✒إن المشاعر لغةٌ ناطقة تتحدثُ عنك وتصفُ ما بداخلك بكل معنى، وتتُرجمُ مواقفك التي تُصادفها في حياتك ،ولكن أحياناً بعض هذه المشاعر الجياشة لا تستطيع ترجمتها ولا أن تصفها حتى بخيالك أيضاً ، حينما تتعلق بأشخاصٍ يعتبرون هم جوهرُ حياتك والحضن الدافئ لك من صقيع الحياة الخارجي، ونبعُ الحنان الذي لا يجف عنك طالما تلك الأنفاس تتصاعدُ بهم وتعودُ مرةً أخرى من ذاك الجوف المظلم والمُضيء بنورِ العطفِ والحنان . فعندما نبدأُ بالحديث عن (الأم ) فإن المشاعرَ تختلط عند هذا الموقفِ بالذات وتتلعثمُ الألسن عن الحديث عنهن ،ماذا بنا أن نقول وبماذا نتحدث ؟وكيف نَصفُ مشاعرنا عنها وهي الجنة التي أحاطها الله لنا بسور الرحمة في الدنيا وتحت أقدامها نعيشُ بذلك النعيم؟ أحياناً ينتابُنا شعوراً بالألم عندما تُصاب أمهاتنا بأذىً أو بأساً لا قدر الله ففي تلك اللحظة تشعرُ وكأن الحياةَ أسودت بوجهك واختفت معالمُ السعادة عنك كيف هو الحال عندما تُشاهد بسلاسل العقوق تُحيط بهذه (الأم) من بعض الأبناء بطريقةٍ مؤلمة ومؤسفة فتُعبرّ عن تلك العقوق بقلب الأم الحاني وبكلّ رحمةٍ ولطف وبرّ بأبنائها .. في أحد الأيام شاهدتُ في مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً ينفطرُ له القلب ويعتصرُ ألماً من كمّ الأسى الذي في ثناياه عن أحد الأمهات الفاضلات وهي ذاهبة إلى أحد محلات إصلاح الجوالات تطلبُ منهم إصلاح جوالها لربما به خلل فقامت وقدمته إلى صاحب المحل وقالت جوالي (خربان) فقال لها سوف أصلحه لك فغاب صاحب المحل لثواني معدودة ثم عاد إليها وقال لها يا أمي جوالك سليم لا يوجد به خلل قالت كيف إنه خربان قال لها كيف عرفتي بأن جوالك خربان قالت لم أعد أسمع أصوات أبنائي ولم يتصلوا بي على هذا الجوال منذ مدة هنا وقَفَ صاحبُ المحل متأثراً بكلامها وملامحُ الأسى والحُزنِ على وجه ، فقال لها يا أمي يبدو أننا لم نستطيع إصلاح جوالك ،فأعطاها إياه وعادت الأم أدراجها خارجةً من ذلك المحل ولم تعلم بأن ما وقعَ على كاهلها ماهي إلا ألالامُ العقوقِ من أبنائها ، ولكنها تُصرّ بأن تلتمسَ لهم العذر ، فعند خروجها كانت حسرتها فقط هو عدم إصلاحهم للجوال وكيف ستسمع صوت أبنائها مرة أخرى ولم تكن تعلم بأنها تعيشُ في مرحلة العقوق وهم من اختاروا أن يقطعوا صلتهم بها فتلك هي بدايةُ المأساةِ والعقوق بالأم . قال الله تعالى "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وفصاله ثلاثون شهراً " فالحديث عن (الأم ) لا يكفيه مقالٍ واحد بل نحتاج إلى مجلدات كي ننثرُ بها مشاعرنا ونسطر في صفحاتها عن خواطرنا عنها . (الأم) كلمةٌ عظيمة بالرغم من حروفها الصغيرة إلا إن معانيها عميقة فكل حرفٍ من حروف هذه الكلمة له معنىً من معاني الحب والحنان والعطف. هي الصدر الحنون لك من متاعب الحياة . هي النهر المتدفق من العطاء الذي لا ينضب . و من نبع حنانها تُعطيك دون ملل ولا تنتظر بأن تأخذ منك . هي مَهدٌ لك يوم أن كنتَ صغيراً . وحضناً دافئاً لك من برد الشتاء القارس . و شمعةٌ تُضيءُ لك الحياة عندما يُطفأها ظلام الهمومِ وقسوةُ الحياة . أمك هي الأولى برعايتك لها وعطفك وحنانك عليها ..فلا تكترث بمشاعرك عنها . لا تُهدي أمك من مشاعر القسوة والعقوق أبداً فإن الزمن سيدور بك يوماً ما ويُهْدى لكَ من أبنائك فلا تستعجل بتلك اللحظات وتُقرّب من أجلها إليك . فمهما تحدثت عن الأم فتلك الكلمات قد لاتوفيها ، ولا ترفعها أي عبارة مهما تحدثت عنها فإنها تسكنُ وتستقرُ إلى الأبد في جوف القلبِ وعمقه . لأمك حق لو علمت َكثير كثيرك يا هذا لديه يسيرُ لتبحث عن رضا رب العباد وتسعى لمغفرة الذنوب وستر العيوب عنك لأجل أن تفوز بجنة السماواتِ والأرض .ولن تجده إلا عند عتبة الرضا لأمك . لا تبادل تلك الرحمةِ بالعقوق والتقصير في حقوقها تذكر بأن رحيلها سيدنو منها في أحد الأيام دون سابق إنذارٍ لك تخيل عند دخولك لمنزلها وإنك لن تستطيع رؤيتها ولن تبصر بتلك التجاعيد التي تبعثُ الأمل لحياتك أطمع بقربك منها وبرها اليوم قبل فواتِ الأوان واستشعر بلحظات فقدها وأن تقرأ ذلك . ومن المؤسف جداً فإن صور العقوق المنتشرة اليوم لتقشعر منها الأبدان وتتألم بسماعها القلوب فلاتكن سبباً لدمعة أمك يوما ما بل كن ذلك المأوى لها قبل رحيلها ..وشمّر لها عن ساعدك من أجل رضاها فإن الرحيل عن هذه الدنيا لشخصٍ عزيز هو قسوةً على عاتق الأحياء كيف ومن سيغيبها الموت في ذلك الوقت هي أمي وأمك بعد عمر طويل لهن فسِرّ خاطرها ببرك وحنانك واخفض بجناح الذل والرحمةِ عليها بأقوالك وأفعالك . قال الله تعالى( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) فمهما تألمنا من قصصِ العقوق والقسوةِ على الأمهات فهناك جانبٌ مضيء من قصص البر بهن فإن العينَ تدمع لذلك الجمال بحسن البر بالأمهات من بعض الأبناء وكذلك بحالِ من رحلت أمهاتم عنهم وهم يرغبون بالمزيد من البر بهن والعطاء لهن ولكن حالت الأقدار بينهم وغيبهن الموتُ عنهم وافتقدوا الغذاء لأرواحهم الطفولية . لا ننتظر تلك اللحظات أن تحين علينا وتؤلمنا حسرةُ الندم لنستغل وجودهن ونسعى بتقديم أرقى صور البر بهن فالأم هي بابٌ للجنة فمهما قدمنا لهن يبقى التقصيرُ بحقهن دافعاً لنا بأن نقدم لهن الأكثر ولنستشعر بذلك دائماً . ومااستطعتُ ان اكتبهُ في هذا المقال ما هو إلا جزءاً من فيضِ ما يحملُ قلبي من مشاعر عن أرق ماخلقَ الله على هذه الأرض و هي (الأم ) فإني أوصي نفسي أولاً ثم أوصيكم بالبر بالوالدين والرحمةِ بهم ولكن لتضاعف من نعيم البرّ بالأمهات بصفةٍ خاصة . قال الإمام الشافعي : واخضع لأمك وارضها فعقوقها إحدى الكبر فالأم كنزٌ ثمين وقد جسّده "وليم شكسبير" بأجمل المعاني وأرقها حين قال (( ليس في العالم وسادة أنعم حضن الأم )) *إضاءة : بروا أمهاتكم يبركم أبنائكم غداً .