مَن يتابع وسائل الإعلام الغربية - خاصة الأمريكية - يرى كيف تنقلب الحقائق رأساً على عقب، وكيف يصبح الصغير كبيراً، والجليلُ حقيراً، وكيف يخيِّم غبار الأباطيل حتى ما يدع للعين مجالاً أنْ ترى وجه الحقيقة. إننا منذ سنواتٍ عديدة، منذ أن كشَّرتْ أمريكا عن أنيابها، وسمعنا بعض البشر من مسؤوليها يقولون كلاماً متطاولاً على مقام الربوبية، ونحن نعيش عبر كثير من وسائل الإعلام حالة (المنطق المعكوس)، فالقاتل المجرم صاحب حقٍّ، وصاحب الحقِّ الذي يدافع عن نفسه وعرضه وداره قاتل مجرم، والناطق بالحقِّ متطاول، والناطق بالباطل مُحِقٌّ صادقٌ، وكلُّ ما يمتُّ إلى الإسلام - دين الله الحقّ - بصلة، فهو إرهابيٌّ متطرف في زعمهم. هكذا نعاني من المنطق المعكوس في عصر مدنيَّةٍٍ أسرفت في هواها وبعدها عن الله عزّ وجلّ، وبالغت في فتح نوافذ شهوات النفوس، ورغباتها، وتجاوزت الحدّ في تقديس المادة، وعبادة الدنيا الزائفة، وتقديم المصالح الشخصية على مصالح عامة الناس. منطق معكوس، له وسائله التي تروِّج له وتدعو إليه، وتخدع الناس ببريقه، وأبواقه. إنَّ هذا هو شأن الذين ينحرفون عن طريق الله المستقيم من البشر، قديماً وحديثاً، فهم يصوِّرون فسادهم صلاحاً، وإفسادهم إصلاحاً، بينما يصوِّرون صلاح وإصلاح المصلحين فساداً وإفساداً، ويبالغون في الترويج لهذا المنطق المعكوس حتى ينخدع به كثير من البشر، يظنونه حقّاً، وما هو بالحقِّ، وفي القرآن الكريم ما يقرِّب لنا بعض صور (المنطق المعكوس) ليرشدنا إلى ذلك ويجعلنا على بيّنةٍ منه حتى لا ننخدع مع المخدوعين. يقول تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}. تأملوا معي- أيها الأحبة - هذا المنطق المعكوس الذي يدل على عقولٍ تحكّم فيها الهوى، ونفوس ضلّت سواء السبيل. ففرعون وملَؤُه يصورون دعوة موسى وهي دعوة الحقّ والصلاح والإصلاح، بأنها إفساد في الأرض، وحجتهم الواهية في ذلك أنّ موسى وقومه يتركون عبادة فرعون وآلهته، وهنا يبدو الخلل الكبير في الفهم عند أولئك القوم، فعبادة فرعون عندهم هي الصلاح - والعياذ بالله - وعبادة الله سبحانه وتعالى التي يدعو إليها موسى عندهم هي الفساد، مع أنّ الواقع المعاش يؤكد لهم ولغيرهم أنهم هم أهل الفساد والإفساد، وقد أدان فرعون نفسه مباشرةً، وهو لا يشعر لأنَّ هواه قد عطّل عقله، وقضى على وعيه، وطمس بصيرته، أدان نفسه حيث قال: (سنقتِّل أبناءهم) وجاءت (نقتِّل) بالتشديد لبيان شدَّة القتل الذي عزم على القيام به، وهنا يبرز السؤال الحقُّ قائلاً: هل الإفساد الذي نسبته يا فرعون إلى موسى ظلماً وعدواناً، إلاَّ هذا القتل الذَّريع الظالم الذي عزمت على إنزاله بأبناء بني إسرائيل. هكذا - أيها الأحبة - تتكرَّر الحالة تماماً، فقتل الأبرياء وإهدار الدماء وهدم البيوت في فلسطين والعراق يُسمّى إصلاحاً، ومحاربةً للإرهاب. أما مطالبة أهل الحقِّ بحقوقهم فهي الإرهاب الذي يجب أن يحارب في رأي الفراعنة المعاصرين، منطق معكوس يجب أن يتنبّه إليه المسلمون. إشارة قل لي بربكَ كيف يطمع صائم في الأجر وهو على الرذيلةِ يُفطر