*اعداد- الشيخ صالح بن سعد اللحيدان : لم استطع خلال فترة سنين عديدة الراحة بسبب ما أعانيه من (اكتئاب شديد) متفاوت الشدة بين وقت وآخر فحالتي يُرثى لها، هم وانطواء وقلة معنويات ومحبة للنوم والنهم أكلاً وشرباً حتى لقد بدت لي الحياة ضيقة وبداية أمام نفسي لاشيء، حالتي كما يقال حالة.. فشد من عضدي لا تنقذني فقط بل تنقد أسرة كاملة..!! ع. أ. أبو فيصل.. الرياض ج - الاكتئاب حالة نفسية مرضية تتفاوت كما ذكرت في السؤال بين الشدة ودونها بين وقت وآخر والاكتئاب في حقيقته التي توصلت إليها خلال دراسات مكثفة إنما هي إفراز يظهر في حينه المؤقت الذي تستجلبه حالة الإنسان المستعد للإصابة به، وهذا النوع من المرض إنما هو في حقيقة عرض فقط وإلا فالمرض هو ماجر إلى الاكتئاب نفسه من حوادث وصدمات ورفاهية حس وشدة قرع للذات وشدة تأنيب ضمير مستمر للنفس. ولعل أنجع علاج للاكتئاب ما يلي: 1 - كتابة الحالة على الورقة بكل إيضاح. 2 - متى بدأ المرض..؟ 3 - ما هي أسبابه الحاضرة في الذهن..؟ 4 - ما هي أهم أعراضه..؟ 5 - متى يخف ومتى يشتد؟ 6 - ما أثره على أداء العمل؟ 7 - ما أثره على المحيطين بك؟. 8 - هل أسأت إلى أحد ما.؟ 9 - ما مدى إخلاصك لله تعالى؟ فكتابة هذه الأمور بكل صدق وإيضاح لها هذا بحد ذاته يساعد على إخراج ذات المرض شيئاً فشيئاً من النفس على الخارج فيخفف هذا من الوطأة وبالامكان جداً كتابة هذا بين حين وحين مع إيحاء لابد منه لتربية الذات على التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى مع رد المظالم إن كانن هناك مظلمة ما، وأورد الآن ما كتب في الجزيرة في العدد (11463) من كلام جيد حول هذا لعله بعمومه يجدي ويفيد جاء هناك: عندما تتفشى ظاهرة ما في منطقة ما.. صحية أو بيئية أو اجتماعية أو إنسانية يتوجب إضافة الى البحث عن علاج، تقصي الأسباب. وظاهرة الاكتئاب ليست امراً خاصا يعني المكتئب فقط بل هي أيضا ظاهرة مرضية يمكن أن تكون عامة وتخضع لاسباب عامة ايضاً، فهل نستطيع أن نكتشف تلك الحالة على فرد يهمنا أمره قبل أن تستعصي عن الحل؟ وكيف يمكن أن نتعامل معها سواء في العلاج أو الوقاية؟ هل يمكن أن تحدد المسؤول والمسبب؟ وهل هي ظاهرة مرضية مستعصية؟. الاكتئاب شعور بالخواء أو بحالة انخفاض حادة بالمعنويات، وهي ظاهرة أو مرض يصيب كلا الجنسين المرأة والرجل، تبدأ المعاناة من مشاعر خفيفة الوطأة كالحزن والغم وتنتهي بوصول المريض إلى حالة أشد وطأة والمتعارف على تسميتها ب الكآبة أو الاكتئاب، ولاشك في أن بعض ظروف الحياة العامة هي سبب مساعد للإصابة بالاكتئاب لكنه ليس السبب الرئيس، ولو أمعنا التأمل في الحالة لوجدنا أن السبب الحقيقي للكآبة هو في الموقف من الظروف التي تمر بنا، فذات الظروف التي قد يكون وقعها قاهراً وأليماً على شخص ما، يكون عاديا على شخص آخر وهذا يعتمد على كيفية تفاعل وتعامل وتلقي كل منهما لذات الظرف، ومن هنا نرى أن التكوين النفسي للفرد ونسبة نضج الشخصية التي تتعرض لظروف معينة هي العامل الحقيقي الخفي وراء التعرض أو النجاة من الشعور بالكآبة، وهذا يترتب على كيفية استقبال الحدث الطارئ والتعامل معه، ففي حين أن شخصاً ناضجا نفسيا يستطيع أن يستقبل الحدث بتوازن نفسي دون أن يحدث أثرا عاطفيا سلبا في اعماق كيانه، يمكن لذات الحدث أن يزلزل كيان شخص آخر يملك بنية نفسية غير متماسكة أو ضعيفة ويقوض اركانه فينهار تحت وطأة الشعور بالحزن أو الخيبة أو القهر أو قلة الحيلة، ويتفاقم هذا الشعور تدريجياً ليصل إلى التسبب في حالة مرضية اخطر وأكثر جدية تسمى الكآبة، وهي حالة مرضية بحتة، لو تمكنت من شخص ما، يصبح التخلص والشفاء منها أمرا شاقا، لأنها حالة مرضية كما اسلفنا أول ما تخلخل البنى الأساسية لشخصية المصاب، بحيث يفقد الشخص ثقته بنفسه وبالآخرين، وتنتابه حالة تقهقر نفسي مستمر من النور إلى العتمة، ومن الدفء العاطفي إلى البرد، ومن الامتلاء الوجداني إلى الخواء إلى أن يتملك المريض شعور وكأنه مسافر إلى ضياع وإلى لا مكان وفراغ في رحلة بلا عودة، ولا يجد مناصا من محاولة الهروب من حالته والتخلص من الشدة ووضع حد لكل آلامه النفسية إلى درجة التفكير أو محاولة الهرب من واقعه أو يصل إلى الجنون. حالة غير سوية صحياً، حيث يشعر المريض بأن كل من حوله أعداء له، وأن المجتمع ظالم وشرس وانه عاجز عن التواصل والتعامل مع من حوله أو حتى تحمل اسلوبهم في الحياة أو تجريحهم لشخصه، وهذا التقوقع المتواصل، يضعف من معنويات الفرد المعاني ويطرحه في اتون الظنون والهواجس، فيصاب بحالة عدم توازن من أعراضها أن يعزف عن تناول الطعام، فيصاب بفقدان الشهية ويتسبب عن ذلك حالة مرض انوركسيا anorexia (الخلقة أو فقد الشهية إلى الطعام). ومن المفيد أن نأتي بمثال على ذلك فقد تراجع وزن الأميرة ديانا بشكل ملحوظ أثناء خلافاتها المستمرة مع زوجها الأمير تشارلز عندما ساورتها الشكوك أو اكتشفت بأنه على علاقة مع امرأة أخرى، وانها لم تكن سوى وعاء نظيف لانجاب الاطفال دون الاهتمام بمشاعرها كامرأة وشريكة حياة.. مما ادخل في تكوينها النفسي إحساساً بأن شخصيتها ملغاة، وأنها مهمشة، وأوصلها هذا الشعور إلى حالة فقدان الثقة بنفسها. وقد تترافق حالة الشعور بالكآبة إلى رغبة غير طبيعية في الأكل المفرط (الشراهة، والإصابة بالسمنة ما يؤدي إلى مشاكل صحية، ومن العوارض ايضا فقدان النظرة الايجابية الراضية عن الذات بسبب تشوه الصورة الخارجية للشخصية، وفي الحالتين السابقتين يصاب المعاني بحالة أخرى أسوأ من الأولى وهي: فقدان القدرة على النوم أو عكسها الإفراط المرضي بالنوم، وفي كل حالة أسوأ من الأخرى لأن كلتيهما تسببان مشاكل نفسية وصحية كنقص الفيتامينات في حالة الأنوريكسيا (فقدان الشهية والتجويع المتعمد) وزيادة الكولسترول والشحوم في حالة السمنة المفرطة. عادة ما تتعلق الأحداث التي تؤدي إلى الكآبة بتغيير كبير في مجرى حياة الفرد بحيث إنها تشكل خطراً يتربص بعواطفه وهي اشبه بماء نهر جار فجأة يعيق جريانه عائق مفاجئ لم يحسب له أي حساب كأن يكون صخرة كبيرة يخلخل طبيعة جريانه فيتدفق كيفما اتفق، وفي لحظة (التصادم) هذه بين الطبيعي وغير الطبيعي يحدث الضياع والتشتت. ومن الأسباب التي تساعد على وصول المهيأ نفسيا للإصابة بالاكتئاب، فقدان شخص عزيز إما بحادثة أو بموت مباغت، أو فقدان عمل، أو خيانة صديق، أو طلاق، أو التعرض لظلم جائر، أو اضطراب عمل الهرمونات لدى المرأة في السن المتعارف عليها علميا (بسن اليأس) والأسباب كثيرة بل أكثر من أن تحصى، ولو راجعنا عيادات الأطباء النفسيين لسمعنا بحالات غريبة ومدهشة تسبب الاكتئاب وكلها تخضع لبنية المريض ودرجة تقبله وتحمله لحدث مستجد. هنا لابد أن نقف لنبحث عن حلول لتفشي هذه الظاهرة بشكل مقلق في مجتمعاتنا، وكأن الكآبة أصبحت مرضاً من أمراض العصر..!! يقترح الطب الحديث استخدام الأدوية المركبة كيميائياً للمعالجة والشفاء من الكآبة، لكن مشكلة هذه الأدوية الكيميائية في انها مهدئات مركبة تعطي تأثيراً سلبيا على المريض، وقد تسبب أمراضاً جسدية كالإصابة بمرض الفشل الكلوي بسبب السموم الكيماوية التي تدخل الجسد، فتعيث فيه فساداً، كما أنها تسبب الإدمان لمن يتعاطاها (كما كل المهدئات إلا ما ندر) فلو افترضنا أن المعاني استعاد صحته، فهو سيعاني من أمر آخر هو في كيفية التخلص من تناول الأدوية وقد اصبحت إدماناً غزا دماءه، وفي حالة كهذه فهو سيخضع حتماً لما يخضع له المدمن ليتخلص تدريجيا، تماما كالتوقف عن التدخين أو الشفاء من مرض الإدمان بشكل عام، التي يمكن لها ايضا كما يحدث في حالات مماثلة أن تأتي بمضاعفات جسدية لا يحتملها المعاني ومن هنا حاول الطب البحث عن بديل للأدوية المركبة كيميائياً باللجوء إلى أدوية مكونة من أعشاب طبيعية غير ضارة وقد اقتصر الأمر على إيجاد مركبات طبيعية ليست أكثر من مهدئات تصيب المريض بحالة تخدير كلي ورغبة دائمة في النوم، بينما تقوم الأدوية الكيماوية بتنقية الدم من هرمونات معينة التي تسبب الشعور بالكآبة، ولأنها مركبات مهدئة فهي تعرض المريض إلى حالة خمول جسدي وفكري وعاطفي فيستسلم لرغبة حادة في النوم وهذا يؤدي مع الوقت إلى تحطيم معنوياته بسبب انعزاله المستمر عن المجتمع وعدم مقدرته على الانخراط في الحياة العملية التي تصبح هاجساً يوميا بالنسبة له، ومع كل صباح يستقبل المريض نور النهار بتثاقل عاطفي، وكأن لسان حاله يقول: يوم آخر!! ولِمَ خلقتني يا رب؟ ولِمَ أنا مختلف عن الآخرين، كلهم هانئون سواي؟ هل بي لوث فكري، عاطفي..؟ ولِمَ أنا بالذات؟؟.. الخ. وهكذا نرى أن اللجوء لطبيب نفسي قد يفيد في التخفيف من وطأة المرض بسبب الفضفضة اللغوية عن احمال الذات، وكان المريض يقذف بحمم بركانية من أتون ذاته إلى حضن صديق مدفوع الأجر، ولو عدنا إلى حالة الأميرة ديانا لوجدنا أنها وجدت حلاً آخر للتخلص من الكآبة فقد نفضت عنها خيوط العزلة وغادرت الكهف المعتم، كهف رثاء الذات وخرجت للنور لتنخرط مع الناس ولتكون لهم سفيرة للسلام على الأرض، فاستعادت ثقتها بطاقاتها فاسعدت نفسها وأسعدت غيرها، صارت مصدر بركة لنفسها وللآخرين نقول إن الإرادة لها الدور الاكبر والأهم، الانغماس والانشغال في ممارسة نشاطات اجتماعية، أو ثقافية أو إنسانية يكفل نظرة إيجابية راضية عن الذات يعيد بناء أسس متينة متوازنة للشخصية، ليبدأ الشخص بفعل الثقة بالنفس يشع نوراً ويتدفق عطاء على كل من حوله يعطيه الرضا عن الذات هذا الشعور وهو الفاعل الأهم في كمال الشخصية، كما أن ممارسة الرياضة وخاصة المشي السريع أو الركض البطيء أو أي نوع من أنواع الرياضات الخفيفة أو الشديدة تكفل للفرد سلامة صحية طريقا إلى سلامة نفسية، وقد قالوا قديما: (العقل السليم في الجسم السليم) وأوصى نبينا العظيم (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل) كلها إشارات مهمة إلى ضرورة شغل البدن بأمور إيجابية تساعد على صحة النفس. وهنا لابد من وقفة جريئة مع الذات، لندرك أن لا شفاء إلا من عطاء ورضا الخالق (سبحانه) فهو الذي سوانا وهو الأدرى بحالنا وبشفائنا، والإيمان هو الذي يملأ قلوبنا بالثقة وبالإرادة، نعقل ونتخذ أسباب السلامة بالإرادة والثقة بالنفس وفي حب مجتمعنا ثم نسلم أمورنا للمولى العزيز القدير في كل لمحة ونفس ومع مطلع كل فجر، ونثق مؤمنين بأنه وحده سبحانه القادر على إرشاد خطواتنا إلى الخير والسداد، فالإيمان بقدرة الله سبحانه، وفضله على عباده يعطي الروح جرعات صفاء، ويوصل النفس إلى ثقة مطلقة بقضاء الله وقدره، عندها يصبح كل مستجد مهما كان مفرحا أو حزينا ليناً أو قاسياً، أمرا طبيعيا يدخل في حكمة الله جلت قدرته التي لا يمكن لنا أن ندركها، فنستسلم راضين لها، تهبنا وتمننحا غاية الأمان والثقة بالنفس، وتنجينا من وساوس الشيطان. علينا أن نقدم الطاعة والشكر لله تعالى في كل وقت، نشكره على نعمائه وفضله، كي يمتعنا بحواسنا لندرك أن كل ما حولنا من بديع صنعه وفي انفسنا، وقد صدق القائل: (كن جميلاً ترى الوجود جميلاً).