فرض الله الصيام على المسلمين في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ليكون حصناً للمخلصين وإيمانا للمتقين من شر النفوس التي تجمح بهم إلى الطريق السوي وتنزع بهم إلى ما طبعت عليه من الأمر بالسوء والصد عن المعروف والإحسان والأفضال. ومعنى الصوم في اللغة الإمساك والكف عن الشيء وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشروط مخصوصة. والصوم هو الركن الرابع من أركان الدين الإسلامي، وصيام رمضان من أقوى العبادات وأعظم ذرائع التهذيب وهو امتحان للأنفس الحرة العاقلة ومقياس الرجولة ومظهر الصلة بين الخالق والمخلوق، فقد فرضه الله علينا كما فرضه على الذين من قبلنا. وقد كان المسلمون الأولون يتأهبون لقدوم شهر رمضان قبل الاستهلال وتستبشر به نفوسهم لأنه موسم العبادة وشهر الطاعة والغفران، وللصيام فوائد اجتماعية وصحية وروحية، فمن فوائده الاجتماعية المساواة بين الأغنياء والفقراء وبين الخاصة والعامة وفيه مشاركة الأغنياء للفقراء في الجوع إشعارا لهم بلزوم العطف عليهم وأداء حقوقهم التي فرضها الله عليهم في أموالهم إلى الفقراء، وفيه تنظيم الأمة الإسلامية في المعيشة فجميع المسلمين يمسكون عن الطعام في وقت واحد ولا يتقدم واحد عن واحد في الإفطار. ومن فوائده الصحية انه يفني المواد الراسبة في البدن ويطهر الامعاء من فساد الزرب (وهو داء في الكبد) السموم التي تحدثها البطن ويذيب الشحم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا). وقال بعض أطباء الأفرنج (ان صيام شهر واحد في السنة يذهب الفضلات الميتة في البدن مدة سنة كاملة). ومن فوائده الروحية ان يصوم المسلم لوجه الله تعالى لا يريد من غير ربه جزاء ولا شكورا وبالصوم يتمثل الصدق في العبادة.