إذا أردت أن تفهم عالم السياسة المظلم، فاقلب الخبر! مثلاً (سيرجي لافروف)، وزير الخارجية الروسي، يقول في زيارته لدمشق نحن نقترب من الحل. الرئيس كلف نائبه بإجراء الحوار مع المعارضة. يأتي الجواب من حمص بدكّ البيوت على رؤوس أصحابها.معنى هذا أن الدبّ الروسي ومساعده جنرال المخابرات ورئيسه بوتين رجل مخابرات الستازي (ألمانياالشرقية) القديم قالوا للأسد الصغير عندك أنموذج جروزني فطبقه، فلسوف تفلح؟ ولكن هل يفلح؟ إذا أردنا فهْم جدول ضرب السياسة واللوغاريتم الذي يحكم الرياضيات في ساحته، فهناك طريقة بسيطة للفهم «اقلب الخبر»! مثلاً إذا قال سنحاور يعني سنضرب بيد من حديد، إذا قال ننتظر يعني أنهم يطبخون طبخة مخيفة في الظلام. إذا قال الرئيس كلمات حلوة فمعناها حنظل وعلقم، إذا قال إصلاحات معناها إفسادات، إذا قال أطلقنا المعتقلين فهناك معتقلون أكثر على القوائم.تأمل القرآن وهو يتحدث عن ملأ فرعون، قالوا: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟ أجاب فرعون: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون. ينتابني الضحك حين أتأمل فقرة أن موسى يفسد في الأرض وفرعون يبغي الصلاح. الشيء نفسه حين تآمر قوم صالح ليلاً على قتله. اجتمع المتآمرون فأقسموا بالله على قتل نبي الله! عجيب، أليس كذلك. يصفهم القرآن بأنهم رهط تسعة هي رأس هرم الطغيان. يقول حلفوا بالله على قتل نبي الله، ثم ترويج الكذب إننا ما شهدنا مهلك أهله! لاحظ أهله فكيف به هو؟ فماذا كانت النتيجة؟ أنّ الله دمّرهم، فهذه هي نتائج هائلة تحيق بالطغيان وأهله. ضحكت زوجتي ولم تصدق! قالت هل يعني هذا أن العالم الذي نعيش فيه وهمي ضلالي غير مفهوم فاسد شرير؟ قلت لها منذ زمن بعيد حاول الزرادشتيون فهْم العالم، فقالوا إن هناك قوتين تتحكمان في الأقدار (الظلام والنور). ويقولون إن الموت رحلة لحاق بالله، فإما كان شريراً فيرجع إلى الأرض ليكمل رحلة الخلاص حتى تلحقه كرامة الالتحاق بالله، أو كان صالحاً فانضم إلى الملأ الأعلى. أعجب ما عندهم أنهم يحتفلون بالموت فلا يبكون على الميت، بل يقومون بحفلة هي أقرب إلى العرس، ولا يدفنونه ولا يحرقونه، بل يرمونه في ساحة تأكله الطير.ربما كان مفهوم الشهادة عندنا من جانب يشجع مظاهر عدم الحزن. شاهدي من القول إن الكون الذي نعيش فيه يعجّ بالفساد والظلم، ولكنه مبني على الحق، وليس على العبثية والباطل، وهو صراع يمضي فيميز الله الخبيث من الطيب فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم.