أحيان كثيرة تتقاذفنا مشاعر شتى وأحاسيس متنوعة وأفكار مبعثرة وهذه المشاعر وهذه الأفكار عندما تراودنا أو تطرق ابواب حياتنا تكون كفيلة بإسكاتنا زمنا ليس بالقصير وكفيلة بتدمير نفسياتنا بشكل محزن بشكل يوصلنا من حيث لا ندري ولا نعلم إلى درجة الخروج عن إطار المنطق الذي يحرك حياتنا وإلى درجة الانحراف عن مسار المبادىء التي قد تكونت وتعبنا في تكوينها ورسمناها على المساحات الشاسعة داخل ذواتنا.. أحياناً نتعرض لما يسمى بقفزات من الحزن والوجع والألم.. تأتي علينا أوقات قد تطول وتأخذ اكثر مما تستحق - نشعر معها بالدهشة الهائلة التي تجعلنا عاجزين عن فهم ما يدور حولنا وتفسيره وتقديم مبررات مقنعة له!! تأتي علينا لحظات نشعر فيها بأن متاعبنا النفسية تكاد تعتصرنا عصرا حتى توصلنا إلى مرحلة فقدان الثقة بالذات والشعور بالهزيمة أمام الذات وبالتالي شئت أم أبيت أمام الآخرين لا بد ان تظهر على ملامح وجهك مهما كانت قدرتك على تغمص الأقنعة الاجتماعية. وهذه من أقسى انواع الوجع النفسي الذي مجبرين على أن نسير ونحن نحمله فوق ظهورنا لدرجة الاحتداب أليس فقد عضو من أعضاء الجسد يوجع الجسد ويؤلمه.. كذلك فقدان حاجة نفسية مثل هذه (الثقة بالذات) كفيل بأن يوجع نفسياتنا ويدمرها ويؤلمها.. فنحن أحياناً نرى ذواتنا فاقدين للجمال بكل أنواعه، جمال الشكل وجمال الروح وجمال المنطق، وأحياناً أخرى يرى كل منا أنه وبشكل متفرد محروم يعاني من قضية الحرمان بكل صوره ونماذجه عدا الأكل والشرب والنوم فنذهب رافضين حتى هذه المعطيات فتهزل أجسادنا إضافة إلى أوجاعنا النفسية وهنا تبرز نقطة أخرى وهي أن تكتشف أنك متخلف (التخلف ليس ذلك التخلف الذي يضاده في المعنى التحضر) تسير في طريق والناس كلهم من حولك يسيرون في طريق آخر مواز للطريق الذي تسير فيه وبما أنه مواز له إذاً لا يمكن ان يلتقيا أبداً.. عندما تكون على هذه الوضعية تشعر (وأنت لا تعلم هل هو واقع أم تصور) أن جميع من حولك يرسلون لك رسالة مفادها أما أنت فابق كما أنت لن تتغير ستبقى كما أنت منذ زمن وإلى زمن وتحس بينك وبين ذاتك بأنك كم مهمل مبعثر لا يقوى حتى على تجميع ذاته. أحياناً نفاجأ بعد رحلات استكشاف الذات بأنه يوجد في دواخلنا تراكمات تكاد تكون مثل قمة جبال الهملايا في ارتفاعها تراكمات نفسية لا تستطيع الخروج منها نهائيا بل إنها تكاد تكون مثل دائرة مفرغة كلما اقتربت من محيطها للقفز خارجها عدت تدور في داخلها لدرجة الدوخان. هل من طريقة لمعالجة وتسوية هذه المتاعب أو التراكمات النفسية؟ هل الحل الاستمرار في نبشها ثم استئصالها وهل بالإمكان اساسا استئصالها أم أن الحل يأتي من الخارج بالبحث عن عوامل جلب الأمل والسعادة ومسبباتها وبالتالي تحدث فقط عملية طمر لهذه المتاعب تذروه الرياح مع أول مشكلة تواجهنا. بالتأكيد أن تأتي علينا لحظات لرفض هذا الوضع ونشرع بالفعل في البحث عن حلول أو بالأحرى علاجات ومن ثم تطبيقها منها مثلا الانهماك في القراءة، الانهماك في أي هواية أنت تعرف يقيناً أنها تمتعك، ... هي حلول جميلة بالتأكيد ولكننا بعدها لا نلبث أن نعود لما كنا فيه. من زاوية أخرى لهذا الوضع تذهب في مواجهة شرسة مع ذاتك تسألها ماذا تريدين؟ تكتشف أنه ليس لك أي مطالب من أي نوع فأنت تحب كل تفاصيل حياتك حتى الجمادات التي تعايشها تحبها. كل ذلك يدور بينك وبين ذاتك وعندما تأتي مغادرا غرفتك تعود إليها وكأنك كنت تقرأ رواية عن سندريلا ولكن على أرضية الواقع أو كأنك قرأت خبرا عن ملياردير يملك ويملك.. أو كأنك قرأت أعجب وأروع الرحلات لأعظم رحالة في التاريخ. فتعد مهزوما متصورا أن جميع من حولك بكل تفاصيل حياتهم أفضل وأجمل من حياتك وامكاناتهم أقوى من إمكاناتك. وهنا يبرز تساؤل هل هذا الشعور يعبر عن واقع أننا عندما نكون تعبين نخضع كل الأحداث الاجتماعية التي تمر تحت نظرنا وبصيرتنا للتحليل والتدقيق والتأمل والتدبر في حين أن الآخرين يتصرفون ويتكلمون ويتعاملون بعفوية. تتكون نتيجة لها مسافة بينك وبين الآخر فتنهزم في تقبل هذا الآخر بكل ما لديه وهذه المسافة ليست مكانية بقدر ما هي زمانية. فتشعر وكأنك شخت 70 عاما في جلساتك وفي حواراتك لا تعاني فقط من مشاكل الخرف والهذيان وإنما العزلة والتوحد في الفكر.. وهنا تكون الهزيمة مرتين مرة مع الذات ومرة مع الناس. ولكن تبقى هناك علاقة لن تخرج مهزوما منها.. علاقة تستغني بها عن الدنيا وما فيها.. علاقة تستغني فيها عن ذاتك وتستغني فيها عن كل البشر.. علاقة أنت الرابح فيها لأنها بمثابة اليد الخفية التي تدعمك، تعالجك بلا أدوية، تخرجك من صحراء قاحلة موشحة مقفرة، وتدخلك في جنة خضراء واسعة، علاقة على الرغم من أن الوحدة من دعائم قوتها إلا أنها مليئة بالأنس.. إنها العلاقة مع الله تعالى، مهما وصلت إليه حالتك من ترد ودونية. يخلصك منها لحظة صدق مع الله تعالى تشكو عليه وتطلب رحمته، فتغدو في الصباح تسائل نفسك كيف أمسيت وكيف أصبحت.. سبحانه كل هو في شأن.