أكد لنا آباؤنا رحمهم الله تعالى ألا ندخل في خصومة إلا إذا تملكنا أدواتها وتحققنا من صدق دعواتنا ووضعنا الغاية من تلك الخصومة منارا لنا ، كما أوصىى أساتذنا الأجلاء ألا نخوض في حوار مالم نتملك أبعاده وأهدافه وأساليبه المثلى والجزء الأكبر من المعلومات التي يقوم عليها الحوار حتى لا نفاجأ بالضعف والإنهزامية . في عام 1402 هجري وبالتحديد في شهر جمادى الأخرة الموافق لشهر إبريل من عام 1982 وقع أحد الكتاب العرب في مصيدة قوية لم تسعفه عقليته وما ناله من الشهرة من تجنبها ولم تمكنه ثقافته ورصيده في الكتابة من الخروج منها . إنه الكاتب والأديب اليمني د/ عبد العزيز المقالح والذي نشر مقالا بعنوان ( دفاع عن العقل والضمير العربيين – طه حسين والشك على الطريقة الأزهرية ) وذلك في مجلة العربي الكويتية الذائعة الصيت في عددها ( 218) كان يمكن أن يمر المقال دون أدني معارضة تهزه وتفقده القدرة على المساجلة والرد لولا أنه نال في مقاله من المفكر والأديب المشهور الأستاذ محمود محمد شاكر غفر الله له وهو غني عن التعريف والذي نال جائزة الملك فيصل العالمية رحمه الله بدأ الدكتور المقالح مقاله بعبارات توحي بأن دافعيته لتحرير المقال تتمثل في أنها ( محاولة متواضعة للدفاع عن العقل العربي والضمير العربي وعن بوادر النهضة الفكرية والثقافية ) وكانت بوابة المصيدة عبارة تتصدر المقال نصها ( من بين الاتهامات المبالغ فيها والمسؤول عنها طه حسين التهمة الثقيلة التالية – { إذا كان هناك تخريب في الثقافة المصرية فإن المسؤول عن هذا التخريب هو طه حسين لأنه بتشككه في الثقافة العربية قد أحدث نوعا من التفريغ في العقل العربي } والذي أطلق دخان هذه التهمة أستاذ جليل وباحث يحترم قراءه ويحترمه قراؤه وهو الأستاذ محمود محمد شاكر ) .. ويدخل المقالح في معالجة الموضوع بأسلوب دفاعي مسترسل خال من الوقفات العلمية التي تعطي المقال القوة والتأثير فكل ما فعله هو ربط منهج د/ طه حسين رحمه الله بمنهج أبي العلاء وغيرهم وأنه لم يكن بدعا في ذلك وإنه لم يكن أقل من بقية زملائه الأزهريين إسرافا في الخوض في قضايا النحو والصرف وعلم البيان. وأن محمد بن سلام الجمحي يشكل المدرسة الأولى التي تلقى عنها طه حسين أساليب الشك وأخبار الانتحال الشعري وأن بين منهج ديكارت ومنهج طه حسين بونا شاسعا منهج الأول فلسفي ومنهج الثاني أدبي صرف مما يؤكد عدم تتبع خطىاه وأنه قرأ لديكارت لكنه لم يتأثر بفكره أو منهجه بنفس الدرجة التي تأثر بها بمناهج الكتاب والمفكرين الإسلاميين ... وأن شك طه حسين شكا أزهريا و هو شك ابن سلام الجمحي و الجاحظ وهو شك إبي العلاء المعري. . ) أعتقد بأن د/ المقالح رغم قيمته الثقافية لم يقرأ عن محمود شاكر وعن معاركه الفكرية مع رموز الفكر في مصر آنذاك - لويس عوض الذي نال من الهجوم أكثر من غيره حتى ( تدخل الناقد الكبير محمد مندور عند شاكر ليوقف مقالاته ضد لويس دون جدوى، وأصاب لويس عوض الذعر والهلع من مقالات شاكر التي فضحته بين أوساط المثقفين، وكشفت عن ضعف ثقافته حتى في تخصصه في الأدب الإنجليزي حين كشف شاكر عن فساد ترجمته العربية لمسرحية الضفادع لأرسطوفان، وراح لويس عوض يطوف على المجلات والصحف يستنصرهم ضد شاكر ويزعم أن المعركة بينهما معركة دينية، ولم يتوقف شاكر عند كتابة مقالاته حتى أغلقت مجلة الرسالة نفسها – موقع إسلام أولاين ) وكذا طه حسين أستاذه والذي كان السبب في قبوله بالدراسات الأدبية في الجامعة رغم تخصصه العلمي . وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم . وسلامه موسى وغيرهم . ولم يقرأ المقالح كتاب محمود شاكر الشهير ( أباطيل وأسمار ) وكيف كانت قوة المواجهة التي رسمها مع الآخرين وحدد نتائجها . جاء رد محمود شاكر رحمه الله في المجلة بالعدد ( 284) أي بعد ثلاثة أعداد من صدور مقال المقالح . لقد رسم شاكر في رده على المقالح صورة نموذجيه وأعطى درسا في التحليل والتفنيد وتصحيح جملة من المغالطات والمنزلقات التي وقع فيها المقالح في مقاله . لم أرغب أن أورد تلك الأخطاء التي وقع فيها المقالح في معالجته للموضوع لأني قد أشرت إلى المرجع لمن يحب التأكد منها . وخرجت من التكرار بعرض مقتطفات من ردود شاكر عليها . كان عنوان الرد الذي رسمه شاكر قاسيا . منطلقا من منهجه رحمه الله فالعنوان ( فساد حياتنا الأدبية بين السخف والخطأ والتضليل ) . بدأ المقال بعبارة الواثق بقدراته وبموقعه في ساحة الفكر العربي ( شيء مخجل شيء مخجل جدا أن يكون أول ما أكتبه لمجلة العربي متعلقا بكلام نشر بها .... إلى أن يقول فهذه المجلة كما تحترم قراءها تحترم أيضا كتابها وتحسن الظن بهم وأن هؤلاء الكتاب لا يقدمون إليها إلا خلاصة صحيحة لعلمهم وأنا على ثقة من أن جهازها لا ينشر كل ما يكتبه اليها الكاتب وممن هب ودب بل تتحرى أن تنشر ما يكتبه المعروفون المشهود لهم بالأمانة والتمحيص وعلى رأس هؤلاء بطبيعة الحال حملة شهادة الدكتوراه الذين قطعوا مرحلة طويلة في ممارسة علومهم وتمرسوا بالدقة والأمانة فيما يبحثون . وكاتب هذه المقالة التي نشرتها مجلة العربي حامل لهذه الدرجة العلمية الرفيعة فجهاز المجلة لا يستطيع أن يفترض الشك فيما يكتب .... فأجازوا المقالة وهم على ثقة من أن كاتبها لم يخط حرفا مماكتب إلا بعد أن مر ما كتبه بمرحلة التمحيص والأمانة والإعداد السليم كما عودهم بقية الأساتذة الكتاب الذين ينشرون فيهاما يكتبون .. ولكل جواد كبوة ...) ثم يدخل شاكر في مناقشة القضية مشيرا إلى حديث المقالح المنشور في المجلة سابقا يحكي قصة شك طه حسين في الأدب الجاهلي العربي وأن الذي أطلق التهم وأسر طه حسين هو محمود شاكر .... في مدخل رده على المقالح يقول . ( وقبل كل شيء فليس من عادتي أيضا أن أرفع الناس فوق منازلهم ولا أن أضعهم دون منازلهم لا نصا بكلام أكتبه ولا استنباطا يمكن أن يستنبطه قارئ لما أكتب إلا أن يتوهم متوهم أشياء فأنا بالطبع غير مسؤول عن هذا التوهم ولا أملك أداة تحول بين العقول وبين التوهم كل ما أملك هو قلم أعبر به عن رأي أكته بألفاظ محددة صريحة بلا رموز ولا إشارات ... فإذا جاءكاتب كا لدكتور المقالح هذا يقول إني أتهم الدكتور طه حسين بتهمة تعطيه من التأثير أكثر مما تعطي للاستعمار والصهيونية وقوى التخريب المختلفة وتمنحه قدرة خارقة لم تكن عفاريت الأساطير تملك بعضا منها فهذا الجاني بلاشك عندي لم يقرأ لي شيئا قط أو قرأ ولم يفهم أو فهم شيئا عن طريق التوهم لا عن طريق الاستنباط من لفظي وكلامي فأنا قد عرفت الدكتور طه وقرأت له منذ كنت صغيرا في الرابعة عشرة من عمري سنة 1932م إلى أن توفي سنة1973م عرفته قارئا وتلميذا له في الجامعة ثم رجلا بيني وبينه من المودة مع بعد الشقة بيننا والاختلاف زمنا أطول من مدة القراءة والتلمذة فليس إذا بمستساغ ولا معقول أن أخالف عادتي فأرفعه فوق منزلته عندي ولا أضعه دون منزلته في نفسه وأنسب إليه هذه الخوارق. ) ثم يواصل أما التهمة التي ذكرها ووضعها بين الأقواس ( يقصد الجيل المفرغ ) فهي إشارة إلى ما كتبته في مقدمة كتابي ( المتنبي ) الذي كتبته قديما سنة 1936 فلما أعدت طبعه سنة 1977 كتبت هذه المقدمة وسميتها ( قصة الكتاب- لمحة من فسادحياتنا الأدبية ) وتعرضت فيها لما سميته التفريغ وهو اللفظ الموجود في التهمة التي بين الأقواس . وأنا مضطر هنا أن اتعرض لبيان مافي المقدمة لأنها هي التي جلبت علي هذا السيل من الألفاظ التي استعملها الدكتور المقالح وأعطت قراء مجلة العربي معلومات لا أصل لها عندي أي فيما كتبت مطبوعا منشورا في كتاب . ثم يستعرض رحلته مع كتابه وعلاقته وخلافه مع أستاذه طه حسين وفي طريق تعامل طه حسين مع الفكر بينه وبين طلابه على مدرجات الجامعة ومن خلال مقالاته إلى أن يقول ( ثم عقبت على هذا الذي قلته بما يلي { قد بينت في بعض مقالاتي أن الدكتور طه قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي بهذا الذي كتبه في سنة 1935 وببعض ما صارحني به بعد ذلك وصارح به آخرين من رجوعه عن هذه الأقوال ولكنه لم يكتب شيئا صريحا يتبرأ به مما قال أو كتب وهكذا كانت عادة الأساتذة الكبار !يخطئون في العلن ويتبرأون من خطئهم في السر .) وتناول ما قاله د/ طه في مفتتح مقالاته التي كتبها ونشرها بعد ذلك في حديث الاربعاء في الجزء الأول منه عن الشعر الجاهلي ورفضه الشعر القديم كله .. وسياقه شهادة د/ طه على الجيل المفرغ وذكر ( بأن شهادة د/ طه على اختصارها إنماهي وجه آخر لشهاتي التي كتبتها هنا . قالها هو من موقع الاستاذية وقلتها أنا من موقعي بين أفراد جيلي الذي أنتمي إليه . وهو جيل المدارس المفرغ من كل أصول ثقافة أمته وهو الجيل الذي تلقى صدمة التدهورالأولى. حيث نشأ في دوامة من التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي أشرت إليه في مقدمة المتنبي ص 45، 46 ) ثم يتحدث بإسهاب عن خلاصة مقولته عن الجيل المفرغ وأن أمر التفريغ منسوب إلى الاستعمار وقوى التخريب التي سيطرت عليه وعلى مجتمعه وعلى مدارسه الذي هو من جيله ونشأته مفرغا غير قادر على مجرد الفهم لثقافة أمته العظيمة التي صار هو خلفا لا يطيق الصبر على ما تركه له السلف من آبائه. لا بل لعله يرفضه بتظاهر وتعالم وسخف أيضا .. وهنا يتساءل .. أليس هذا واضحا جدا فيما اختصرت لك بألفاظه من مقدمتي لكتابي المتنبي والتي جعلتها أساسا لقصة هذا الكتاب . ويواصل ( ثم قلت بوضوح أن الدكتور طه قد تبين هذا الخطر الذي تولى كبره بعد تسع سنوات لا أكثر . فكتب أو املى شهادة على هذا الجيل المفرغ بعد أن فارق الجامعة وبدأ يسامي الأساتذة الكبار وفيهم الدكتور نفسه ويجابه ويرفض كل شئ . كتب د/ طه هذه الشهادة في سنة 1935 على هذه الأجيال المفرغة فكانت شهادة من أستاذ كبير شهدها من موقع الأستاذية وكانت فحواها مطابقة لشهادة واحد من هذه الأجيال التي تلقت – التفريغ في نظام دابلوب ومدارسه شهدها من موقعه في هذا الجيل ... فهل في شيء - والكلام لشاكر – من هذا يدل على أني وصفت د/ طه واتهمته بأنه هو الذي فعل ذلك التفريغ .....) وينهي الموضوع بقوله ( وهذا الكاتب كما قلت – بين ثلاثة أمور : إما أنه لم يقرأ لي شيئا قط ، وإماأنه قرأ ولم يفهم ، وإما أنه فهم شيئا عن طريق التوهم لا عن طريق الاستنباط من لفظي وكلامي ولا أحب أن أدع قارئ المجلة مترددا في اختيارخصلة من هذه الخصال الثلاث فلذلك سوف آتيه بالدليل القاطع على أنه لم يقرأ ما كتبت عن الدكتور طه وإنما هي الفاظ تلقاها من تخاليط المجالس على مقهى من مقاهي الثرثرة وذلك أنه قال بعد مانسبه إلي مباشرة ما يأتي : - لقد كان طه حسين زميلا أزهريا للأستاذ شاكر سبقه إلى ذلك المعهد العتيد وتعلم على مشايخه الأجلاء أساليب الحوار وطرائق الرفض والقبول وكانت ظروفه الاجتماعية وتكوينه النفسي يهيئانه لغير ما تئيأ له الأستاذ شاكر . فالذي يقول مثل هذا الخلط لا يمكن أن يكون قرأ ما كتبت ولم يفهمه ولا أن يكون فهم شيئا عن طريق التوهم ولا عن طريق الاستنباط لأني قصصت في خلال كلامي عن ( التفريغ ) جزءا من تاريخ حياتي ، منذ كنت طالبا صغيرا في مدارس دنلوب ، ثم في القسم العلمي حتى نلت شهادة البكالوريا ( الثانوية العامة ) ثم دخلت الجامعة ، ثم فارقتها ، وفارقت أرض مصر مدة سنتين ، ثم عدت لأسير سيرتي التي أنا فيها من يومئذ إلى الأن . فهل هذا هو ( الأزهر ) ، ولا أستطيع أن أتوهم أن حاملا للدكتوراه لا يستطيع أن يفرق بين ( مدارس دنلوب ) التي فرغتني وفرغت جيلي ، وبين لفظ ( الأزهر ) . - وفي تهمة أكبر من السابقة يقول شاكر ومع ذلك فأنا لا أنفي عن نفسي أني تهمت الدكتور طه حسين لا بتلك التهمة السخيفة بل بتهمة أشنع وأبشع من التهمة التي اختلقها هذا الكاتب فإن مقدمة كتابي المتنبي ( من ص 3 إلى ص 164) مبنية على شيئين . على قصة الكتاب الذي كتبته . وعلى ظواهر فساد حياتنا الأدبية وأكبر ظاهرة تعرضت لذكرها هي قصة السطو على أفكار الناس و أقوالهم ، وقلت أنها سنة سنها الأساتذة الكبار وأن هذا السطو أتي على أيديهم في صورتين . الأولى سنة تلخيص أفكار عالم آخر ( أعني العالم الأدبي ويقضي الأستاذ منهم عمره كله في هذا التلخيص دون أن يشعر أنه محفوف بالأخطار ، ودون أن يستنكف أن ينسبه إلى نفسه نسبة تجعله عند الناس أي عند العرب كاتبا ومؤلفا وصاحب فكر وهذا ضرب من التدليس كريه ( مقدمة المتنبي ص 163) وهذه خصلة شنيعة والأخرى سنة السطو المجرد ، حين يعمد الساطي إلى ما سطا عليه ويأخذه ويمزقه ثم يغرقه ويغرقه في ثرثرة طاغية ، ليخفي معالم ما سطا عليه ، وليصبح عند الناس صاحب فكر ومذهب يعرف به ، وينسب إليه كل فضله ( مقدمة المتنبي ص 163) وهذه خصلة أشنع من الأولى . ويواصل شاكر في عرضه إلى أن يقول وهذه الخلاصة التي ختمت بها مقدمتي ومنذ أولها – نتيجة لأشياء ذكرتها ، وأطلت في ذكرها وأسبابها ونتائجها وعلى رأسها قصتي أنا مع الدكتور طه حسين في الجامعة ، حين سمعت بأذني من فم الدكتور طه ، كلاما كنت قد قرأته بالإنجليزية في إحدى المجلات كتبه مستشرق غريب الشكل والعقل والأطوار يقال له مرجليوث فإذا الذي أسمعه هو نفس ما قرأته قبل أن أسمع ما سمعت ولكني سمعته بلفظ عربي مستجاد وبإلقاء استاذ بارع تصغي إليه فيأسرك لفظه والقاؤه ، وهو الدكتور طه أستاذ الأدب العربي عند أول دخولي الجامعة ، لكن فتنة هذا الأستاذ الكبير لم تمنعني يومئذ ( سنة 1926) وأنا طالب صغير أن أقول لزملائي وأساتذتي وللناس أن هذا سطو غير لائق على مقالة المستشرق الأعجمي وأن الجامعة مكان للبحث والمناقشة لا مكان للسطو على أعمال الناس ..... ويذكر محمود شاكر أنه كان يناقش جملة من المستشرقين ويصارحهم بعملية السطو أمثال ثلينو وجويدي وكانا يعرفان ذلك لكنهما يداريان إلى أن عزم على العزلة حيث ترك مصر بكاملها ليتفرغ من أجل أن يستبين له وجه الحق في قضية الشعر الجاهلي .وكتب عن ذلك السطو في عدد من المجلات وقد حاول عدد من الأشخاص يحولو بينه وبين ترك الجامعة فاشترط بأن ينصحوا طه حسين بأن يصرح بنسبة هذا الذي قاله إلى صاحبه مرجليوث فإن فعل ذلك فإنه يرجع للجامعة وبذا يتضح بأن كلام المقالح - حسب قول شاكر – في أن شك طه حسين كان شكا أزهريا لا أساس له من الصحة وليس شكا بأي نمط وإنما هو عملية سطو لا غير بدليل أن طه حسين لم يؤلف كتابا واحد بعد ذلك عن هذا الشك أو يضمنه أحد كتبه فيما بعد وهذا شيئ غريب حسب قول شاكر . وعملية السطو الأخري حسب ذكر شاكر ( فإني نشرت كتابي عن المتنبي أول مرة في المقتطف ( يناير 1936) وبعد سنة أو أكثر ( يناير سنة 1937) فاجأني الدكتور بكتابه ( مع المتنبي ) فرأيت وأنا أقرؤه أنه لم يفارق عادته التي اعتادها وأنه وضعني تحت أبطه وهو يملي كتابه فيسألني عن منهجي في كل قضية تخص المتنبي فإذا فرغت سار على الدرب فرحا ومتفكها ومعاكسا ومستخرجا لفيضي إلى آخر ما قصصت من القصة . قصة السطو على كتابي . وأيضا لم يؤلف بعد ذلك كتابا عن شاعر من الشعراء غير كتابه مع المتنبي يحمل ذرة واحدة من هذا المنهج الذي يزعم للناس أنه منهجه في دراسة الشعراء وهذه بالطبع - حسب رأي شاكر - غريبة أيضا ويواصل تأكيده بالحديث عن جملة من المقالات التي نشرها يومئذ لنتهي بالقول ( والآن أدع لقارئ مجلة العربي حرية الحكم والتعبير فهو حر في اختيار اللفظ الذي يناسبه في وصف ما كتبه الاستاذ الفاضل حامل الدكتوراه وأشباهه أما أنا فأكتفي بأن أقول أنه كلام خطأ كله وأنه كلام مضلل وأسأل الله العافية من البلاء ... إنتهي ) بنظرة تحليلية سريعة على مسار المقال نستنتج . - أن الأفكار والتهم والأدلة والبراهين التي ساقها الأستاذ محمود شاكر تحتمل نسبة عالية من الصحة والثبات حيث أنه عرض هذه القضية بملابساتها في حياة الدكتور طه حسين وليس بعد وفاته وفي أوج عزه وانتشار أفكاره وكثرة أنصارة وحجم منصبه الوظيفي فلو جاء المقال متأخرا لقيل بأن القضية تحتمل الخطأ لغياب الطرف الأخر الذي قد يفند هذه الدعاوي . - أن المقالح قد جنى على أستاذه الدكتور طه حسين وعلى نفسه أيضا حين أثار القضية مرة أخرى دون أن يملك أدلة تغير من معالم الصورة أو استقصاء يحول دون الوقوع في الأخطاء ودون قراءة لسيرة الأستاذ محمود شاكر الذي يمتلك أدوات الحوار وكامل الحقبقة . - لم يدخل أي كاتب أو أديب في التعقيب والتوضيح إما لمعرفتهم بالأستاذ شاكر وتمكنه أو لإيمانهم بالصورة التي عرضها شاكر . كما أن د/ المقالح لم يعقب على المقال وإنما تجاهل الأمر حسب علمي وانتقل لمواضيع أخرى متتابعة في المجلة عل القارئ الذي تابعها ينسى الموقف وتلك نهاية معقولة يعمل بها كثير من الكتاب الذين لا يملكون أدوات الحقيقة . - لقد كان محمود شاكر رحمه الله شديد الاعتزاز وعفيف النفس إذ أنه لم يكن يأخذ شيئا على مقالاته التي يكتبها، فأعاد لمجلة العربي الكويتية سنة 1982م مائة وخمسين دولارا نظير المقالة التي كتبها في رده على د/ المقالح حول طه حسين – موقع إسلام أولاين ) عبد البرحمن بن صالح المشيقح newarabedu.com