قرأت في العدد الماضي من هذه الجريدة الغراء وفي الصفحة الثانية ما كتبه الأخ الاستاذ علي خضران في زاوية (مع الأيام) وتحت عنوان (مارأى المسؤولين عن المؤسسات الصحفية؟؟) فوجدت -وكما وجد وقد يجد غيري من القراء- ان الاستاذ علي قد أصاب كبد الحقيقة وبحث -وكما قال في صدر مقاله- موضوعاً (ربما لم يتطرق إليه قلم كاتب من كتابنا ولم تهتم له صحيفة من صحفنا رغم أهميته..).فأنا كانت لي تجربة مرة (بضم الميم)- وأرجو ان تكون آخر مرة- مع احدى المؤسسات الصحفية هنا في (الرياض) حيث شاء الله تعالى ثم شاء لي سوء الطالع ان ذهبت يوما من الأيام إلى تلك المؤسسة الصحفية ومعي قصيدة رثائية قلتها عزاء لعزيز عليّ فقد عزيزاً عليه ورغبت في نشرها في جريدة (...) واختصاراً مني للوقت والجهد طلبت مقابلة احد محرري الجريدة (الثانويين) الذي يقوم بالاشراف على صفحتها الأدبية بدلا من أن أذهب مباشرة إلى مدير أو رئيس التحرير، وهناك ياسادة وفي مكتب (أخينا في الله) المتواضع التقينا ولأول مرة ولعلها آخر مرة، كان يجلس خلف مكتبه فصافحته بيدي مسلما فرد عليّ التحية ومد لي يده (ببرود خفض من حرارة الغرفة عدة درجات مئوية) فسولت لي نفسي عندها أن أتصرف وان أغنم بالإياب -كما يقول المثل- بدلا من ان اسفح ماء وجهي وكرامتي على مكتب (أخينا في الله) فكان نفسي تحدثني عما هو آت بالنسبة لي ولقصيدتي (المسكينة) التي أخرجتها من جيبي ودفعت بها إليه دفعا وكأنني أدفع بالتي هي أحسن السيئة، ولم يفتني ان أقدم نفسي إليه حسب الأصول: (أنا فلان أعمل في حقل التدريس، ومن خريجي آداب جامعة الرياض، اقرض الشعر ولديّ ديوان أنا في سبيل اعداده للطبع والنشر، وهذه قصيدة أرغب في نشرها في جريدتكم وفي الصفحة التي تشرفون عليها إذا أمكن ذلك وسمحتم). ويبدو أنه كان منهمكا في تصفح قصيدتي وأنه لم يعرنِ سمعا وان عباراتي دخلت من أذنه اليمنى (أو اليسرى لا أدري بالضبط) لتخرج من أذنه الأخرى حرة طليقة لم تحرك من (بروده) ساكناً وبدأ يسألني وكأنه يستجوبني) أسئلة لا أبالغ ولا أكتب إذا قلت إنها (سخيفة مع احترامي له أيضاً) ورغم أنه كما يبدو لايفقه شيئا في لغة الشعر (مع احترامي له مرة أخرى) كل هذا تم وحدث وأنا واقف على قدمي عند مكتبه حيث يجلس خلفه ودون ان يكلف نفسه عناء اتباع أقل أصول اللياقة والأدب ويدعوني إلى الجلوس (ولو مجاملة منه) على الكرسي الشاغر الذي كان بقربي. ثم خرج شيئا فشيئا من (تأملاته وتمحيصه وتدقيقه.. و..) ليقول لي وبنفس البرود) أنه سينشرها في الأسبوع القادم، (لأن الصفحة المشار إليها آنفا اسبوعية بالمناسبة) فشكرته ومددت له يدي مرة أخرى وأخيرة مصافحا ومودعا، وفي نفس الوقت ملطفا لحرارة يدي من (برودة) يده الكريمة، وانصرفت.ويمضي اسبوع وآخر وثالث وعاشر والقصيدة (الضحية) لم تنشر في الجريدة ولا حتى اثر لها يذكر (رغم انها كانت سليمة في المعنى والأسلوب والوزن والقافية وأصول العروض في الشعر كلها كغيرها من قصائدي التي نشرت أو أذيعت أو في دفاتري محفوظة). أقول: ومرت الأيام، أو بالأحرى الأسابيع بلا فائدة، وفاتت بالطبع المناسبة التي قلت فيها القصيدة خصيصا، فكتبت رسالة شخصية لصاحبنا إياه أعاتبه فيها (وضمن حدود اللياقة والأدب على إهماله للقصيدة وعدم الرد عليّ في الجريدة على الأقل) وفي نفس الوقت رجوته انتشال قصيدتي (المسكينة) من سلة مهملاته والتفضل باعادتها إلي على عنواني حتى أبعث بها إلى جريدة أخرى تهتم وترحب بالانتاج الفكري لكن رسالتي لاقت نفس المصير الذي لاقته قصيدتي من قبلها، إنه المقر الأبدي والمثوى الأخير.. سلة المهملات اللعينة.. قلت في نفسي معزياً ومخففا عليها من ألم جرح كبريائها: رب ضارة نافعة، فأمسكت بقلمي وقدحت زناد القريحة (المقروحة) ونظمت قصيدة تصور هذه التجربة المرة التي مررت بها، وحملت الأبيات بيد وشعوري (المكلوم) باليد الأخرىواستقرت بي قدماي هذه المرة في مكتب مدير تحرير الجريدة المذكورة سلفا اختصاراً لوقتي وجهدي (ولكن يبدو ان ذكائي خانني هذه المرة أيضا) حيث بعد مدة اتصلت بالمذكور هاتفيا لأعلم منه أنه حول القصيدة ل(صاحبنا...) فقلت في نفسي: ليتك حولتها إلى سلة المهملات اختصارا لوقتكما وجهدكما معا فأنا أعرف مسبقاً مصير ما قد تسول لي نفسي أن أبعث به إليكم.. وتكملة لجوانب الموضوع، وللطرفة أيضا فإنني قد أنشر القصيدة الأخيرة آنفة الذكر في يوم ما وفي مكان ما من هذه الجريدة أو غيرها ان شاء الله، هذا إذا لم يخرج (صاحبنا...) عن بروده (وكبريائه وغروره أيضاً) ويتجرأ ويخالف طبعه الروتيني الذي طبقه عليّ ويطبقه على أمثالي من المساكين الذين لاتربطه بهم صداقة أوزمالة قوية متينة أو شهرة كبيرة، وينشر القصيدة المعنية في صفحة (آدابه) في الجريدة إياها، والله المستعان وهو من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.