يحاول العالم الغربي تسويق نفسه كمصدر للإشعاع الأخلاقي وواحة للديمقراطية ويعلن في كل مناسبة أنه نذر نفسه وكرّس جهوده للحفاظ على الديمقراطية ومحاربة الإرهاب الشرق أوسطي ونشر الديمقراطية -بالقوة - في هذه البقعة من العالم بالذات. ويظن كثير من التواقين للديمقراطية والإصلاحيين والمعادين للأنظمة الشمولية أن في المنهج الغربي مخرجاً من ظلم الأنظمة وتعسفها. الأخلاق الغربية في تعاملها مع الآخر وخاصة مع دول الشرق الأوسط هي أخلاق براجماتية متغيرة بتغير الزمان والمكان والمصالح، كما أن الأفكار والمشاريع التي تروّج وتصدّر، هي في غالبها قائمة على النفعية والمصلحة وهي تضليل سياسي مغلف بإطار ديمقراطي. نعم انه أسلوب ديمقراطي للتضليل، ولعل أوضح مثال على ذلك هي لجنة التحقيق المستقلة التي أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش بتشكيلها للبحث في أوجه القصور التي اعترت أداء الجهات الاستخباراتية الأمريكية في تقدير إمكانات العراق في مجال أسلحة الدمار الشامل التي قامت الحرب بناء على نتائجها ودخلت إثرها أمريكا حرباً بعيدة عن أراضيها وانتهت باحتلال العراق. إن تشكيل مثل هذه اللجنة هو إدارة أزمة ليس إلا، وهي مجرد مناورة انتخابية لا أقل ولا أكثر. إنها ذر للرماد في العيون ومحاولة للالتفاف على ادعاءات رئيس المفتشين الأمريكيين المستقيل ديفيد كاي الذي قال بعدم وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، وهي سلاح دفاعي انتخابي وحرق لورقة الديمقراطيين ولأحد أسلحتهم الهجومية في الحملة الانتخابية. نعم انه مكر وخديعة سياسية وبراجماتية أخلاقية وإلا هل يمكن أن يساق شعبان لخوض حرب خارجية بعيدة، ومن دون مبرر، وعلى أساس من التضليل والخداع، وفي إطار نظام ديمقراطي مؤسس، وهذه هي الورقة التي يراهن عليها جون كيري أوفر مرشحي الحزب الديمقراطي حظاً في منافسة الرئيس بوش، الذي يتهم nالرئيس بوش- وإدارته بممارسة تضليل واسع النطاق للشعب الأمريكي وللعالم، وتقود الشعب الأمريكي تحت ستار من الأعذار الأخلاقية إلى حروب ومآسٍ خارجية دون وجود أدلة دامغة أو حجج مقنعة، وهاهو يصرح بأن الرئيس قد شن حرباً من دون أن ينتظر نتائج عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. ومن هنا جاء تشكيل مثل هذه اللجنة التي ستغلق الطريق أمام الفريق المنافس وتحيد اتهاماته وتعطي الإدارة الحالية متنفساً أو مخرجاً بأن المسألة بين يدي لجنة التحقيق ولا بد من الانتظار ولذلك جاء تحديد إعلان نتائج التحقيق بأن تكون بعد الانتخابات وقد سارع دونالد رامسفيلد بالاتكاء على هذه الدعامة الديمقراطية عندما استخدم المغالطة اللفظية قائلاً: انه لم يثبت بعد أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل. إذن هي ديمقراطية مصلحية نشأت من أجل منفعة وهي اختطاف ورقة الديمقراطيين الانتخابية. ويبقى السؤال: هل يمكن تسخير الجهد الاستخباراتي لتسويغ قرار سياسي مسبق في دولة القانون والمؤسسات؟ ويأتي الواقع المشاهد بالإجابة سريعاً: نعم يمكن ذلك في مفهوم البراجماتية الأخلاقية. [email protected]