تقول: لماذا الأرواح الحزينة عادة.. هي من تعطي الناس الفرح.. تضمد جراحهم وتهوّن عليهم مصائب الآخر.. لماذا الأرواح الحزينة دوماً.. كثيرة العطاء رحبة الصدر.. وأقول لها: منذ الأزل يا غادة ونحن نعلم يقيناً بأن الأرواح الشفافة التي عانت من الحزن طويلاً وأذابها الألم هي من تهب للآخرين كل الاهتمام وتمنحهم كل العطاء ولا صحة للمثل المعروف بأن فاقد الشيء لا يعطيه بل غالباً فاقد الشيء هو من يعطيه ويمعن في إعطائه لأن من جرَّب الفقد والحرمان ينأى بنفسه أن يكون سبب حرمان شخوص آخرين. منحتني الأديبة المؤدبة غادة عبد الله الخضير وردة بيضاء حينما أهدتني كتابها الأول (الوجه الآخر لغيمة) وشعرت من الوهلة الأولى بأنني أتصفح قلبي وأغوص في بحر أوراقه.. لم يكن كتاباً عادياً بالنسبة لي.. لأن غادة ليست عادية أيضاً فمنذ زمن بعيد وأنا أقرأ لها ما في أعماقي وأجد بين أحرفها نماذج من تجاربي ويخيل لي أنها تكتب عني وعن آخرين أيضاً غيري ممن تلامس فيهم كلمات غادة شغاف القلب يشعرون نفس الشعور ويتنفسون نفس الإحساس.. وجدت في كتاب غادة والذي حمل إهداء لطيفاً تمنت فيه أن تهطل أمطار الغيمة هنا.. والحقيقة أنها هطلت وأجزلت العطاء وأنبتت فاكهة وابا وحدائق غلبا.. والقارىء لهذا الكتاب يجد أنه يتنقل في واحة غناء يستخلص منها حصيلة تجارب عظيمة خلقت من هذا الرسام إنساناً مبدعاً.. ولا شيء يجعل الإنسان عظيماً إلا ألماً عظيماً.. وبالتالي لن تكون الغادة هي وحدها من تسلقت أشجار غابة الحزن بحثا عن معنى للحياة ولن تكون ايضا هي وحدها من تسامقت في حنجرتها أغصان الصمت.. كلنا على نفس هذا المنوال نتسلق اشجار الحزن ونصعد ونتسامق أغصان الصمت فنبدع ومن مثل غادة في كينونتها وعطائها الفياض جديرة بأن تقذف حبلا للآخرين فيتسلقوا.. وتمنح الأغصان صمتا فيبدعوا..!! ثم تخرج الغادة من صمتها لتشعل فتيل الألم بسؤال كبير حجم الطبيعة ما الذي يجعل الوجوه التي ألفناها وأحببناها وعاشرناها تتغير؟ أتحدى شخصاً واحداً في هذه الحياة لا يقفز إلى ذهنه هذا السؤال فما من أحد إلا وعبثت في قلبه أيدي الأحبة وتألم من تغير الوجوه التي أحبها زمناً طويلاً غنياً عن الحديث.. من منا لم يخدع في عواطفه حتى العظم لدرجة يشعر فيها أنه أخفق الاختيار ولا مجال لخوض تجارب اخرى فهو اضعف من أن يجزم على علاقة جديدة تذيقه ويلات الخيانة وغدر الأحبة.. ولن تكون النهايات الجميلة هي وحدها النهايات الصادقة. أيضاً النهايات السيئة صادقة جداً ولكن عدم قبولها يجعلها أشبه بالخيال الكاذب لا نكاد نؤمن بها إلا حينما تفوح منها رائحة الزمن المتعفن.. إن ألم النهاية يا غادة وهو نفس الألم سواء اخترت النهاية أم كانت رغم الأنوف فالحزن ليس له الا وجه واحد غامض مكفهر وعندما نرغب أن نخلق من احزاننا سواعد تدفعنا للامام فإننا قصرا نفتش في ملامح وجه الحزن علّنا نجد ابتسامة سوداء بين تكشيرة انياب نتخيلها الدنيا تضحك لنا وليس علينا.. كان لكتابك أيتها الغادة أماكن كثيرة بين كتب أعتز بها وعلى مخدة نومي وعند جهازي الصامت وعلى مكتبي المنظم وفي شنطة أوراقي المحمولة وجدته كالظل الذي جعل الله الشمس عليه دليلاً.. اصبحت اقرأ الكلمات فيه واستنشقها واستعذب التجارب فيه واتقلب في محيطها.. يحمل لون الصفا والنقاء وهو كذلك ما عدا سحابة حزن أظنها تنجلي داخل قلبك العظيم وأناملك المبدعة. شكراً لك سأظل اقرأ كما لو كنت أول مرة.