المقاربة بين الخطيب وموضوع الخطبة والمتلقين، خاصة من جيل الشباب، من الأهمية بما يجعل ما يتناوله الخطيب مؤثرا وله وقعه في النفس وأدعى لتعزيز الوعيين الديني والقيمي لدى الجيل الشاب الذي يحتاج الى إعادة بناء وصياغة الخطبة بما يتفق مع إدراكه واللغة الأسهل كي يفهم اتجاهات وأهداف الخطبة التي يستمع اليها. لم تعد الخطبة حديثا مكررا أو استعادة كاملة لأحداث وقصص تاريخية دون أن يتم ربطها بمجريات وتطورات الواقع ومستجداته، باعتبارها جسرا للتواصل بين الأصالة والمعاصرة، لذلك فإن هناك عبئا كبيرا يقع على الخطيب في اختيار موضوع الخطبة ولغتها وبيان تأثيرها في عقول المستمعين، فهناك عملية تأصيل وسهولة في كتابتها أو إلقائها بما يجعل رد الفعل أكثر إيجابية وليس سلوكا تعبديا روتينيا ينتهي بانتهاء الصلاة. الشباب يرون أنهم بحاجة الى تطوير موضوع الخطبة ولغتها بحيث يكون الخطيب قريبا من عقولهم واتجاهاتهم ما يسهل عليهم استيعاب المضمون، وذلك يتطلب أن يبذل الخطيب جهدا كبيرا في التأصيل واللغة وسهولة الطرح بروح تواكب لغة العصر، ودون ذلك يصعب تصوّر أن تؤدي الخطبة دورها في الوعي والتوجيه والإرشاد. صياغة الخطبة الخطبة لها أهدافها ومقاصدها الشرعية، وهي بذلك تلعب دورا حيويا في ترسيخ الوعي الديني، ويؤكد مدير عام الأوقاف والدعوة والإرشاد بمحافظة الأحساء الشيخ أحمد بن السيد ابراهيم الهاشم، أن خطبة الجمعة لم تشرع إلا لتذكير الناس بربهم وواجباتهم نحو ربهم ودينهم ومجتمعهم، وتصحيح مفاهيمهم ومعالجة مشكلاتهم، ويجب على الخطيب أن يعتني بها ويوليها جل اهتمامه، بالبحث والتأصيل الشرعي من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح. ويضيف الشيخ الهاشم: يجب أن يصيغها بأسلوب لطيف يرغب المصلين في السماع والحضور له، حيث يجدون في الخطبة ما ينفعهم ويصحح مفاهيمهم، مراعيا حالهم وفئاتهم، مبتعدا عن أسلوب التهييج والإثارة التي لا تزيد الطين إلاّ بلّة، وتخرج بالمنبر عن مكانته ومقاصده الشرعية، مبينا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة تؤكد مدى تأثر الشباب بخطبة الجمعة. مواضيع اجتماعية ويرى إمام جامع أم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها» بالشهابية الشيخ محمد التركي، أن خطبة الجمعة خطاب يخص جميع فئات المجتمع، وعلى هذا الأساس لابد أن يعتني به الخطيب أشد عناية، فالواجب على خطيب الجمعة أن يتناول المواضيع التي تمس المجتمع التي يستطيع وفقا لها إصلاح ما يستطيع إصلاحه. كما يجب على خطيب الجمعة أن يتجنب الكلام في السياسة وخلافات العلماء في المسائل الدينية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وذكر القول الراجح الذي لا يخالف علماء البلد، كما يتجنب تناول مواضيع تهاون الناس بتعاليم الدين والعقيدة وكأن الناس ليس فيهم خير ما يسبب إحباطا لهم، واستخفاف الذنب من جانب آخر عند مرضى القلوب. كما ينبغي لخطيب الجمعة ترك المواضيع التي تثير الجدل عند الناس، والوقوع في أعراض الآخرين وعلى الخطيب أن يتناول المواضيع التي تشجع الناس على فعل الخير وتبغض عندهم الشر، ويحمل كل فرد مسؤولية إصلاح نفسه وإصلاح الآخرين عملا بقول الله تعالى: «والعصر. إن الانسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». خطب قديمة جامدة ويشير عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية الشيخ خالد الخالدي، الى أنه كي تكون الخطبة ذات تأثير كبير على المستمعين يجب أن تعالج المشاكل التي في واقعهم وفي مجتمعاتهم، لذا نجد اليوم عددا من الدعاة نجح في ذلك في وسائل الاتصال الحديثة التي انتشرت مؤخرا بالمواعظ المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تقدم بطرق يستوعبها جيل اليوم، بينما باتت خطبة الجمعة بالنسبة لعدد من الناس مجرد روتين بسبب عجز بعض الخطباء عن مخاطبة الجيل الحالي باللغة التي يفهمها. فبعض الخطباء يوغلون في استخدام خطب قديمة جامدة يكررونها كل خطبة، ويقرؤونها من ورقة حتى بات المصلون يحفظونها ويحفظون افتتاحية خطبهم كما يحفظ أحدهم فاتحة الكتاب، بينما يذهب خطيب آخر بعيدا في إهمال التحضير لخطبته واختيار المواضيع المهمة، فتراه يؤدي خطبة عبارة عن «كوكتيل» من السياسة وبلهجات محلية، في الوقت الذي نشاهد فيه الدعاة الناجحين يستقطبون ملايين المتابعين على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، فهؤلاء يقدمون جديدا ومادة يحتاجها الشباب المسلم. ويضيف الشيخ الخالدي: يجب ألا نهمل جانب العقيدة، فإن حاجتنا إلى العقيدة الصافية وترسيخها في نفوس المجتمع فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة، لأنه لا سعادة للقلوب، ولا نعيم، ولا سرور إلا بها، فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب، لكننا نجد- وللأسف- أن بعض الخطباء يهمل هذا الجانب وينشغل بالأمور السياسية كثيرا والله المستعان. ضعف الخطباء ويقول إمام جامع الراشد بالمبرز سابقا الدكتور محمد بن صالح العلي: إن خطبة الجمعة منبر إعلامي مهم له دور في توجيه الناس وإرشادهم الى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. ويضيف الدكتور العلي: الملاحظ أن هذا المنبر ضعف في العصر الحاضر وسبب ضعفه الخطباء، لذلك ينبغي تطويرهم وإعدادهم لهذا الأمر، فينبغي أن تطور لغة الخطاب الدعوي بأن تكون موضوعات الخطبة عصرية تنبع من وسط الحياة المعاصرة وتستخدم لغة عصرية للوصول الى إفهام الناس، والرجوع الى مراجع حديثة ومناسبة للعصر، واستعمال آلات عصرية في إيصال موضوع الخطبة. واجبات الخطيب ويشير عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالأحساء الدكتور عمر السعيد، الى أنه ومن فضل الله تعالى علينا أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) أن خصنا بيوم الجمعة فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق». ويقول الدكتور السعيد: في هذا اليوم العظيم يتوجه المسلمون من الرجال إلى الجوامع للاستماع لخطبة الجمعة وأدائها. وقد أوجبت الشريعة على الرجال البالغين المستوطنين حضورها، كما أوجبت على من حضرها الإنصات والاستماع إلى الخطيب، فقد جاء في الحديث: «من قال لصاحبه أنصت والإمام يخطب فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له» وكل ذلك يتوجب على الخطيب العناية بإعداد الخطبة وفق ما يلي: الاهتمام باختيار موضوع الخطبة، فالجمعة تتكرر 50 مرة في السنة تقريبا، فعلى الخطيب أن يحرص على تنوع الموضوعات وأن يلامس حاجة المجتمع من حيث: القضايا الاعتقادية والفقهية والأمنية والاجتماعية ويحسن أن يتواصل مع المصلين ليتعرف على حاجاتهم لتكون موضوع خطبته.. الإعداد الجيد للخطبة من حيث شمولها لجميع جوانب الموضوع ومدعمة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ولا بأس بالاستئناس بالقصص الهادفة والحذر من غرائب القصص.. والنظرة الإيجابية للمجتمع والمصلين ورفع معنوياتهم وذكر المواقف المشرقة والبعد عن لغة التثبيط، فبإمكان الخطيب أن يتحدث عن بر الوالدين فيذكر صورا مشرقة ومشرفة فيخرج المستمعون البارون لوالديهم وفي قرارة أنفسهم الاستمرار على البر والزيادة في صوره.. بينما لو تحدث عن الصور المبالغ فيها في عقوق الوالدين التي لم يعرفها ولم يألفها مجتمعنا فيخرج المستمعون المقصرون مع والديهم وفي قناعة أنفسهم أنهم من البارين. كما أنه ليس من الإنصاف إظهار الحالات الشاذة والنادرة على أنها ظاهرة. ويتابع: والحرص على العناية بقواعد اللغة العربية والاستفادة من ثرواتها النثرية والشعرية ولا مانع أن يدرس قواعد النحو.. فكم من خطيب قلب المعنى الذي يريده بسوء إلقائه وعدم ضبطه للنحو، وعلى الخطيب أن يتعرف على فنون الإلقاء ولا مانع أن يحضر دورة تتعلق بمهارات الخطابة والإلقاء، ولهذا على الخطيب البارع تطوير نفسه من خلال متابعة الكتب والبحوث والرسائل والتزود من القراءة المستمرة وعدم الاكتفاء بالمقالات الهشة والضعيفة في الانترنت وإن يحترم عقول الحاضرين فذلك سبب لاحترامه وحضورهم لخطبته من بين سائر الخطباء حوله. والحقيقة أنه من وجد في نفسه عدم القدرة على العطاء والتجديد فليترجل من منبره ليسلمه لغيره حتى يكمل المسيرة.. وأخيرا الخطيب المميز هو من جمع بين جمال اللفظ وسلامة المعنى فلا تشغله المحسنات اللفظية البديعة عن سلامة المبنى ووضوح المعنى، فالبلاغة هي: مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال. ما يناسب الجيل الحالي الشباب باعتبارهم موضوع الخطبة بحاجة الى تجديد اللغة والموضوع وفتح مسارات تفاعلية مع الخطيب وما يتناوله من قضايا تلامس تطوير وعيهم الديني. يرى طارق الأحمد أن استجابة الشباب لخطب الجمعة تعود لعدة عوامل متعددة كأسلوب الخطيب وإلقائه واختياره الموضوع ومناسبته لحاجات الشباب، مع ربط تلك بالأحاديث والقصص الواقعية وربطها بالأحاديث النبوية الشريفة، مؤكدا ضرورة اختيار اللغة أو الأسلوب المتجدد في الطرح لتتناسب مع الجيل الحالي، وأن يركز في خطبته الأولى بموضوع الخطبة، وفي خطبته الثانية وضوع الحلول والتوجيهات ونصائح ما تم ذكره على شكل نقاط، مطالبا الخطباء باستخدام طرق الجذب والإلقاء الحديثة والبعد عن الرتابة، ولتحقيق أهداف تلك الخطب للشباب شريطة أن تكون تلك الخطب ملامسة لواقع الشباب ومناقشة كافة أمورهم مع وضع النصائح بأسلوب يناسبهم، مضيفا أن بعض الخطباء لا يعطي خطبته أي نوع من التشويق والإثارة، بحيث تكون خطبته على وتيرة واحدة وهذا يتسبب في نفور الشباب وعدم حضورهم الخطب وحضورهم يقتصر على أداء صلاة الجمعة فقط. اختيار الموضوع المناسب ويشير فايز الفايز الى أن لخطبة الجمعة في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة عالية فهي الزاد الأسبوعي الذي يزود فيه الخطيب المصلين بما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم ويعالج من خلالها مشكلاتهم، وما يؤكد أهميتها وعظم شأنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتولاها بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده وعندما نتتبع هديه (صلى الله عليه وسلم) في خطبه خاصة خطبة الجمعة نجدها خطبة موجزة شاملة كاملة والرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أعطى جوامع الكلم ومع أنها موجزة وقصيرة إلا أنها مشتملة على جميع أركان وشروط وآداب الخطبة، متجردة تماما من تجريح الأشخاص الذين ارتكبوا الأخطاء والمخالفات الشرعية. ويضيف الفايز: على الخطيب مسؤولية اختيار الموضوع المناسب وعرضه بالأسلوب المناسب، وأن يختار المواضيع التي تعالج ما يدور في المجتمع عامة وفي الحي خاصة من مشكلات يومية تحدث في البيت والأسرة والشارع والمدرسة والسوق والمنتديات العامة والخاصة، وإعطاء قضايا الشباب اهتماما بالغا كجزء من المجتمع مع طرق الحلول والتوجيهات والنصائح بأسلوب شيق وممتع. وينبغي عليه أن يتحسسها ويبحث عن الحلول لها ويعرضها على الأسماع بأسلوب موجز مؤثر، كما ينبغي على الخطيب أن يجعل من منبر الجمعة منبر تعليم وتوجيه ودعوة إلى الله- سبحانه وتعالى- مؤكداً أن أسلوب الخطيب وعرضه له أثر كتغذية راجعة شريطة ملاءمتها تفكير الشباب وتوجهاتهم، وأن يستخدم أسلوب الجذب في الطرح. استيعاب المنهج التاريخي ويقول أحمد عادل النويحل: إن ما نشاهده في وقتنا الحالي من تطور وتقدم في الفكر هو نتاج تطور تقني مؤثر في مجتمعنا وفي شبابنا. فقد اختلف تفكير الجيل الحالي عن سابقه بكثير وتطور عنه بعدة مراحل، فيعتبر تفكير الشاب في هذا الجيل لا يستوعب المنهج التاريخي بمحتواه ومقاصده إنما يتفهمه بتفاصيل أدق وشرح مفصل وأمثلة على ما يعاصره من تطور، فإننا نشاهد خطباء الجوامع هذه الأيام يتجهون للخطب التي تهتم بشباب المجتمع، ويتم ربط كل ما يتعلق بالجيل الحالي بآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فلابد من ربط كل الظواهر الاجتماعية بالدين، فهو لم يترك أحد أمور الحياة في كل الأزمنة الماضية والحاضرة والمستقبلية إلا وفيها ما يتعلق بالدين الإسلامي، لكن يبقى الأمر الأهم وهو ربط الموضوع بالدين والمجتمع والتدليل عليه، فمع دمج الخطب والمحاضرات سيتمكن الخطيب من توصيل رسالته لكل الفئات العمرية والطبقات العلمية والاجتماعية والثقافية، ويمكنه التأثير فيهم وتحفيزهم لخدمة دينهم ومجتمعهم والتقدم به. أسلوب الخطيب وطرحه ويؤكد عبدالله سعود بوعبيد أن مهمة خطيب الجمعة لا تقتصر على إلقاء الخطبة فحسب، بل عليه من المهام والأدوار الكثيرة التي ينبغي عليه أن يقوم بها لأن إمام وخطيب الجامع هو الملاذ الآمن لجماعة مسجده وأهل الحي، فينبغي عليه أن يكون قريبا منهم بقلبه وقالبه، ويعتبر نفسه واحدا منهم يشاركهم همومهم ومشكلاتهم وأفراحهم وأحزانهم ويجعل كبيرهم أبا وأوسطهم أخا وصغيرهم ابنا، فالشباب هم رجال الغد ويجب إعطاؤهم اهتماما خاصا. ويقول بوعبيد: من المؤسف أن نجد بعض الخطباء يوم الجمعة يسابقون الزمن!!! لجعل مساجدهم الأولى في إنهاء الصلاة، فينسون أن للخطبة فوائد عظيمة ودروسا لتعديل بعض السلوكيات لدى الشباب، فنجد بعضهم يتأثر بأسلوب الخطيب وطرحه وتجده حريصا على حضور الخطبة منذ بدايتها، فعكس بعض الشباب تجده يصلي الفرض ويأتي قبل الإقامة أو معها ولا يستمع للخطبة لعدم تجديد الخطيب موضوعاته وأطروحاته التي لا تتناسب مع تفكيره وتوجهاته، وغياب الأسلوب الشيق المتجدد سبب لنفور الشباب من حضور الخطبة والتأثر بالخطيب. المفتي العام يقدم نموذج الخطبة التي تلامس الواقع وتستوعب الموروث