عَرَّف «أرسطو» الدراما الحقيقية بأنها هي التي تجعل المتلقي يصل إلى مرحلة التطهير من الانفعالات، وهي بدورها كفيلة بأن تعالج العديد من قضايا ومشاكل المجتمع. أي أننا لا نكتفي بطرح قضية واقعية يُعاني منها المجتمع، بل يجب ان نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وهو الهدف الأساسي للتراجيديا الحقيقية (التطهير من الانفعالات). وتبقى المعُضلة في كيفية جعل المشاهد يصل لهذه المرحلة ومن هنا تنطلق أهمية دور الفريق الفني بدءاً من المخرج وانتهاء بالكومبارس. فالعمل الدرامي يحتاج لتسلسل منطقي مترابط درامياً بشكل يجعل المشاهد يتفاعل في انجذابه مع الأحداث تدريجياً. وقد وفق فريق عمل «طاش11» في حلقة «البادي أظلم» التي صاغها الكاتب المتميز «عبدالله بن بخيت» وترجمها درامياً المخرج عبدالخالق الغانم «لتظهر لوحة فنية اكتملت فيها ملامح (المأساة الحقيقية) التراجيديا بإتقان ليس له مثيل. فعندما ابتلي صاحب البقالة الرجل البسيط ذو الاحلام المتواضعة برجل متسلط غوغائي (مشكلجي) جعله يفقد صوابه ويرميه بزجاجة بدأ التصارع الدرامي في تطوير مستمر فالزوجة (الغلبانة) لا تدري ماذا تفعل بطفلها البريء والأب يعيش في مرحلة صراع ذهني داخل السجن. وكما ان الفعل الدرامي يرتبط بما قبله ويؤدي لما بعده.. شاهدنا الأحداث تستمر.. حتى كبر الابن.. ليذهب لأبناء الضحية طالباً منهم التنازل وأنا هنا أراهن كناقد فني على أن هذا المشهد يُعدُّ من أفضل وأروع المشاهد التراجيدية التي ذرفنا فيها دمعة الحزن والأسى!! وفي هذه الحلقة رأينا الفنان القدير «عبدالله السدحان» يُعبر بواسطة ملامح وجهه وإيحاءاته بتعبيرات مؤثرة جداً.. فالمشهد الذي يقوم فيه الجنديان باقتياده إلى الضابط لإنهاء إجراءات الحكم أبدعت هنا كاميرا المخرج في اقتناص لقطات وزوايا كانت كفيلة بحد ذاتها بأن تجعل المتلقي يتساءل عن مصير «السدحان» هل سيتنازل أبناء الضحية.. أم سيصاب بسكتة قلبية من جراء الضغط النفسي والتوتر العصبي اللذين لازماه طوال فترة بقائه في السجن لانتظار.. (حكم الشرع!!). وهذه التساؤلات التي كانت تتقافز في أذهان المشاهدين هي المرحلة ما قبل الأخيرة، أي قبل الوصول للتطهير من الانفعالات حتى وصلنا إلى ساحة تنفيذ الحكم.. وحسم أصغر أبناء الضحية الحلقة.. وكانت ختاماً درامياً تراجيدياً متكاملاً من جميع النواحي الفنية.