قبل ستة وستين عاما كانت زيارتي الأولى لها من أجل معرفة أولى أبجديات الحرف، وكانت هي (باريس نجد) وبعد ستة وستين عاما زرتها للمرة الثانية بدعوة من أخي الموسوعي عبدالرحمن الإبراهيمي البطي.. وما زالت (باريس نجد). ميزتها لم تكن بنيانا، ففي مدننا الكبيرة ما هو أضخم.. وانما في إنسانها.. وفي مجتمعها الأصيل الجميل بكل ما تعنيه هذه الصفة من معنى.. كنا رفقاء درب وحب.. أخي الأستاذ الكريم عبدالكريم الجهيمان ومحمد القشعمي البار لأستاذه أبي سهيل. د. عبدالرحمن الطويل، وعبدالله حسين.. الرحلة يوم خميس رومانسي غائم.. كل ما في الدرب يوحي بالنماء والخضرة.. على مشارف عنيزة بدأت ملامح المدينة تشدنا بشوارعها الواسعة وأشجارها الباسقة.. وهدوئها الذي لا صخب فيه.. حط بنا الركب حيث الاستراحة التي اصطفاها مضيفنا.. وحيث كرم النفس.. وسخاء التكريم.. وعطاء الروح المشبعة بالفكر.. ومن يسعده الحظ بزيارة مدينة كهذه رغم قصرها يحدوه الشوق لأن يراها بعقله قبل أن يبصرها بعينه.. وهذا ما حرص عليه الداعي.. والمدعوون معا.. عنيزة الثقافة.. والفن.. والمجهود الذاتي الكبير لأهلها.. مميزات تؤكد أنها في المقدمة من بين مدن وطننا الغالي.. * (مركز ابن صالح الثقافي) معلم حضاري من معالمها، أشعر أنه في مقدمة المراكز الثقافية بشمولية محتوياته ومسؤولياته التي خطط لها بعناية.. وحقق الكثير منها على المستوى الوطني والعربي.. وما زال لديه الكثير الذي نسعى إلى تحقيقه بطموح وحماس مديره صالح الغذامي.. * دار التراث.. حيث المقتنيات الأثرية القديمة التي تكشف جوانبه حياة أجيال سبقت.. أدواتها.. اكتفاؤها الذاتي من صنع يدها.. يوم أن كان للإنسان إرادة الصنع.. وتحدي المستحيل.. * الفنون الشعبية المبهرة بجماليات حركتها وإيقاعاتها على دق الطبول.. للمرة الأولى نقف أمام مشهدها مشدودين بفنيتها وتناغم أصواتها.. والحرص على توريث هذا النمط التراثي الحركي لجيل قادم بدأت مشاركته موصولة وفاعلة.. ليس هذا فحسب، الحصاد الخيِّر لتلك الزيارة الخاطفة لمدينة أكنّ لها ولأهلها كل الإعجاب والحب.. كانت فرصة غالية وثمينة أن نلتقي معا بالأستاذ الكريم عبدالرحمن العلي التركي أحد الوجهاء.. والأستاذ صالح إبراهيم الصويان، والأستاذ سليمان العبدالله البطحي، والأستاذ صالح الغذامي.. ومجموعة من الشباب المثقفين الذين تعتز بهم عنيزة.. ولن أنسى كاتبنا الشاب المتألق الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي الذي أمسك بمقود الحركة فكان نعم القبطان ونعم الإنسان، ليلة قضيناها في عنيزة أحسبها من أجمل ليالي العمر.. في ضيافة أخ كريم النفس.. كريم العطاء.. أكرم به.. ودعنا جميعا عنيزة.. أودعناها شوقنا قافلين إلى مدينة الصخب.. والمال.. والأعمال.. والمجهودات الثقال.. الجو كما هو غائم.. الطريق ممهد.. الحركة منسابة.. السماء بدأت تكتسي حجابا كثيفا من السحاب.. قبالة مدينة المجمعة تمزق السكون على وقع قصف الرعود.. فتحت السماء أبوابها.. امتلأت الأرض بخيرات ربها.. قرابة ساعتين.. ما إن تفرغ سحابة حتى تعقبها أخرى على مدى اتساع الأفق.. الرياض جاء نصيبها متأخرا لأكثر من ساعة.. إلا أنه جاء مساء يوم الجمعة مغدقا.. ولا أقول مغرقا.. رحلة لباريس نجد.. كانت حافلة بمشاعر المحبة.. وبشائر الخير.. وكل ساعة ونحن جميعا بإذن الله بخير. الرياض: ص.ب: 231185 الرمز: 11321