أريد أن أعلن، أن هذه الوقفات وغيرها مما أخط، لا أقصد بها الدفاع عن الدكتور طه، ذلك أن للناس عيوباً وأن لهم أعيناً كما قيل، فطه حسين له تلك الأخطاء الكبار في شبابه، وللناس أخطاء كما يعلن الحديث النبوي: (كلكم خطاؤون).. وفي ساحة الأحاديث الأدبية وفلك دورانها، ندور معها ونتحدث، وإن هذه الوقفة مردها أنني قرأت حديث رجلين عن طه حسين، فرأيت أحدهما يتبع المنهج الصحيح في الكتابة، وهو الأستاذ سامح كريم، ورأيت الآخر ركز فيما كتب على آثار الخصوم والحاسدين، وحتى الذين قال الأستاذ جهاد فاضل إنهم من أصدقائه وطلابه زاغوا حسبما قرأت ما نقله الكاتب، وربما حصر الرأي في السلبيات.! * ويشير الكاتب أن طه حسين له محاولات شعرية، وأنه لم يدع أنه شاعر، ومع ذلك فخصومه يشهرون به.. وقد قرأت في زمن ماض أن الدكتور طه، أعلن أنه حاول أن ينظم الشعر، ولما لم يحسن منه شيئا هجر محاولته.. وحين يجنح خصومه إلى التشهير به في أمر قد حسمه صاحبه، فإن مرد هذا العبث فراغ وسوء أدب.. وكنت أنتظر من كاتب التصدي إلى هذا العيب والسخف، ولكنه لم يقل شيئاً، وهذا شيء محسوب عليه، وعلى أي كاتب يتصدى للدرس الأدبي والخوض فيه.. * والمحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر، يأخذ على طه حسين في تفسيره لبعض أبيات المتنبي، وما قاله الأستاذ شاكر جور وظلم لطه حسين، غير أن هذا المنطلق مرده ما شجر من خلافات بين الرجلين، لكن في رأيي أن ذلك لا يهبط إلى الاتهام بانعدام الذوق، وطه حسين يخطئ والشيخ محمود شاكر يخطئ، و(كلكم خطاؤون).. وإذا قال طه حسين إن القرن الثالث الهجري عصر شك ومجون، وبجانب ذلك فإنه عصر علم وزهد وتدين، فأرى أن طه حسين لم يخطئ، ومن الذي يبرئ الأزمان والبشر فيها مما يرتكبه الناس من انحرافات، وفي الوقت نفسه، ففي الزمن ذاته علماء وصالحون، والجميع بشر..! * قد نتفق مع الدكتور محمد الهادي الطرابلسي، في إملاءات طه حسين من التكرار، غير أن خطب طه حسين أقوى من إملاءاته، أما قلة المعنى فليس ذلك صحيحاً.. أما ما قاله المازني من أن ما ينسب إلى طه حسين يدل على أكثر من طه حسين، ويرجع ذلك إلى قول العميد: قرأت، ورأيت، وشهدت، والمازني يدرك المعنى الذي يعنيه الدكتور طه، غير أنه كعادته، يسخر ويعبث.. ورأي فتحي غانم في طه بأن لغته لا تقطع في شيء أبداً، فلا يعوّل عليه، ففتحي غانم كاتب رواية وليس ناقداً يحتاج لحكمه، وكذلك الحال في رأي إبراهيم المصري غير المهذب وهو لا وزن لما قال، وكذلك رأي الرافعي، الذي يصف أسلوب طه حسين بالركاكة ومضغ الكلام.. والمحقق محمود محمد شاكر الذي يتهم العميد بانعدام حاسة التذوق الشعري، فهذا الاتهام لا صحة له، فالذي يقرأ كتاب في الأدب الجاهلي، حديث الأربعاء، من حديث الشعر والنثر يدحض افتراءات شاكر وغيره، وشاكر قال الكثير عن طه حسين، ومن ذلك أنه أخذ آراءه حين ألف كتابه - مع المتنبي -، لأن شاكراً أسبق، لكن هذا اللغط كله لا قيمة له، فهي اتهامات مرتجلة وينقصها الأدلة والحجة.. ومن هو جرجي زيدان كاتب الروايات العربية الملأى بالدس والسموم، كيف يأخذ منه طه حسين؟ أما الأغاني فهي مرجعية تاريخية، بما فيها من - عجر وبجر - كما يقال.. واتهام عزيز أحمد فهمي لأستاذه في مجلة الثقافة لأحمد أمين، وهو ما نشر بالعدد الصادر في 4 سبتمبر 1945م، قد كون أوصافاً أخرى للعقاد، والزيات، والحكيم، وأحمد أمين، وأضفى ألقاباً عليهم هي: إيطالي للعقاد، فرنسي لطه حسين، قبطي لأحمد أمين، رومي لأحمد حسن الزيات، أمريكاني لتوفيق الحكيم، وأعطى نفسه صفة - هندي -، كل ذلك في سطور عبر صفحتين بعنوان: (باسبورتات).. * حشد الأستاذ جهاد فاضل الكثير من عبث القول، وهذه الحال ليست جديدة، فتلك هي الحياة وأهلوها عبر أزمانها، وإذا أراد إنسان أن يحشد كل ما قيل في الناس، فإنه يتعب نفسه فيما لا طائل من ورائه، وما ينبغي أن يشغل كاتب نفسه، بهذه الترهات التي لا حدود لها.. فجهاد يقول مثلاً: إن إسماعيل أدهم وصف طه حسين بأنه - لاعب له روح الطفل الذي يريد أن يلعب ويلهو، ولعبته كانت في كتابه (مع المتنبي) -، وأرى أن طه حسين ظلم المتنبي في كتابه ذاك، ولكن لا ينبغي لمن يحترم نفسه، أن يمد لسانه بشيء من عبث الوصف، فالكبار هم الذين يحترمون ذاتهم، ويتعالون عن الصغائر.! * فيما قدمته مجلة القافلة من رأيين لكاتبين، ما يستحق الوقوف والتحاور معه، غير أني لا أميل إلى الإطالة التي قد تبدو مملة، ولو كانت في صميم الأدب ومتعته وجمالياته، لأنه يرتقي بالذوق إذا كان جميلاً وبأداء جميل.!