أوصى معالي رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل وان يأخذوا من دنياهم بقدر محياهم وان يدبروا أمرعقابهم بقدر مثواهم لان الدنيا دار عبور وجسر مرور وطوبى لمن قلبه عقول ولسانه معقول حصائد الالسنة تزرع العداوة. وقال في خطبة الجمعة أمس بالمسجد الحرام بمكةالمكرمة ان الاعمار تطوى والآجال تقضى والاجيال تفنى والموعد يوم البعث والنشور والمغبون من لم يعرف ربه الا في ايام معلومة او ساعات معدودة ثم يعود الى غيه وغفلته ولإن ودع المسلمون مواسم الخير من ذي الحجة فهاهم في وداع عام هجري ليستقبلوا عاما غيره فحقا عليهم الوقفة الصادقة مع النفس والاوضاع والاحوال والمتغيرات محاسبة ومسألة ومعالجة واستصلاحا. وأضاف يقول: أيها المسلمون لاستقبال عام وتوديع آخر يكون التوقف والنظر والتدبر فأوضاع الامة واحوال العالم بين الآلام والآمال والخطط والتطلعات بين أنات الشاكي ودموع الباكي وان عالم اليوم يعيش محطات تاريخيه فاصلة تأتي امة الاسلام في قلبها وبؤرتها ان العالم يعيش متغيرات ومتقلبات تحتم على الامة ان تتوقف لتحاسب نفسها، وتراجع مسيرتها ان الامة مدعوة وبقوة للمراجعة والنظر مليا في ماضيها القريب وما حدث على مدار نصف قرن او يزيد لتميز الخبيث من الطيب بل لقد تكشفت للأمة مخططات اسفرت عن وجهها وكشفت عن توجهها وان امة الاسلام وهي محاصرة بالعنف والوحشية والتسلط من قبل اعدائها من ديارها وخارج ديارها هذا الحصار يستدعي وقفة جادة وعميقة للتامل والمراجعة لكي تفكر ماذا تصنع وكيف تتدبر؟ كيف تفاوض؟ وكيف تحاور وكيف تواجه وفي الوقت ذاته على الامة ان تراجع علاقاتها مع شعوبها وحكوماتها، وقياداتها وانظمتها علاقاتها بتاريخها ومستقبلها وتوازناتها الداخلية والخارجية . وقال إمام وخطيب المسجد الحرام :لايخفى ما تواجهه الامة في ديارها ودينها من تحديات صعبة وضغوط خارجية وسلوكيات ارهابيه لزعزعة الامن وهز الثوابت والتشكيك في القدرات حتى تكلمت الرويبضه وبرز الذين في قلوبهم مرض مما يسارعون ويقولون نخشى ان تصيبنا دائرة مما يستدعى الالتفاف الجاد الصادق وسد الثغرات وتأكيد التلاحم أمام اهداف المغرضين وتكاتف الاعداء . وأوضح ان البلاد في الحوالك من الليالي والعصيب من الظروف هي احوج ما تكون الى جهود ابنائها من العلماء والخبراء والساسة والمجربين من خبراء العصر وفقهاء النوازل ليدرأوا عنها عوادي الزمن.. وقال: ان الحديث حديث محاسبة والموقف موقف نظر في العلاج وتلمس للإصلاح. يتحدث العالم عن الغلو بل لقد ابتلي بالغلو بشكل صارخ في آثار مرعبة ونتائج مخيفة والغلو تاريخه قديم واثاره في الماضي كذلك عظيمة ولكن مع الأسف فإن الانسانية لم تشهد في عصر من عصورها خطر الغلو كما تشهده في هذا العصر الذي باتت فيه الظلامية والتعصب يسجلان امتدادا في العالم بالرغم مما افرزته حضارة العصر من تقدم في التقنيات والمخترعات والمكتشفات بل ان من المفارقات ان بعض الدول التي تسيطر على احدث واشرس ما انتجه العقل البشري من أسلحة التدمير تتميز بقدر كبير من التعصب والغلو في فرض فكرها ومبادئها مما يصور الخطر المحدق بالبشرية. واشار الى ان الغلو والتعصب ليس هو عدو الاخر ولكنه قبل ذلك عدو نفسه الغلو في الغالب ينتهي بصاحبه الى التناقض بين سلوكه ومبادئه بل الى الاضطراب في معاييره وانتقائيته في تصرفاته واحكامه وان من الجلي الواضح ان الغلو والتعصب يفضح ثغرات المتعصبين والغلاة وان الاشكالية في اجواء التعصب هي في سريان روح (قابيل) العدوانية لم يتقبل منه، قال: لأقتلنك.. فالغالى المتعصب لما لم يكن له القبول ولا الرضا امتشق سيف القوة فالقوة والقهر والتسلط هي المتحكمة عند المتعصب في جميع انشطة الحياة وميادينها الثقافي والتربوي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام انه في حديث المحاسبة والعلاج ينبغي على جميع افراد الامة ولاسيما اهل العلم والصلاح والرأي والمسؤولية ان يفقهوا دروس الماضي وعبر العصر، وان من الحكمة والدروس المستفادة تجاوز سلبيات الماضي والبعد عن سجلات الجدل الكلامي والتنظيرات المحلقة التي لاتعالج الواقع ولاتمس المشكلات. وقال: ان مرجعية اهل الاسلام كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذه المرجعية لا تتمثل في النصوص فحسب بل في كيفية إعمال هذه النصوص وشرحها والاجتهاد في دلالاتها والاستنباط منها وهذه هي وظيفة المختصين من اهل العلم بشرع الله وان الواجب على كل مسلم التزام شرع الله وتحقيق العبودية له سبحانه كما قال عز شانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} كما يجب على كل مسلم التسليم لحكم الله وحكم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال جلا وعلا {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وبيّن الشيخ بن حميد ان نهج الاصلاح يقتضي تثبيت المرجعية العلمية واحترامها وحفظ حقها فهذا سبيل الفلاح وهو سبيل سلامة المنهج والاستقرار الفكري بأهل العلم تبرأ الذمة وتنصح الامة ويقطع الطريق على من يريد تجاوز الشرع سواء في جانب الافراط او جانب التفريط بالمرجعية العلمية وحفظ حقها ومقامها تتضح الاحكام وتستقر الاوضاع وتطمئن النفوس ويعرف الشرع وتحفظ الحقوق للامة والافراد ولولاة امور المسلمين وان نهج الاصلاح وصواب الطريق احترام اهل العلم ومعرفة مكانتهم والحفاظ على منزلتهم والرجوع اليهم في مسائل الدين صغيرها وكبيرها، والحذر كل الحذر من اقصاء المرجعية الدينية الشرعية والاستهانة بالتخصص العلمي الشرعي ومع الأسف فإن هذا الاقصاء وقع فيه فريقان: فريق الغلاة وفريق الجفاة، أما الغلاة من التكفيريين والتفجيريين فلم يقدموا على أفعالهم الآثمة إلا بعد ان خطوا خطوات نحو اقصاء العلماء وتجهيلهم واتهامهم بأنواع التهم الباطلة وكذلك فعل الجفاة فوقعوا في استنقاص العلماء من باب آخر واتهامهم بعدم معرفة الاحوال والمتغيرات والمستجدات. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام انه يجب ادراك الخطورة حين تتوافق افكار الغلاة مع افكار الجفاة على نسف المرجعية العلميه واقصائها والتشكيك في اهليتها وكفاءتها ويجب على الامة وهي تراجع نفسها وتنظر في طرق الاصلاح واساليب العلاج وتحذر مكر الاعداء ان تنظر في داخلها فكلا الفئتين الغلاة والجفاة اعداء للاصلاح وان مسيرة الاصلاح يمكن ايقافها باحدى طريقتين، اما بوضع عقبة أمامها وهذا ما يفعله الغلاة المتنطعون اهل الافراط وقد خاطب كتاب الله عز وجل هذا الصنف بقوله سبحانه {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}. واما بصرف المسيرة عن مسارها الصحيح وهذا ما يفعله الجفاة واهل التفريط وقد خاطبهم القرآن الكريم بقوله سبحانه {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}. وبين ان مؤدى كل من الغلو والجفاء هدم الامة واهلاكها والتمكين لاعدائها وتحقيق التنازع ونشر الخلاف وتحقق الفشل وذهاب الريح وان على الامة ان تقاوم التفريط كما تقاوم الافراط وان يردع الجفاة كما يردع الغلاة فالمتشددون يؤدون بالمجتمع الى الجمود، والمفرطون يحولون المجتمع الى مسخ منزوع الهوية وان المصلحين مطمئنون بحمد الله، ان السواد الاعظم من الامة هم اهل الوسط الذين لاتنطلي عليهم تحريفات الغالين ولاتخرصات المبطلين . وقال: إن حديث الاصلاح والعلاج يجب ان يكون صحيحا صريحا حازما ولكن يكون هادئا متأنيا عاقلا غير متعجل ولامتسرع يستقبل النية الحسنة والتفاعل والتفاؤل والتسامح والعمل بروح الجماعة والابتعاد عن النزعات الفردية والعصبية الضيقة مع تقدير المجد المحسن وتأييده وتنبيه المخطىء وتقويمه وعلى المصلحين والمفكرين واهل الرأى التزام العدل والانصاف والرحمة والتسامح والتعبير عن الرأي ووجهة النظر بأدب وعفة وسلامة قلب ولسان وحسن طوية. وحينما يكون الاصلاح والمراجعة فإن نهج التسامح وضمان حرية الرأي في حدود ضوابط الشرع لايتنافى ولايتعارض مع ابداء النصح والتنبية على الاخطاء ومناقشة الرأي فعلى أهل العلم ارشاد الضال وبيان الحق وتصحيح الاخطاء من غير اساءة ظن بمخطىء واذا احجم القادرون الاكفاء نزل بالساحة من لايحسن الورود ولا الصدور يجب التبين والتحقق والتحري والمصداقية والتفريق بين الحقائق والشائعات فإلقاء الكلام باسم الاصلاح وحرية الرأي من غير علم ولا اهلية يعيق الاصلاح بل انه يفسد ولايصلح.