أولئك هم أصحاب الجباه النيرة والنفوس الأبية الصارمة والعقول المتقدة الجنحة في ملكوت الله.. تحسبهم أغنياء من التعفف يتلذذون بالفاقة بقدر ما يجدونها فارغة، الفقر ليس عيباً والغنى كذلك إنما العيب ان يتقمص الفقير ثوب الغني ويجحد الغني رداء الفقر، أصناف من الناس شتى كل على شاكلته يتمرغ كيفما شاءت الأقدار وطبقات ومراتب ومستويات جعلت الأرواح تتسامى والأجساد تتفاضل حتى انه ليخضع صاحب الحظ الأدنى لصاحب الحظ الأعلى أو يزيد بينما يظل البسطاء من الناس أولي الصبر والثناء يسبرون أغوار الحمد بالحمد مؤمنون بما آتاهم الله شاكرين ومقدرين حفظه وستره ينفقون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فهم متأقلمون مع الطعن والطاعون.. سباقون إلى الخير لا يسبقهم إليه أحد.. حكمتهم.. «لا تفني القناعة وفيها نحن» كنز لا ينضب منه يأكلون ومنه يشربون ومنه يغتسلون، وإذا ما أرادوا النوم توسدوا أرجاءه وناموا.. ما أجمل أن تنام خالي الوفاض قرير العين هانئ البال والسريرة. أرأيت أحداً كهؤلاء، يمشي مطمئناً واثق الخطى غير مكترث بسهم صعد أو نزل، غير آبه بحلال ضاع أو تدهور. ما أجمل هؤلاء.. لا يَحسدون ولا يُحسَدون.. أوضاعهم مستتبة وحياتهم المعيشية ثابتة مستقرة، يشار إليهم بالبنان لا بأكف الإحسان حرموا البذخ لأنه حرام، وكرهوا الحرام لأنه تجن وتواكل. أما أولو النعمة والفضل.. فهم كثر.. قد لا يجد الكثير منهم متنفساً لراحة البال وقرارة النفس والحال، وهم بما آتاهم الله متفاوتون في حياتهم وطريقة عيشهم، منهم الكريم ومنهم البخيل ومنهم اللئيم ومنهم الجواد الصالح الباحث عن الطاعة والرضا.. لا ينكر عليه الصلاح ونقاء السريرة والفلاح والنوم متى غدا أو راح. وبما انه كذلك.. تبقى لذة العفاف.. هي اللذة الأجمل والأرق في زمن المخاض.