الصَّمت.. معنى غامض.. وبحر عميق..تعبت في تفسيره وبحثت في كثير من الكتب لأدباء وحكماء وغيرهم لأرى نظرتهم في هذا الفعل المبهم..واللغة المجهولة! بدأت أولا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال لأبي الدرداء (ألا أدلك على أيسر العبادة وأهونها على البدن؟ عليك بالصَّمت وحسن الخلق؛ فإنك لن تعمل مثلهما) ففهمت أن الصَّمت اقترن بحسن الخلق لعلو شأنه خصوصا عندما قال: فإنك لن تعمل مثلهما، فيدل على أن التزام الصمت ليس بالأمر الهيِّن أبداً. وقال حكيم: كن صامتاً تكن آمناً.. الصَّمت لا يخون أبداً. فعلمت أن الصمت سلامة من كل مكروه ولا يأتي بشرً أبداً، ويوافقه شاعر في رأيه عندما قال: إن كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الأخيارا ولئن ندمت على السكوت مرة فلقد ندمت على الكلام مرارا إن السكوتَ سلامة ولربما زرع الكلامُ عداوةً وضرارا .. فكم أنت ثمينُ يا صمتُ ! ويقول مثل عربي قديم: ( السكوت علامة الرضا).. فهو يوحي بالإيجاب دائما، وعارضه شاعر آخر عندما قال: لا تفسر كل صمتي بالرضا الردود أحيانا تجرح لو حكيت فرأيت أن هذه الكلمة تتأرجح بين الرضا وعدم الرضا.. أمرٌُ محيِّر!.وقال أديب:( الصمت أعلى درجات الاحتقار) فعدم الكلام مع الشخص الذي لا يعجبك لسبب ما.. هو الاستصغار والاحتقار بعينه.. فهو يدل على اللامبالاة والأهمية له، ونتعجب عندما نعلم أن السكوت عند بعض الناس يعني التكبر والغرور فهو يدل أن ما حوله أصغر من أن يتكلم معهم! وغالبا ما يقال لجيلنا (يا زينكم ساكتين)! فقلما تجد الصمت في قاموسنا.. ربما لأن الكلام من فضة.. وقد ولَّت موضة الذهب ! رفعت المنظار من رؤية رأي الحكماء والشعراء إلى مستوى أعلى بكثير فرأيت أن تعريف الصمت على مستوى العالم كالآتي: أمريكا صمتها تفكير.. إسرائيل صمتها تهديد.. الصين اختراع.. فرنسا رقي.. فلسطين صمتها.. طعنة في الصميم.. وايطاليا.. لا تصمت أبداً! أما بقية العرب فصمتهم.. في الحقيقة احتار الباحثون في أمره.. ولم يستطيعوا تصنيفه إلى الآن.. بعضهم اعتبره استيعاباً بطيئاً، والبعض الآخر اعتبره سكون ما قبل العاصفة - مجهولة الزمن -. أما بقية المصنفين فقد يئسوا ، وأرسلوا علماء ليروا إذا كان هذا الصمت الهائل سببه خلل أدى إلى انتشار غازٍ ما يسبَّب الركود والخمول.. ربما! إذن فالصمت سخط وغضب.. ذكاء وحكمة.. وتقبل.. هيبة ورقي.. حزن وبكاء.. أمان وسلام.. تخطيط وتفكّر.. ولكن إذا طال الصمت فإنه إما غباء..أو طرما! كلمة واحدة لها ألف معنى.. عجبي ! وفي النهاية.. تعلمت أن أكترث للصامت أكثر من المتكلم.. فللصامت لغة تدفعنا للتركيز والإبحار أكثر من المتكلم، وكما قال أحدهم حين أمسك بالعصا من النص (الصمت.. فن عظيم من فنون الكلام).