزمة، وليمحضها نصحه في ابداء رأيه بما يعينها على ذلك حيث يسعى القائمون على أمرها إلى استخلاص الآراء حولها وتفعيلها لتحافظ على صدارتها ومكانتها. ومثل تلك الوسيلة الاعلامية التي يطمح إليها عقلاء القوم تكاد تكون اليوم في خضم الطوفان الاعلامي كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، بفعل جانب تغليب الكم على الكيف والمصلحة الذاتية والمادية على المنفعة العامة، لقاء ضعف الرقابة المسؤولة، مما أذهب ريح ولبّ تلك الوسائل الاعلامية المسموعة والمقروءة والمشاهدة، وذلك حين سهل اختراقها بفعل تخليها عن هدفها المرسوم، فأصبح نتاجها اشبه بحاطب ليل لتفقد مصداقيتها لدى المتلقي، حيث غمز قناة الأمة وتسفيه الأحلام والحط من قدر الثوابت ومقومات الصحوة بسبب تراكمات التبعية الغربية والخواء المعرفي فغدت كلاً على الأمة الإسلامية أينما توجهها لا تأتي بخير. ولم يوقظ احساسها صراخ الثكالى وأنين المستضعفين من الشيوخ والأطفال في فلسطين الذين أخرجوا من ديارهم وهدمت مساكنهم بعد أن قتل أبناؤهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله؛ وذلك بفعل ما يسمى ضربات العدو الاستباقية، والذي جاس خلال الديار، فحري بالإعلام العربي والإسلامي أن يضطلع بدوره ويفعل رسالته بكشف زيف الباطل وإحقاق الحق فهو على ثغر مهم من ثغور الأمة، وليعمل جهده على وحدة الكلمة ورص الصفوف لتفويت الفرصة على العدو المتربص، ولينأَ بنفسه عن المهاترات والإسفاف وتوسيع دائرة الاختلاف بين أفراد المجتمع أو الأمة الإسلامية مع بعضها؛ . حيث يكون الاختراق وتذهب ريح الأمة فتضعف شوكتها وتسقط هيبتها من قلوب أعدائها فتكون لهم لقمة سائغة لا قدر الله، والتاريخ مليء بالشواهد الدالة على ذلك، فهل نعي دروسه جيداً؟ ذلك ما نرجو.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.