بالأمس كنت بصحبة والدي لمراجعة عيادة الأسنان في المستشفى التخصصي في عاصمتنا الرائعة. وعندما دخلنا العيادة ورمى بجسده المنهك- شفاه الله تعالى- وشرع الممرّضون بعملهم، وبدأ الدكتور المبدع في عزف سيمفونيته المعتادة على هاتيك الأسنان التي أنهكتها السنون.. انتابني شعور مفاجئ يتناغم مع آلية عمله المتقنة، وشعرت مع هذا كله أن ما يقوم به هذا الدكتور الطيّب من عمل دءوب وحركة متقنة، مصحوبة بمهارة وحرفية عالية، شعرت معها أنه يقوم بعمل جبّار وحصيلة من رصيد ضخم من الحسنات وجني البركات.. فكم من مريض أعانه، وكم من متألم خفّف عنه معاناته، وكم وكم.. بل هو منذ يفيق من نومه صباح كل يوم ويحمل حقيبته الطبية ويتأبط معطفه (البالطو) الأبيض كبياض الفأل.. الذي يلمحه كل مريض، هو في عمل متواصل من استقبال المراجعين وإجراء ما يحتاجونه طبيّاً، وتقديم المشورة هنا وهناك، حتى تنقضي سحابة يومه وهو يستعرض ملف أحد المرضى ويستقبل مراجعاً ويودع آخر.. حتى أفقت من خيالي هذا بعد أن استغرقتني تلك اللحظة بكل تفاصيلها على صوت الطبيب وهو يمد يده التي تحمل حزمة من الأوراق.. موعد مع الفأل جديد، وصفة طبية للصيدلية، وموعد تحليل وأشعة.. ركبت السيارة بعد ذلك مباشرة وشاهدت قبل ان أتحرك فني تقليم الأشجار والعناية بها فقادني الخيال واستغرقتني تلك اللحظة فقلت في نفسي انه أحد العاملين بصمت فمن ذا الذي يقوم بدوره الهام هذا؟ وكأنما دخلت في مقارنة بينه وبين الدكتور! تحركت متجاهلاً ذلك فلمحت قائد الحافلة الذي يحمل بكل إخلاص وأمانة فلذات أكبادنا وقد عادوا للتو من مناهل العلم والمعرفة. فيا ترى أهو أنفع أم مربو هؤلاء الأطفال؟ أم القاضي؟ أم المهندس؟ أم رجل الأمن؟ أم رجل الإعلام؟ أم العامل؟ أم البائع؟.. كلّكم راع، وكلٌّ ميسّر لما خُلق له، والله الذي استخلفنا في الأرض أمرنا بالسعي في مناكبها والعمل الجاد في عمارتها، وكلٌّ على ثغر، فلا ذاك أنفع من الآخر ولا الآخر أنفع من غيره، ففي كلٍّ خير، والجميع في حاجة الجميع. إنها منظومة الحياة المتعاقبة التي يتطلع فيها كل مخلص لأن يكون لبنة صالحة في بناء هذه الأمة. إننا جميعاً شركاء في هذا الحراك التنموي الذي لا يعرف طريقاً للتواني والكسل. فتحية إكبار لكل عامل بإخلاص لسؤدد هذا الوطن- دام آمناً.