منبر الجمعة كان، ولا يزال، وسيظل المدرسة الأولى التي يتلقى روادها الخير من مصدره فيزدادون تبصراً بالحياة وتذكراً لدينهم,, وعلى الرغم من اكتظاظ المساجد بالمصلين في هذا اليوم المبارك، الا ان الكثير من الخطب لا تلقى الاهتمام الكافي، حيث يتسم بعضها بالرتابة، وعدم الموضوعية والمعايشة لواقع المستمعين وثقافتهم، كما تظهر بعضها وكأن الخطيب، لم يقم بالاستعداد او التحضير الجيد لها. الجزيرة طرحت هذه القضية على عدد من أصحاب الفضيلة في محاولة لإيجاد السبل الكفيلة باعادة الحياة الى منبر الجمعة، حتى يؤدي دوره في المجتمع من خلال تفاعل الخطيب مع القضايا المحيطة به. الإعداد الجيد للخطبة في البداية تحدث سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس ادارة البحوث العلمية والافتاء قائلاً: لاشك ان خطب الجمعة مهمة، وانها توجيه وارشاد وان الخطيب عليه ان يهتم بموضوعه ويعده الإعداد المناسب، ويستعد لذلك ويتحسس مشكلات المجتمع وينظر الى مشكلة او قضية يعيشها الناس ليعالجها على ضوء من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ويحرص على ذلك ويهتم بموضوعه ويعتني به الاعتناء المطلوب حتى يكون إلقاؤه جيداً وعرضه جيداً,, وأما التساهل وعدم الاهتمام يؤدي الى عدم تأثير الخطبة وعدم الاستفادة من موضوعها. واكد سماحته بأنه لابد من تحديد الموضوع، ولابد من اعداد هذا الموضوع اعداداً جيداً بالإتيان على كافة جوانبه ولابد ان يكون باسلوب جيد ومناسباً لأحوال المستمعين يصلح ويناسب ذوي العلم والمتوسطين وما دون ذلك ونحو ذلك. وكرر سماحته قائلاً: فلا ينبغي للخطيب ان يكون متساهلاً او كسلاناً ويأتي المنبر وذهنه خال من أي موضوع ولا يهمه سوى ان يتكلم أمام الناس سواء كان الكلام جيداً او ركيكا، لا، لانه اذا فعل ذلك لن يفيد شيئاً، بل عليه ان يهتم بموضوع الخطبة ويعتني به ويحاول ان يكون الالقاء مناسباً لثقافة الحاضرين متفقاً مع ما تستوعبه عقولهم بعيداً عن أمور لا داعي لذكرها او امور لا يعايشها مجتمعنا او يجعل السياسة والتحليل السياسي خطبة المنبر ومعظم الناس لا يحتاجون لهذا بل يجب على الخطيب ان يعتني بعلاج عاداتهم ومعاملاتهم وما يتعلق بشؤون الناس العامة والخاصة، لان الخطيب يستطيع باذن الله ان يؤثر على المجتمع ويبين لهم الخير ويحذرهم من الشر، ويوضح لهم ويذكرهم بفضائل الاسلام ويربطهم بايمانهم ربطاً جيداً. واجاز سماحة المفتي ان ينقل الخطيب من الكتب لإلقاء خطبة الجمعة اذا كان النقل جيداً والناقل يحسن النقل ويعرف كيف يضع الأمور فلا مانع منه,, اما ان ينقل من كتاب قد لا يفهم هذا الكتاب او العبارة التي يتكلم بها ولا يدري عن مراد صاحب هذا الكتاب فيلقي على الناس قولاً لا يفهمه ويفهم الآخرون منه امراً خلاف المشروع فمجرد النقل قد يخطىء فيه ويقع في خطأ. ومضى سماحته في حديثه قائلاً: ان العبادات مثل اركان الصلاة وواجبات الصلاة وغير ذلك مما يحتاج اليه الناس في الخطب فالخطيب يذكرهم دائماً وينوع عليهم فمرة في العبادة ومرة في المعاملة وفي الآداب والأخلاق والسلوك,, فعلى الخطيب ان ينوع موضوعات خطبته حتى يأخذ من كل باب من ابواب العلم أنموذجاً يعرضه على المسلمين لتحقيق الفائدة وتعميمها. الخطيب كالطبيب المتحدث الثاني كان فضيلة رئيس محاكم منطقة تبوك الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد الذي يرى ان المتمعن في فقه صلاة الجمعة يجد ان هذه الصلاة لابد ان يسبقها خطبتان، كما يجد ان فرضية حضورها على المسلم بشروط شرعية محددة في كتب الفقهاء تتجلى له الحكمة العظيمة من خلال هذه الفرضية، فكلما تقدم العصر وضعفت العاطفة الدينية، وكلما اشتدت الهجمة على الاسلام والمسلمين، يجد المتمعن في هذه الفرضية صلاة الجمعة انها من الثوابت التي تحدد الروابط التي تعين المسلم على التمسك بدينه والعودة الى الله عند حصول الإعراض او حتى عند ارتكاب كثير من المخالفات. وقال فضيلته: ولك ان تسأل: لولا ان الله وهو العليم بعباده لم يفرض على المسلمين هذه الصلاة، وحضور خطبتي الجمعة، كيف كان يمكن حصول هذا الاجتماع الاسبوعي؟ فمهما كانت الدوافع ومهما عمل من مغريات تجذب الناس كلها، كانت ستفشل في تكرار هذا اللقاء الإيماني المتجدد، وعلى مدى العصور استطاعت صلاة الجمعة ان تشد المسلمين الى دينهم، وان تحرك فيهم العواطف الإيمانية، ومن هنا لابد ان يستفيد المسلمون من فرضية صلاة الجمعة، وبالذات من خطبتي الجمعة لما لهما من اهمية كبيرة في توعية المسلم وتقوية عاطفته الدينية، وفي معالجة ما يستجد من قضايا لها مساس بحياته الدينية والدنيوية. واضاف الشيخ الحميد قائلاً: ولذلك فان دراسة واقع خطباء الجوامع امر له اهميته، ونأمل من معالي وزير الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عقد ندوة لدراسة واقع الخطباء، والخروج بتوصيات يكون لها الاثر الايجابي على مستقبل الائمة والخطباء، ونحن على ثقة بمشيئة الله تعالى في ان عقد هذه الندوة والخروج بتوصيات محددة، سوف يثمر تحريك بعض الجمود الذي يعيشه بعض الخطباء. وحول ما يجب على الخطيب تجاه المسلمين اثناء خطبة الجمعة يقول فضيلة رئيس محاكم تبوك: ان الخطيب لابد ان يتفاعل مع واقع المسلمين، وان يتطرق لكثير من القضايا التي تبرز في الساحة، ويسلط الضوء عليها بمنظور شرعي بعيداً عن الانفعال والتعجل. ثم قال: وأما المواضيع التي ينبغي العناية بها فأعتقد ان الخطيب كالطبيب، لابد ان يشخص أمراض المجتمع، وحسب الاولوية يرتب خطبته والمهم في ذلك اولاً وآخراً الإعداد الجيد والالقاء المؤثر، فكل ذلك عناصر مهمة لاعادة الحياة لمنبر الجمعة على مستوى العموم، اما اذا اردنا ان نكون دقيقين في التحليل فهناك عدد لا بأس به من خطب آبائنا المنبرية التي تعج بالحياة والحيوية والتأثير، ونفع الله بهم البلاد والعباد,, اسأل الله ان يرزقنا جميعاً الاخلاص في القول والعمل,, انه سميع مجيب. اختيار الخطيب ووضوح المقاصد اما فضيلة وكيل وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد المساعد لشؤون المساجد الشيخ عبدالله بن حمد الشبانة فيؤكد ان خطبة الجمعة في حياة المسلمين تأتي امتداداً لذلك الدور الكبير والهام والمؤثر للمسجد في حياتهم، ومن هنا تتضح الاهمية البالغة لهذا المنبر الدعوي. وقال فضيلته: واذا نظرنا الى الاحكام المتعلقة بالخطبة، وتاريخ الخطبة في حياة المسلمين، وكيف ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد باشرها بنفسه داعياً ومربياً ومعلماً لامته من خلالها، وكذلك فعل خلفاؤه رضوان الله عليهم من بعده اذا نظرنا لكل ذلك ادركنا اهميتها ومكانتها وما يجب ان يكون لها من الاهتمام البالغ والعناية الكاملة فهي وسيلة تعبدية دعوية تربوية لها من المكانة الشيء الكثير في نفس المسلم. وأضاف الشيخ الشبانة قائلاً: ولذا فإن اختيار الخطيب بدءاً، ووضوح الاهداف والمقاصد الشرعية للخطبة امام من يتم اختياره لهذه المسؤولية، وادراكه لأثرها وابعادها ومدلولاتها الدعوية والتربوية والاجتماعية في حياة الامة، وكذلك اختياره لموضوعات خطبته، واسلوبه، وطريقة عرضه لأفكاره، وتفاعله مع قضايا مجتمعه، وحرصه على اخوانه المسلمين، وحبه لهم، ورفقه بهم، وتحقيق القدوة والمثل الصالح في حياتهم، كل هذا من العوامل ذات العلاقة الاكيدة في مدى النجاح في توظيف الخطبة توظيفاً جيداً في حياة الامة وتهيئة الظروف للإفادة من هذه الخاصية في حياة المسلمين. ثم قال فضيلته: ونحن في هذه البلاد التي انتشر فيها ولله الحمد العلم الشرعي الصحيح، وتميزت بالمنهج الدعوي المعتدل نجد ان خطبة الجمعة في كثير من المنابر تؤدي دورها الدعوي والتربوي والاجتماعي بشكل جيد ومؤثر ومنسجم مع المنهج الدعوي المأمول، وذلك تبعاً لوجود أعداد كثيرة من الخطباء المجيدين النابهين المتمكنين من العلم الشرعي الصحيح والمنهج السليم. والمسؤولون في هذه الوزارة وعلى رأسهم معالي الوزير الشيخ/ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ يولون هذا الجانب اهتماماً كبيراً بحيث يتم اختيار الاكفأ والأجدر لهذه المسؤولية ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ بالمتابعة والتقييم والتوجيه يطرد تحسن من قد يكون لديه بعض القصور في هذا الجانب او ذاك، ولا تألو الوزارة جهداً في كل ما من شأنه تعزيز مكانة الخطبة وتأكيد دورها في حياة المجتمع بالصورة الشرعية المؤثرة وفق المنهج الدعوي السليم.