ربما نذكر جميعاً ، أو شاهدنا في مراحل الطفولة المختلفة ، تلك الحالة التي سببت الهلع والانزعاج في جو الأسرة ب (وقوف) أحدنا عن البلع والتنفس ، ومحاولة الآخرين ضربه (على ظهره) ، أو استعمال أي (تجارب) أخرى يجيدونها ، بسبب عدم تحرك ذلك الجسم الغريب عن مجرى التنفس أو المريء. ولكن د. أندريه قولبيوسكي (استشاري الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الحمادي بالرياض) ، يحذِّر من محاولة استخراج الجسم الغريب إلا في مكان كامل التجهيز لمثل هذا العمل ، حيث يكون هناك مخدر كفء ، وشفاط كهربائي ، وملاقط مختلفة للأجسام الغريبة. كما يشير د. أحمد حسن قعقع (أخصائي الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الحمادي بالرياض) إلى أن هناك مخاطر كبيرة في حال عدم الإسراع باستخراج الأجسام الغريبة ، وقد تكون مهددة للحياة ، لذلك يجب الانتباه بشدة للأطفال ، وعدم ترك الأشياء الدقيقة والنقود بين أيديهم ، وأيضاً التروِّي في الأكل وخاصة عند أكل اللحوم والسمك ، واللجوء إلى الطبيب بسرعة ، حتى يتم الإجراء المناسب لاستخراج هذا الجسم الغريب . في المجرى التنفسي ويقول د. أندريه قولبيوسكي أن المجرى التنفسي بدءاً من الحنجرة ثم القصبة الهوائية والشعيبات الهوائية ، عرضة لدخول أجسام غريبة فيه ، وهذا أكثر ما يحدث في الأطفال ، حيث يجرون شهيقاً شديداً في وجود جسم في الفم ، فيدخل هذا الجسم في الطريق الهوائي ، وهذه الأجسام قد تكون بذرة بطيخ ، وهي أكثر الأجسام الغريبة مشاهدة في منطقة الخليج ، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية ، أو حبة فستق ، أو أي جسم غريب آخر يمكن أن يضعه الطفل في فمه ، وقد يكون الجسم الغريب طعاماً أو مفرزات هضمية يستنشقها الشخص المخدر أثناء العمليات. وفي المريء ويتطرق د. أحمد حسن قعقع إلى الأجسام الغريبة في المريء ، أو ما نسميه عسرة البلع ، موضحاً أن المريء عبارة عن أنبوب عضلي بثلاث تضييقات ، وأكثر الأشياء الغريبة تنحبس في المريء على مستوى هذه التضييقات الفيزيولوجية ، ويضيف د. قعقع أن انحباس جسم غريب في المريء يتعلق بحجم وشكل الجسم الغريب ، فالأجسام الغريبة الحادة وذات الرأس الحاد (الدبوس) قد تنغرز في أي جزء من أجزاء المريء ، وكذلك الأدوات الكبيرة أو لقمة الطعام إذا تم بلعها بسرعة أو بشكل طارئ ، ويحدث ذلك خاصة عند المرضى النفسيين ، أما الأدوات الصغيرة ، وأجزاء الطعام الصلبة (العظام) فتنحبس في مناطق تضييقات المريء الفيزيولوجية ، أو في حالة تشنج المريء ، أو بسبب وجود تضييقات سابقة على مستوى المريء. ويعتبر د. قعقع الأجسام الغريبة - غير النباتية - من أكثر الأجسام خطراً ، وتعتبر النقود المعدنية عند الأطفال ، والقطع العظمية من اللحم أو السمك في الكهول ، من أكثر الأجسام الغريبة انحباساً في المريء. أعراض الأجسام الغريبة وعند دخول الأجسام الغريبة في المجرى التنفسي فإن أعراضها تتلخص ، كما يشرح لنا د. اندريه في إصابة الطفل بنوبة سعال تشنجي ، وضيق نفس تمتد لفترة قصيرة ثم تزول ، وقد لا ينتبه إليها الأهل ، وغالباً ما تمر فترة من الهدوء ثم يصاب الطفل بالأعراض الثلاثة التالية : - نوبة من السعال التشنجي - ضيق نفس مزمن - أزيز مسموع في الشهيق والزفير وقد يبقى الجسم الغريب صامتاً لفترة طويلة لا يبدي أعراضاً ، وذلك إذا كان معدنياً أو صغيراً ، أما الأجسام الغريبة النباتية المنشأ ، فإنها تحدث ارتكاساً في الغشاء المخاطي للقصبات ، وبالتالي أعراضاً باكرة ومشتدة ، والصورة الشعاعية في حالة الانسداد التام تبدي نقصاً أو انعدام التهوية في المنتصف نحو الرئة المصابة يزداد ظهوره أثناء الشهيق ، أما في حالة الانسداد الناقص فتبدي الصورة الشعاعية فرط تهوية في القسم المصاب مع انحراف في المنتصف نحو الرئة السليمة ، يزداد أثناء الزفير ، ولذلك يستحسن أخذ صورة الصدر أثناء الشهيق وأخرى أثناء الزفير ، أو إجراء التنظير الرئوي. كيفية المعالجة ويوضح د. أحمد حسن قعقع أن أهم ما يتعرض له المريض عند ابتلاعه الجسم الغريب ، هي فجائية الحدوث في معظم الحالات ، والأعراض الرئيسية هي : ألم خلف منتصف الصدر أو الظهر ، ثم عسرة بلع قد تكون شديدة وقاسية ، حتى تجاه اللعاب ، وقد يحدث بحة الصوت ، وصعوبة التنفس ، وتشخيصياً تكون بالقصة السريرية والأشعة البسيطة ، حيث تظهر القطع النقدية ظليلة على الأشعة ، بينما عظام السمك قد لا تظهر ، وأخيراً لابد من إجراء منظار للمريء تحت التخدير العام ، بحيث يكون ضرورياً في حال وجود الأعراض الصريحة مع سلبية الصورة الشعاعية. أما المعالجة فتقوم على استخراج الأجسام الغريبة باستعمال منظار المريء تحت التخدير العام ، وقد يكون من الضروري قص الأجسام الغريبة (كجسور الأسنان في الكهول أو دبوس) ، وذلك قبل استخراجه ، وقد يكون من الحكمة أحياناً دفع الجسم الغريب الخطر إلى المعدة واستخراجه من هناك. وفيما يخص الأجسام الغريبة في المجرى التنفسي فإن المعالجة كما يقول د. أندريه قولبيوسكي تكون باستخراج الجسم الغريب بتنظير القصبات ، ويتم التنظير باستعمال منظار القصبات ، وهو أنبوب معدني له إنارة نهائية الداخلة في القصبات ، ويدخل تحت التخدير العام أو الموضعي من الفم ، فالحنجرة ، فالرغاس ، فالقصبات ، ويستعمل الحجم المناسب منه حسب المريض ، ويجب ألا تجري محاولة استخراج الجسم الغريب إلا في مكان كامل التجهيز. ضرورة الحذر وفي الختام يدعو كل من د. أندريه قولبيوسكي ، ود. أحمد حسن قعقع إلى ضرورة الإسراع إلى الطبيب في حالة وجود أجسام غريبة ، وكذلك يحذران من ترك الأشياء الدقيقة والنقود بين الأكل.. وفوق كل ذلك.. لا تأكل بسرعة !