نعم.. رحل خالي.. عبدالله.. بصمت.. رحل بهدوء وسكون من دنيا الفناء إلى دار البقاء.. بعد أن قدر الله له عيشاً في كبد، عاش يعاني، ومات يعاني، صنوفاً من العذابات والتراكمات الشاقة في ذاته ومعيشته وصحته وأسرته... وهو صابر بصمت صبر المحتسب.. حتى وافاه القدر الرباني. الله أكبر على صمت الرحيل.. يا خالي الجليل.. يكفيك شرفاً وشموخاً هذا الانسحاب الهادئ من ساحة ضجيج الحياة الفانية.. ما ذكرك من بني البشر إلا القليل.. ولكن الله برحمته الواسعة يذكرك بإذنه في الذاكرين..، نعم يذكر الله.. لأنك بحق لا تحمل غلاً أو حقداً أو ضغينةً لأحد.. ما في قلبك ينطق به لسانك.. وتلك لعمري صفة من أعظم صفات أهل الجنة.. ذلك أن الله تعالى ينزع ما في صدورهم من غل اخواناً على سرر متقابلين.. لقد نزع الله بفضله وكرمه الغل من قلبك في الدنيا، فعشت محباً للناس.. تقابل السيئة بالحسنة، وتدفع الخطيئة بالعفو، صمتك في كل مجلس أبلغ من كل كلام.. تمتعض من الخطأ وتصارح المخطئ.. رضي من رضي وسخط من سخط. للحنان في قلبك ينابيع.. هكذا كانت والدتك - يرحمها الله - تراك، كانت دعواتها لك بالخير مستمرة في صلواتها وجميع أوقاتها..، ولعل الله استجاب دعاءها، فقد مت صابراً على ويلات مرض عضال وأمراض أخرى مرافقة.. ومع كل ذلك لم تجزع أو تولول أو تيأس أو تقنط.. بل كنت تستطب بهدوء وسكينة، ولم يلمس أحد ما كنت تعانيه إلى ما قبل سويعات وفاتك.. شيمتك الصبر.. ونهجك الوفاء.. كنت تزور من لا يزورك.. وتسأل عمن لا يسأل عنك.. وتلك خصلة أحسب على الله أنها شفيعة لك في الفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم ارحمه يا رحمن رحمة واسعة، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، واجعل قبره روضة من رياض الجنة واسبغ اللهم على روحه النور والضياء من لدنك يا نور السماوات والأرض، واخلف اللهم له خيراً في أهله وذريته وذويه، آمين يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.