لعلها المرة الأولى التي أقرأ لك يا سحر، وأرجو أن تكون فاتحة خير فحقيقة كانت رائعة مقالتك يا سحر خان من الجيبل (أين نجد السعادة؟) جزاك الله خيراً، وأضيف - بعد توفيق الله - أن الكل يرقب السعادة من أوسع أبوابها والقلة هم من يدركون أسبابها ويطرقون أبوابها. ترجو السعادة ولا تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبسِ كثيرون هم الباحثون اللاهثون وراءها.. وهيهات أن يدركوها لا لشيء إلا لأنهم يسبحون ضد التيار.. يريدونها كما يهوون.. يحصرونها في المال والمتاع، وليتهم يدركون أن متاع الدنيا الزائل لا يعدل شربة ماء. يحكى أن أحدهم قال لمستشار له: عظني، قال له: أترى لو منع الله عنك شربة ماء أكنت مفتديها؟ قال: نعم، قال: كيف؟ قال: بنصف ملكي، قال له: أترى لو حبس الله فيك (بولة) ماء أكنت مخرجها؟ قال: نعم، قال: كيف؟ قال: بنصف ملكي، فما كان من مستشاره إلا أن قال له: الحمد لله الذي جعل ملكك لا يساوي شربة أو بولة ماء. والدلائل حولنا كثيرة.. كيف يشعر صاحب الملايين بالسعادة وزوجته تأنف من خدمته في أيامه الأخيرة لمرض حل به؟ وكيف يشعر الآخر بطعم السعادة وقد أفنى عمره الطويل منكباً على بناء هذا الصرح - كما يزعم هو شخصياً - ليخلفه ابنه عليه ثم يعرض الابن ويعمل براتب شهري محدود لدى غير أبيه الذي أنفق الآلاف عليه بعد حصوله على الثانوية ليكمل دراسته بإحدى الجامعات الأمريكية؟ كيف يشعر بالسعادة من يسرق الملايين - في وضح النهار - من هذا البيت الذي احتضنه و(كبره) بل كيف يشعر بالسعادة من أكل مال اليتامى والأرامل والضعفاء؟ بل كيف يشعر أو يجد السعادة من استحل المال العام ليس هذا فحسب بل من أخفى وغش ودلس وحرض ورشا وارتشي ولم يردعه بياض شعره واحدوداب ظهره.. آه لهذا الصنف ما أتعسه.. تعس عبد الدينار والدرهم (تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتكش). ثم.. هذا الذي يرى السعادة في الجاه والمركز والسلطان.. ليرحم الله الإمام علياً حين سئل: كيف أنت والدنيا؟ - لما تولى الخلافة -، فقال: هي مقبلة علي فلست أدري عدوي من صديقي. ورحم الله الفاروق عمر حين قال: (اللهم أخرجني منها كفافاً لا لي ولا علي). وذاك الصنف الذي يراها في الإسراف والتبذير والحرائر والحرير ليتهم يعلمون أن عبد الرحمن بعد عوف - أحد العشرة المبشرين بالجنة - لما رآه صلى الله عليه وسلم - في المنام - ورؤيا الأنبياء حق - قد تأخر في دخول الجنة وسأله فكان رده عليه - صلى الله عليه وسلم: (أخرني كثرة سؤالي عن أموالي) ولست أرى السعادة جمع مال لكن التقى هو السعيدُ أعزائي.. السعادة سعادتان.. فانية وباقية.. فطوبى لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فهذا والله قد أدرك درب السعادة الباقية، والويل - كل الويل - لمن أتبع نفسه هواها ولم يدرك أن هوانها في هواها: إن الهوان هو الهوى قلِب اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا وأخيراً.. ما أجمل وما أحلى مقالك يا سحر لولا أنك استعرت أقوال شاتوبريان، سابينوزا، جرولد ونيكسون - في السعادة أو عنها - فأين أقوال هؤلاء من بلاغة الإمام علي كرم الله وجهه وفلسفة ابن خلدون وغيرهما من أقوال التابعين والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - عن السعادة - ناهيك عن أقوال صاحب الجوامع - جوامع الكلم - صلوات ربي وسلامه عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.