عندما أمسك قلمي في بعض الأحيان لأكتب عن موضوع ما أرى أن حبره ينزف ألماً فيتحول حبره إلى لون قاتم بسبب احتجاجه على بعض تصرفاتنا نحن البشر لكنني أشحذ همته وأقوي عزمه وأشد من أزره ليسجل ما يدور بداخلي وما أراه أحياناً من تصرفات هوجاء منّا نحن البشر.. وعبر تلك الورقة الناصعة البياض أسرجت قلمي لأكتب بمداده حروفاً نابضة في موضوع تحدث عنه الكثيرون قبلي.. موضوع ما زال في مجتمعنا يتحرك في كل اتجاه فارضاً نفسه بفعل أيدينا الا وهو (عقوق الوالدين). بدأت أجمع شتات كلماتي المبعثرة هنا وهناك وأفكاري المتناثرة في كل اتجاه، أحسست حينها بشيء ما يمزق نياط القلب ويقتل كل معاني الحب لقد ضقت ذرعاً بما أقرأ وبما أسمع عن عقوق الوالدين فلم يساعدني بناني أو بياني لأصف ما أرى أو أتحدث عمّا أسمع.. أأبكي حقاً ما وصلنا اليه من عقوق يدمي القلب؟ أأرسم لوحة حزينة بدموع الناس! أأكتب كلماتي من قلوب ؟؟ نازفة ومن أفئدة آباء مجروحة؟ هناك مواقف أراها وأقرأها في عيني الوالدين تحيرني تؤلمني تؤذيني تقض مضجعي، لقد كثر العقوق بشكل ملحوظ وما زالت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة تتحدث عنه وترسم له حلولاً قد تجهض أحياناً!! هناك من يروي في مجالسنا قصصاً واقعية مؤلمة عن العقوق لا يكاد يصدقها عقل يندى لها الجبين.. هذه القصص المنسوجة من الواقع المرّ مذمومة بكل المقاييس.. مهما كانت مبرراتها وأعذارها. فالأم: هي القلب النابض الذي يتدفق عبر شرايينه العطف والحنان والإنسانية لذلك لا بد أن يتغلغل حبها داخلنا ويزرع في قلوبنا وإلاّ لتحولت قلوبنا إلى زائدة دودية لا فائدة منها والأولى اقتلاعها.. فكيف تعق تلك الأم الرؤوم وهذه الشمعة المضيئة وديننا الحنيف أمر ببرها والاحسان إليها والوقوف معها قلباً وقالباً..؟ أيها العاق: قبل أن تقول لها كلمة أف أو زجر انظر لحالها وما تعانيه منذ شبابها وحتى كبرها وعجزها، إنها تسهر لتنام وتجوع لتشبع وتظمأ لترتوي أنت إنها قالب حنان ألا تستحق بعضاً من الحنان والحب والطاعة؟ إنّ الكلمات مهما تبلورت وتجمعت تعجز بما فيها من مدح وثناء أن تفي تلك الإنسانة حقها فهي مجمع التضحية والطيبة فعندما يستوطنك الألم ويهجرك الأمل لا تجد ملجأ لك بعد الله سوى تلك الإنسانة التي تفتت صخور اليأس وتزرع الأمل فكيف تمتد يدك لتطفئ تلك الشمعة باسم العقوق وكيف يعلو صوتك صوتها وكيف تزجرها أو تنهرها؟ إنها باب من أبواب الجنة «فالجنة تحت أقدام الأمهات» فمن أراد الجنة فليسع لارضائها وتحقيق رغباتها والخضوع لها قولاً وعملاً. عذراً إن قسوت أحياناً في بعض جملي أو فتقت كلماتي جروحاً داخلكم ولكن الحقيقة التي يعيشها واقعنا من عقوق مر تجبرني على الكتابة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عذراً إن أحزنتكم بكتاباتي تلك ولكن عندما أعايش الأحزان وتلك العقوق تختفي أهازيج الفرح من نفسي وتتعمق روح المعاناة داخلي فيتولَّد داخلي نوع من الآلام لأتدفق أنهاراً من بكاء فتذكرت قول أمية بن أبي الصلت يعاتب ابنه بعد أن أبدى له عقوقاً بقوله: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أدني إليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكواك إلا ساهراً أتململ فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوَّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن عليّ بمال دون مالك تبخل وبعد تلك الأبيات لا أظن هناك تعبيراً نثرياً أعظم منها فقد أوفت وكفت وعبرت عن العقوق والذي ما زال يسري في مجتمعنا سريان النار في الهشيم. فإليك أيها العاق تلك الكلمات علَّها تعتلي سويداء قلبك وهذه الابيات علها توقظ احساسك وشعورك فتبعدك عن حناجر الغدر وأسهم العقوق ورماح النكران فتكون ابناً باراً لتعود الأم شمعة مضيئة تضيء لأبنائها دياجير الظلام ودوحة وارفة الظلال تفيء على من حولها لتعيش الأسرة بسلام وأمان. فاللهم اجعل والدينا لنا باباً من أبواب جنانك، وارزقنا طاعتهم في غير معصيتك، وألهمنا اللهم شكرك وشكرهم إنك سميع مجيب الدعاء.