انطلاق برنامج "أخصائي الاتصال التنموي" لتعزيز قدرات القطاع غير الربحي    مدير مكتب صحيفة "الرأي" بجازان يحتفل بتخرج نجله مجاهد من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة جازان    فايزر السعودية والجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد توقعان مذكرة تفاهم    "الصحة" تطلق المسح الصحي العالمي 2025    "المياه الوطنية" تبدأ تنفيذ 4 مشاريع بالجوف    قوات الاحتلال تنفّذ عمليات هدم في رام الله والخليل    الفريق الفتحاوي يواصل استعداداته لمواجهة الشباب.. وقوميز يعقد مؤتمرًا صحفيًا    كشف النقاب عن مشروع «أرض التجارب لمستقبل النقل» في السعودية    كارلو أنشيلوتي يتفق مع منتخب البرازيل    رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    ولي العهد يتبرع بمليار ريال دعماً لتمليك الإسكان    وفاة «أمح».. أشهر مشجعي الأهلي المصري    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    المنتخب السعودي للخماسي الحديث يستعد لبطولة اتحاد غرب آسيا    نادي الثقبة لكرة قدم الصالات تحت 20 سنة إلى الدوري الممتاز    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    كلاسيكو نار في نصف نهائي نخبة آسيا للأبطال.. الأهلي والهلال.. قمة سعودية لحجز مقعد في المباراة الختامية    رافينيا: تلقيت عرضا مغريا من الدوري السعودي    الفالح: 700 فرصة استثمارية في الشرقية بقيمة 330 ملياراً    أمير مكة: دعم سخي يؤكد تلمس حاجات المواطن    توجّه دولي يضع نهاية لزمن الميليشيات.. عون:.. الجيش اللبناني وحده الضامن للحدود والقرار بيد الدولة    الضيف وضيفه    شدّد على تأهيل المنشآت وفق المعايير الدولية.. «الشورى» يطالب بتوحيد تصنيف الإعاقة    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    السعودية ومصر تعززان التعاون الصناعي    حكاية أطفال الأنابيب (2)    وزارة الداخلية تواصل تنفيذ مبادرة "طريق مكة" في (7) دول و(11) مطارًا    استعراض منجزات وأعمال "شرف" أمام أمير تبوك    «الشورى» يقر توصيات لتطوير مراكز متخصصة للكشف المبكر لذوي الإعاقة والتأهيل    محمد بن عبدالرحمن يلتقي نائب "أمن المنشآت"    بيئة جدة تشارك في فعالية «امش 30»    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    6.47 مليارات ريال إيرادات المنشآت السياحية في 90 يوما    GPT-5 وGPT-6 يتفوقان على الذكاء البشري    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    أمير المدينة المنورة يدشّن المرافق الحديثة للمتحف الدولي للسيرة النبوية    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي لمراكز التميز لمكافحة الإرهاب    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    محافظ تيماء يرأس الجلسه الأولى من الدورة السادسة للمجلس المحلي    بلدية مركز شري تُفعّل مبادرة "امش 30" لتعزيز ثقافة المشي    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة ال 46 من جامعة الملك فيصل    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحقيق في تاريخ أو توقيت حروب الملك عبدالعزيز لتوحيد الجزيرة العربية بمقارنة المصادر المطبوعة بالوثائق المخطوطة
نشر في الجزيرة يوم 23 - 05 - 2004

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} سورة الأحزاب (23)، لقد خلد التاريخ ذكرهم، وأن آثارهم المادية والمعنوية دالة عليهم، فهي تحكي سيرة رجال عاهدوا الله تعالى أن يسيروا على هدي كتابه وسنة نبيه، فزادت دولتهم قوة إلى قوة عددها وعددها، وسمت نفوسهم على الماديات إلى معنويات، فأصبح هدفهم واحدا وهم مستميتون في سبيل تحقيقه، ومن هؤلاء القادة الملك (عبدالعزيز)- رحمه الله- فهو الذي وجد قومه متفرقين يغزو بعضهم بعضا فوحدهم، ووجد الدخيل الأجنبي يحاول أن يجعل له موطئ قدم، فأبى إلا أن يحقق ما يصبو إليه وهو طرد الأجنبي، وتوحيد الجزية العربية، ورسم خطة حكيمة لتحرير البلاد وتوحيدها تحت راية (لا إله إلا الله) فكان الله في عونه وعون أبنائه وأتباعه وأعوانه وقومه الذين التفوا حوله يدافعون عن بلادهم، ويعيدون الحكم لأهله. فوحد البلاد وأمن طرق العباد ورزقهم الله من فضله، حتى أصبحت الدولة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
ولما كان التاريخ في اللغة هو التوقيت، فيقال أرخ الكتاب يؤرخه أي وقته وجعل له تاريخاً، فالتاريخ تعريف الوقت (1)، أما علم التاريخ: فيتضمن ذكر الوقائع، ولا سيما ما كان منها متعلقا بالقبائل والأقاليم مع تعيين أوقاتها، وبيان أسبابها ومسبباتها، ولتوخي الدقة في تسجيل هاتيك الوقائع، لابد من الاعتماد على من يكون قريبا من (زمان ومكان) الوقعة التي شهد وقوعها بشكل مباشر، فهو في الغالب أكثر دقة في تدوين الحوادث من البعيد في الزمان أو المكان أو فيهما معا، مع العلم أن كثيرا ما يفتقد المؤرخ القريب من الحادثة زمانا ومكانا إلى الدقة والأمانة، وبخاصة في القضايا التي تتعلق بالعقيدة الدينية أو المذهبية أو السياسية.
ومصادر التاريخ كثيرة ومنها: (الوثائق) و (الكتب المخطوطة والمطبوعة).
ولا شك أن (الوثائق) من المصادر الأولى في كتابة التاريخ وإن اختلفت في أهميتها وفقا للزمان والمكان الذي وقعت فيه الحوادث، أو بما تحويه من معلومات عن أشخاص أو مواضع أو وقائع تاريخية، فمن الوثائق: التقارير والرسائل التي يكتبها الحكام والسفراء والقناصل والمعتمدون السياسيون والوكلاء اعتماداً على مخبريهم، وهنا، يدخل فيها عامل التحيز المقصود أو غير المقصود لأنهم يكتبون والحالة هذه وفقا لمنظورهم أو سياسة البلاد التي ينتمون إليها، وأحيانا يكتب لهم الخبر شخص لا يتحرى الدقة في كتاباته فتأتي مخالفة للحقيقة أو بعيدة عنها، ولما كان الباحث في التاريخ يبحث عن الحقيقة أينما كانت ليصل إلى القرار النهائي، فالوثيقة هي التي تكشف عن حقيقة الماضي سواء كانت مكتوبة بالحروف أو كانت خريطة أو صورة على ورق، أو مصورة على شريط مرئي أو مسموع أو محفورة على حجر، أو نحو ذلك فهي التي تدل الباحث على الحقيقة المنشودة، ومن هنا ظهر الاهتمام بالوثائق والحفاظ عليها وتخزينها على ميكروفيلم وعمل فهارس لها، وكلما كانت الوثائق أو الرسائل مكتوبة بخط أصحاب الشأن أو مختومة بأختامهم وكتبت بنفس الزمان موضوع البحث، وبنفس المكان كانت في الغالب أكثر دقة، واعتمد عليها الباحثون إلى حد كبير، لأنها تؤرخ أحداثاً وتصف وقائع وصفاً قريبا من الحقيقة إن لم تكن هي الحقيقة نفسها، لأنها تمتاز والحالة هذه بالدقة في التوقيت والوضوح في الوصف وكتبت من شاهد عيان.
وعودا على بدء ففي الحلقة الاولى حققنا ما تطرق له بعض الباحثين حول توقيت استعادة الملك عبدالعزيز- رحمه الله- لبعض المواضع حين قام بتوحيد الجزيرة العربية، والآن سوف نستعرض تاريخ أو توقيت استعادة الملك عبدالعزيز (للأحساء)، وذلك بعرض ما ورد في بعض الكتب المطبوعة وبعض البحوث المقدمة في مؤتمرات، أو منحوا درجات علمية عليا، ونقارنها برسائل عثرنا عليها بخاتم (الملك عبدالعزيز) باللون الازرق، أو بختم أخيه (محمد بن عبدالرحمن آل فيصل) ومن بعض سكان الأحساء الذين استقبلوا الملك عبدالعزيز وهو يحرر بلادهم من الدخيل الاجنبي.
ومن هؤلاء (عبدالرحمن بن طلال الجبر) و (حسن بن جبر الجبر) و (إبراهيم بن عبدالرحمن بالغنيم، والحافظ، العجاجي، والقصيبي، ويوسف بن سويلم، وبنو هاجر وغيرهم)، لقد كتب الملك عبدالعزيز خطابا إلى شيخ البحرين وهو ينعته (بالوالد) في جميع رسائله فيقول: من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم بهي الشيم الوالد المكرم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أدام الله تعالى وجوده وأبقاه آمين..
بعد إهداء مزيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، على الدوام مع السؤال عن شريف خاطركم العاطر لازلتم بكمال الصحة وأوفر السرور، أحوالنا من كرم الله جميلة، بعده نعرف جنابكم أنه بهذه الأيام أهل الحسا اشتكوا لنا مما لحقهم من الضرر بدينهم ودنياهم بموجب الفساد والتعدي لا من حكومتهم ولا من البادية. وأيضا ما يخفاكم ما جرى علينا من الدولة ومناصيبها الشريف وأجناسه. وصرنا مجبورين بمراعاة حقوقنا والحمية لرعيتنا، وهمينا بالحسا وأعاننا الله عليه، وتولينا عليه بأهون حال من فضل الله، والعسكر الذي فيه أمناهم، وتركنا لهم جميع الذي يخصهم من الحلال، أيضا أعطيناهم سلاحهم الذي بيديهم لموجب احترام الدولة والشيمة العربية، فلما رأينا ما منَّ الله به علينا من الظفر واسترجاع ممالكنا السابقة أحببنا بشارتكم بذلك، لاعدمنا وجودكم هذا ما لزم تعريفه والرجاء إبلاغ السلام والأولاد ومن لديكم عزيز، ومن عندنا الاخوان والسعود يسلمون ودمتم محروسين والسلام 2ج2 - 1331ه (2).
هذا نص الرسالة الصادرة من الملك عبدالعزيز بتاريخ 2 جمادى الآخرة عام 1331ه الموافق في 9 مايو 1913ه والموجهة إلى شيخ البحرين، ومثلها رسالة صادرة من الأمير محمد بن عبدالرحمن آل فيصل مؤرخة بنفس اليوم والشهر والسنة، وموجهة لشيخ البحرين أيضاً، ورسالة أخرى موجهة إلى ابن شيخ البحرين، وبنفس التاريخ، وكلها تؤكد استعادة الأحساء بأهون حال من فضل الله، وجميع أهل الأحساء صاروا ممنونين، وحين رجوعنا إلى بعض الرسائل التي كتبها معاصرون من أهل الأحساء، ومنها رسالة موجهة إلى شيخ البحرين من (حسن بن جبر الجبر) مؤرخة في 3 جمادى الآخرة 1331ه الموافق 10 مايو 1913م وفيها: نبشرك ونهنئك بعز الإمام عبدالعزيز ونصره، فقد تولى الأحساء في ليلة الاثنين ثامن وعشرين من الشهر الماضي (جمادى الأولى) 1331ه الموافق 5 مايو 1913م الساعة ست ونصف، هكذا أكدت هذه الرسالة استعادة الأحساء بدقة التوقيت مساء ، وذلك بذكر الساعة واسم اليوم وتاريخه، ثم الشهر والسنة قوله: وهجم الإمام عبدالعزيز الكوت بنفسه، ومعه مائتا نفر، وتولى البروج وأهلها. أما رسالة (عبدالرحمن بن طلال الجبر) فقد أكد أن استعادة الأحساء بتاريخ 28 جمادى الأولى ليلة الاثنين الساعة ست من الليل، وقال: واستولى الشيوخ بقيادة الإمام عبدالعزيز على الكوت في الساعة السابعة والنصف مساء، والتجأ العسكر إلى القلعة كوت ابراهيم، والعصر طلبوا الأمان فأمدهم الشيوخ واعطوهم جميع ما هو لهم من الحلال، وما صار شيء لا سلب أموال، ولا قتل نفوس.. إلى أن قال وجميع أهل الاحساء (ممنونين) من الشيوخ وفي رسالة حررها (إبراهيم بن عبدالرحمن بالغنيم) أرسلها إلى شيخ البحرين، وأرخها في الثلاثين من جمادى الأولى 1331ه الموافق 7 مايو 1913ه ويقول: وعبدالعزيز يسر الله له ونال أمر ما أحد ناله، لا قاتل ولا مقتول، ولا ناهب ولا منهوب، وأنعم على الناس بالعفو والإحسان.
وعند رجوعنا للمصادرالمطبوعة تكاد تتفق على تاريخ واحد لاستعادة الملك عبدالعزيز للأحساء وهو: في (الخامس من شهر جمادى الأولى.. 1331ه الموافق 1913م)، وذكر البعض الآخر الموافق في 13 نيسان (ابريل) 1913م3، وفصل البعض دخوله الأحساء بعد غروب الشمس بثلاث ساعات من الليلة الخامسة من جمادى الأولى 1331ه الموافق في 13 نيسان (ابريل) 1913م ، حين أعطى الملك عبدالعزيز أوامره لرجاله بالهجوم، ومعهم وسائل لتسلق الأسوار، وقد نجح المهاجمون وسيطروا على أسوار المدينة ومن ثم نادى المنادي بأن الحكم لله ثم لابن سعود(4).
ولدى مقارنة الكتب المطبوعة مع الرسائل المعاصرة للأحداث ثبت لدينا ما ذكرته الوثائق، ومنها رسالة الملك عبدالعزيز قائد الحملة حين أعطى سبب قيامه بتحرير الأحساء بقوله: وبعده نعرف جنابكم أنه بهذه الأيام أهل الحسا اشتكوا لنا مما لحقهم من الضرر بدينهم ودنياهم بموجب الفساد والتعدي لا من حكومتهم ولا من البادية.
وسبب آخر أن الأحساء جزء من الجزيرة العربية التي حكمها آل سعود من قديم الزمان، ثم استولى عليها الأجانب، فابن سعود قام بتحريرها وإعادتها لأهلها ويقول: وصرنا مجبورين بمراعات حقوقنا والحمية لرعيتنا، وهمينا بالحسا وأعاننا الله عليه، وتولينا عليه بأهون حال من فضل الله، والعسكر الذي فيه أمناهم، وتركنا لهم جميع الذي يخصهم من الحلال وأيضا أعطيناهم سلاحهم الذي بيدهم لموجب احترام الدولة والشيمة العربية، فلما رأينا ما منَّ الله به علينا من الظفر واسترجاع ممالكنا السابقة أحببنا بشارتكم بذلك.
هذه سياسة الملك عبدالعزيز إنها مستمدة من تعاليم الدين القويم وسنة الرسول عليه الصلاة والتسليم، فهو يهب لنصرة بني قومه محارباً الفساد، ولا يرضى بالتعدي عليهم، وما كان من سكان الأحساء إلا أن لبوا داعي الجهاد فانضموا لجيشه، وهم مستبشرون بقدوم الملك عبدالعزيز الذي جاء لتحرير البلاد بعد أن أخبروه بالمسالك والطرق، ومواضع الجند المرابط في الأحساء فاستطاع أن يفتح البلاد بسرعة لأنه بمعرفة الأحوال العسكرية للعدو كسب نصف المعركة قبل أن يباشرها، وحدث الفتح دون قاتل ولا مقتول، ولا ناهب ولا منهوب، كما كتب أحد المعاصرين من أهل الأحساء، حتى العسكر العثماني أعلن الملك عبدالعزيز لهم الأمان، وحلالهم وسلاحهم الذي بأيديهم تركها لهم. وهذه الشيمة العربية ورثها من أجداده، ومن بيئته النجدية الكريمة، وهو السياسي المحنك الذي يحترم مكانة الدول، لذا فقد احترمته كعاهل موحد للجزيرة العربية تعمل مع الجميع باحترام وتقدير.
لقد أرخ الملك عبدالعزيز رسالته في الأول من جمادى الثانية 1331ه، ذكر فيها تحرير الأحساء واستعادتها لحكم آل سعود، واستقبال هذا الفتح من أهلها استقبالا لا مثيل له، وهو يبشر شيخ البحرين باستعادة الاحساء بتاريخ 28 - جمادى الاولى 1331ه، كما ورد في رسائل معاصريه من اهالي الأحساء ومنهم (حسن بن جبر الجبر) و (عبدالرحمن بن طلال الجبر) الذين وقتوا تاريخ استعادة الأحساء من قبل الملك عبدالعزيز بالساعة واليوم والشهر والسنة، وتلك لعمري في منتهي الدقة في التوقيت، لذا فلا حاجة لنا لتكرار ما كتبته كثير من الكتب والبحوث بأن تاريخ فتح الأحساء حدث في الخامس من جمادى الاولى 1331ه، ولما كان التاريخ رواية ودراية، فالرواية رواها لنا قائد الحملة الملك عبدالعزيز، وما وصلنا من رسائل تؤكد تاريخ لحمله بدقة متناهية، أما الدراية فهي أن ابن سعود كتب لشيخ البحرين يبشره بتاريخ 1 جمادى الثانية 1331ه أي بعد يومين من فتح الأحساء، وليس من المعقول ان الفتح قد حدث في الخامس من جمادى الاولى، ثم يبشره في الاول من جمادى الثانية أي بعد خمسة وعشرين يوماً، ومثله الأمير محمد بن عبدالرحمن آل فيصل في رسالته المؤرخة في الثاني من جمادى الثانية 1331ه، وكذا الجبر وبالغنيم، ويبدو لنا أن الكثير من المؤلفين والباحثين يقعون في الخطأ حين ينقل البعض عن البعض الآخر دون التحري والتحقيق والبحث عن المصادر الأصلية خاصة الوثائق المعاصرة للاحداث.
هذا من حيث تحقيق توقيت أو تاريخ هذا الحدث، وهو فتح ابن سعود للاحساء أما ما ورد في الرسائل المعاصرة لهذا الحدث التاريخي من أن عدد القتلى من ربعنا والقول لعبدالرحمن بن طلال الجبر- ثلاثة ومثلهم ثلاثة مصاويب، وأن العسكر قدر ستة قتلى وثلاثة مصاويب. أما حسن بن جبر الجبر فذكر أسماء نفرين هما عبدالمحسن ابن سويلم وابن مروان والرباعي صويب، بينما لم تذكر ذلك ما تيسر لنا من الكتب المطبوعة، كما ورد عدد المقاتلين مع ابن سعود في رسالة أنهم مائتان، بينما ذكرت بعض المصادر أنهم ستمائة، وفي قول أربعمائة، ولم يذكر ابن سعود في رسالته عدد رجاله في استعادة الاحساء، والملاحظ بأن العدد سواء كان ستمائة أو أربعمائة أو مائتين، وكلها بتمام المئات مما يظن أن هذا من قبيل التخمين، خاصة بأن قائد الحملة ومدبرها ومخططها ومنفذها ابن سعود لم يذكر عدد رجاله، وأكد (وليام هنري شكسبير) ما ذكرته مصادر كثيرة حول سرعة استعادة الملك عبدالعزيز للاحساء فقال حين مر (شكسبير بالملك عبدالعزيز)، وكان مخيماً بالخفس 1331- 1913م، يجهز قواته قبل الانطلاق للأحساء، ومكث معه في المعسكر لمدة خمسة أيام.
وبعد عودته رفع تقريره إلى (السير برسي كوكس) الذي علق عليه قبل أن يرفعه إلى حكومة الهند بالآتي:
لقد استولى ابن سعود على الاحساء بدون صعوبة تذكر، وذكر شكسبير في تقريره أنه قد فوجىء بسرعة استيلاء الملك على الاحساء، وكيف أنه لم يكن ليختار أحسن من هذا التوقيت للقيام بذلك، وقد أدار الأمر بحكمه من خلال اتصاله برجالات الأحساء (5).
ولكن شكسبير لم يحدد تاريخ استعادة إقليم الأحساء باليوم والشهر، بل قال في عام 1331ه- 1913م.
لقد أمر الملك عبدالعزيز رجاله ألا ينزعوا من أي جندي عثماني سلاحه، وأمر بالركائب وعيالهم فرحلهم إلى العقير، وأرسل معهم أحمد بن ثنيان يخفرهم ويؤمن طريقهم(6).
الخلاصة، يقتضي تصحيح تاريخ استعادة ابن سعود للاحساء في 28 جمادى الاولى 1331ه الموافق للخامس من مايو 1913م، وليست استعادة الاحساء في الخامس من جمادى الاولى 1331ه، كما ذكرت طائفة من المصادر التاريخية وفوق كل ذي علم عليم.
المرفقات:
رسالة الملك عبدالعزيز المؤرخة في 1-ج2-1331ه.
الأمير محمد بن عبدالرحمن آل فيصل مؤرخة في 2-ج2-1331ه
حسن بن جبر الجبر مؤرخة في 3-ج2-1331ه
عبدالرحمن بن طلال الجبر مؤرخة في 2-ج2-1331ه
إبراهيم بن عبدالرحمن بالغنيم مؤرخة في 3-ج2-1331ه
1 - مختار الصحاح. ص 13 (مادة تاريخ) والمنجد ص8 ص 24 بيروت.
2 - ومرفقة صورة رسالة الملك عبدالعزيز، وانظر نهاية الوجود العثماني في الاحساء، وعودة الحكم السعودي للاستاذ الدكتور محمد بن عبدالله السلمان، ص 383، دول مجلس التعاون عبر العصور، مسقط 2001م. حيث أورد أسبابا أخرى أدت إلى تأييد أهل الأحساء لابن سعود ليحرر بلادهم، ورحبوا بقدومه.
3 -حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين. ص 66 ط5. 1967م القاهرة. جواهر بنت عبدالمحسن بن جلوي. الأمير عبدالله بن جلوي ص65 الدمام بلات نقلا عن سعود بن هذلول ص88، وإبراهيم جمعة الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية ص 158 مطبوعات القاهرة. 1398الرياض.
4 - ود. سعيد بن عمر آل عمر. صور من الأمن الديني تحقيق في عهد الملك عبدالعزيز في المنطقة الشرقية من بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام يناير 1999م الرياض. نقلا عن آل عبدالقادر ص 208 .
5- د. عبدالله بن محمد المطوع، الرحالة الغربيون ورواياتهم حول الأحساء في النصف الاول من القرن الرابع عشر الهجري - العشرين الميلادي- ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية، اكتوبر 2000م دارة الملك عبدالعزيز.
6 - الشرفاء، المنطقة الشرقية حضارة وتاريخ. ص 307 نقلا عن الزركلي شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز ج1، ص 202 -206
الدكتور علي أبا حسين
مدير مركز الوثائق التاريخية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.