الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد حظيت المدينتان المقدستان عند المسلمين؛ مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بنصيب الأسد من المؤلفات في التراث الإسلامي.وما ذاك إلا للمنزلة الكبيرة لهاتين المدينتين في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والمدينة النبوية هي مهاجر الرسول- ژ-، وفيها المسجد النبوي الشريف أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وفي ثراها دُفن جسده الطاهر- عليه الصلاة والسلام- وهي عاصمة الإسلام الأولى، ومنها انطلقت أعماله ودعوته وجهاده عليه الصلاة والسلام.ولقد حرص العلماء والمؤرخون على تدوين تأريخ هذه المدينة والإشارة إلى كل معلم من معالمها، وتعددت المؤلفات والبحوث والدراسات قديما وحديثا بحيث يصعب على الباحث حصرها، وإن الناظر في كتابين اعتنيا بتدوين ما ألف عن المدينة قديماً وحديثاً وهما: معجم ما أُلف عن المدينة قديماً وحديثاً للدكتور عبدالرزاق الصاعدي، وكتاب: المدينةالمنورة في آثار المؤلفين والباحثين قديماً وحديثاً للدكتور عبدالله عُسيلان، ليتملكه العجب وتستولي عليه الدهشة من كثرة المؤلفات والبحوث والدراسات عن هذه المدينة. ومن تلك المؤلفات ذات القيمة التأريخية، كتاب (المغانم المطابة في معالم طابة) تأليف العلامة اللغوي، المؤرخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي الشافعي صاحب القاموس المحيط. وهو أوسع مصدر لتأريخ المدينة - باستثناء مؤلف السمهودي.. وأذكر بإيجاز - بعض خصائص هذا الكتاب:(*): 1 - كثرة المصادر وتنوعها، حيث جمع المؤلف مادة كتابه من عدد كبير من المصادر، بعضها مفقود. 2 - حسن التبويب والترتيب، حيث قسَّم المؤلف كتابه إلى أبواب وفصول ومباحث ومطالب، فجاء كتابه منضبطاً في التبويب والترتيب. 3 - توثيق المعلومات بالمشاهدة والسماع، حيث لم يقتصر مؤلَّف الكتاب في مصادره على المؤلفات فقط، بل اهتم بالمعلومات المستمدة من الرؤية والسماع، وحرص على ذلك على سؤال أهل العلم والعامة - إن لزم الأمر - مع المكاتبة لبعضهم. * وهذا الكتاب مع أهميته إلا أنه بقي مخطوطاً حبيس الأرفف منذ أن انتهى منه مؤلفه إلى عصرنا الحاضر. إلى أن قيّض الله للعلامة حمد الجاسر - رحمه الله - الوقوف على مخطوطته، حيث عرف بالكتاب، وحقق الباب الخامس منه، وهو المتعلق بأماكن المدينة ومساكنها، ويمثل ثلث الكتاب تقريباً وصدر عن دار اليمامة عام 1398ه. أما بقية أبواب الكتاب المتعلقة بتأريخ المدينة وأعلامها فقد بقيت دون تحقيق أو نشر تنتظر أن تطالها أيدي الباحثين ممن لهم اهتمام بتأريخ المدينة. ولما كان الكتاب - في نظري - يعتبر ضخماً ويحتاج إلى أن يتوافر على خدمته عدد من الباحثين في مجالات متنوعة، فهو يحتاج إلى المتخصص في التأريخ والآثار بالإضافة إلى حاجته إلى تخريج أحاديثه وآثاره، ولا غنى عن متخصص في العقيدة إذ يوجد في الكتاب بعض العبارات المخالفة والمعارضة للقواعد الشرعية. لما كان الأمر كذلك، فقد كان من حسنات مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة أن وجه عنايته إلى نشر البحوث والدراسات التي لها اهتمام خاص بتأريخ المدينة. وقد تم اقتراح تحقيق الكتاب المذكور من قبل المجلس العلمي للمركز ووافق على ذلك مجلس الإدارة برئاسة سمو أمير منطقة المدينة النبوية.وتم تحقيق الكتاب وإنجاز ذلك على أيدي عدد من المحققين من ذوي الخبرة والدراية حتى تم إنجازه على أسس علمية وصدر في ثوب علمي قشيب في أربعة مجلدات. أما المجلد الأول: فيتضمن ترجمة المؤلف، ومكانة هذا الكتاب، ومنهج التحقيق، ووصف المخطوطة الوحيدة، وتنبيه مهم، ومقدمة المؤلف، بالإضافة إلى الأبواب الأربعة الأولى. الباب الأول: في فضل الزيارة الشريفة وآدابها، وبيان وجوبها وذكر شيء من لطائفها.. إلخ. وفي فضل المجاورة، وآداب الزائر. الباب الثاني: في تأريخ البلد المقدس وذكر من سكنه.. ونبذ من تأريخ المدينة المقدسة والمسجد الشريف والروضة المطهرة. الباب الثالث: في ذكر أسماء المدينة المقدسة ومعانيها، وبيان اشتقاق ألفاظها من مصادرها ومبانيها. الباب الرابع: في ذكر الفضائل المأثورة، وما ورد من الأحاديث والآثار، وفي فضل المسجد الشريف والروضة والمنبر، وفي ذكر بناء المسجد الشريف ما حدث فيه إلى زماننا، وذكر الدور التي كانت حول المسجد الشريف. المجلد الثاني: وفيه بقية فصول ومباحث الباب الرابع وفيه: ذكر الحوادث التي حدثت في المسجد الشريف، وظهور نار الحجاز، وذكر منبر النبي- ژ- ومحرابه الكريم. وذكر مقبرة البقيع بالمدينة وما ورد في فضلها وتسمية المشاهد المعروفة. ثم ذكر سائر المساجد التي صلى فيها النبي- ژ- بالمدينة وأعراصها والتي صلَّى فيها في أسفاره وغزواته، وبين مكةوالمدينة. الباب الخامس: في ذكر أماكن المدينة على ترتيب حروف الهجاء، وفيه الحروف (أ - ظ). المجلد الثالث: وفيه بقية الحروف (ع - ي). والباب السادس: في ذكر جماعة أدركهم المؤلف بالمدينة، أو ذكر له أشياخه المدنيون أنهم أدركوهم على اختلاف طبقاتهم، وفيه الحروف (أ - ي). ثم عرض لمسألة حكم الحجر الشريفة، وعقد فصلاً لحكم قناديل المدينة المصنوعة من الذهب والفضة. وأخيراً الكلام على بيع قناديل الذهب التي بالحجرة. أما المجلد الرابع: فهو خاص بالفهارس العلمية، وفيه سبعة فهارس شاملة للكتاب وهي: فهرس الآيات القرآنية. فهرس الأحاديث والآثار. فهرس الشعر. فهرس الأعلام. فهرس الشعوب والقبائل. فهرس الأماكن. فهرس الكتب. جوانب إيجابية في التحقيق: 1 - توافر على تحقيق الكتاب مجموعة من الباحثين المتخصصين من ذوي الخبرات العلمية، وبهذه المناسبة أوجّه نداء إلى أن تحذو المؤسسات العلمية والمراكز المتخصصة في بلادنا الغالية حذو مركز بحوث ودراسات المدينة النبوية في توجيه القدرات العلمية المتخصصة إلى تحقيق كتب التراث، ومن ثم العمل على نشرها بالصورة التي تليق بها. 2- حسن الطباعة والإخراج وجودة الورق. 3 - المتأمل في الكتاب يدرك أن هناك جهداً كبيراً بُذل من قبل المحققين. 4 - التعليق على المسائل العقدية في الكتاب وبيان البدع التي وقع فيها المؤلف تقليداً لغيره. ومن الملاحظات التي لا تغض من قيمة العمل: 1 - لم يتم تحديد نصيب كل واحد من الباحثين والعمل الذي قام به، وذلك ليكون لهذا الباحث غُنْم عمله وعليه غُرْمه. خذ مثلا: 1 - 4 في ترجمة المؤلف هامش رقم (5) قال الباحث: لم أعثر على ترجمته في المراجع التي بين يديّ فمن قائل هذا الكلام؟؟ وفي 1 - 8 هامش رقم (1) قال المحقق عن (الحلف) و(الحليف) لم أجد تحديداً لهذا الموضع، والله أعلم. قلت: لم لا يكون هذان الموضعان بالخاء المعجمة أي (الخلف) و(الخليف) وهما موضعان معروفان في بلاد غامد وزهران على بعد ستة أيام من مكة. 2 - جاء في المجلد الأول في بيان التحقيق ص - 35 ذكر الفهارس العلمية التي قام المركز بإعدادها، وحيث ورد برقم 8) فهرس المصادر، ولكن هذا الفهرس لم يرد مع الفهارس في المجلد الرابع، وربما يكون قد سقط. والله أعلم. 3 - كان الأولى ذكر من قام بتمويل طباعة الكتاب وجعله وقفاً لله تعالى على غلاف الكتاب من الخارج حفظاً لحق ذلك الرجل، وهو السيد حبيب محمود رحمه الله. آمل أن يستدرك ذلك في طبعة لاحقة للكتاب، لاسيما والرجل قد أفضى إلى ربه. 4 - عدم مطابقة الأرقام للهوامش في بعض الصفحات. انظر مثلاً: ص 44 هامش رقم (4) أين الرقم في المتن؟ والظاهر أنه هامش رقم (1) في الصفحة المقابلة (45). ص 45 الهوامش الثلاثة غير مطابقة لما في المتن. ص 46 الهوامش لا تطابق الأرقام في المتن كلها. والأمر كذلك في الصفحات 47، 48، 49، 50، 51 وهلمَّ جرا، فالمواضع بحاجة إلى تتبع. وبعد: فإن هذه الملاحظات لا تغض من قيمة العمل، ولا من قيمة الجهد المبذول. وختاماً: أرجو من الله عز وجل أن ينفع بهذا الكتاب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (*) انظر 1 - 30 - 32 من مقدمة التحقيق مع اختصار بتصرف. كتبه: راشد بن عامر الغفيلي